حملت معها ذكريات السياسة والباشوات وحكايات الجاسوسية

مصر: عوامات «نجيب محفوظ» تبحر إلى غير رجعة

صورة

دخلت قرارات إزالة العوامات الراسية على شاطئ النيل بغرب القاهرة والمحاذية لأحياء العجوزة والكيت كات حيز التنفيذ النهائي، وذلك لتهالك هذه العوامات، وتسببها في تلوث مياه النيل حسب الرواية الإدارية الرسمية. وتم إزالة 32 عوامة واستثناء عوامة واحدة لأسباب إنسانية، بحسب مصادر وزارة الموارد المائية والري المصرية، رغم حملة معارضة اعتبرت قرارات الإزالة ماسة بالتاريخ والتراث المصري، الذي تمثله هذه العوامات.

وقال خبير في مجال محليات القاهرة لـ«الإمارات اليوم»، إن «وقف ترخيص العوامات بالعجوزة والكيت كات بدأ منذ العام الماضي، حيث كانت العوامة قبل ذلك تدفع ترخيصاً سنوياً وصل إلى 60 ألف جنيه في طوره الأخير، حيث صدر قرار الإزالة عام 2020 ثم تم تأجيله إلى 28 يوليو الجاري، وعرض على أصحاب العوامات تغيير النشاط من وضع ملاك عقارات، إلى وضع أصحاب نشاط تجاري، لتصبح العوامات مطاعم وكافيهات، وبالتالي دفع رسوم أعلى مقابل النشاط الجديد، لكنهم رفضوا».

من جهتها، شنت الكاتبة والروائية أهداف سويف، التي تقطن في إحدى هذه العوامات حملة على محاولات إزالتها، وردت على الحجج الرسمية القائلة بتلويثها للنيل وتهالكها، بالقول إن أصحاب العوامات جددوها وأدخلوها في نظام الصرف الصحي، وفعلوا كل ما طلبته الإدارات المتتالية منهم للحفاظ عليها.

و«بثت سويف فيديوهات يومية عبر صفحتها في (فيس بوك)، تشرح فيها وقائع ما تتعرض له عوامتها كان آخرها جولة مفصلة داخل المنزل استعرضت خلالها مكتبتها، ومطبخها، وغرف أحفادها وألعابهم، وشرفتها المطلة على النيل وذكرياتها، وعرضت سويف في آخر فيديو مشاهد عملية إخلاء العوامة، وبدت قوية ومتماسكة، لكنها لم تستطع إخفاء حسرتها»، بحسب متابعات صحافية.

وتقدمت البرلمانية أميرة صابر بدعوة وجهتها إلى رئيس الحكومة المصرية ووزير الموارد المائية ووزيرة البيئة للإدلاء ببيان عاجل، قالت فيها «إنها تعتبر تلك العوامات شاهداً على العصر وعلى وقائع من تاريخ مصر السياسي والثقافي والفني، وإنها شهدت ميلاد قامات فنية مثل فريد الأطرش ومحمد عبدالمطلب، ومحمد عبدالوهاب. كماكانت تلك العوامات مسرحاً لقصص الجواسيس والمؤامرات السياسية، وملاذاً للوطنيين ورجال السياسة ومقراً للبطولات المصرية، حتى قيل في فترة الملكية إنه إذا استرق أحد الصحافيين السمع لأحد العوامات، لعرف أسرار مصر كلها»، في إشارة من البيان في الفقرة الأخيرة إلى واقعة عقد رئيس الحكومة، حسين رشدي، اجتماعات حكوماته على مدى أربع وزارات متتالية من 1914 إلى 1919 داخل إحدى هذه العوامات، بحسب مذكرات «سلطانة الطرب» منيرة المهدية.

وتابع البيان «أنه منذ الستينات اتخذت الحكومات عدداً من القرارات التي أدت إلى تقليص عدد العوامات من 600، إلى حدود 30 عوامة الآن، عن طريق قرار نقل عدد منها في الستينات، وقرار وقف إصدار تراخيص لعوامات جديدة في عام 2006. مع هذا، ظلت الحكومات المتعاقبة تواصل إصدار تراخيص سنوية تسمح لسكان تلك العوامات بالانتفاع بها مدى الحياة».

غير قانونية

وقال البيان إن «الحكومة تستند في حجتها إلى زعم عدم قانونية تلك العوامات وعلى قيامها بتلويث مياه النيل»، لكن رداً على ذلك «نشير أولاً إلى أن قرارات الإزالة شملت فقط العوامات السكنية والتاريخية منها وليست السياحية المملوكة لرجال الأعمال. كذلك، نشير إلى أن قيام الحكومة بمنح تراخيص سنوية للانتفاع يقوض حجة الحكومة. أما بخصوص الإشارة إلى تلويث تلك العوامات لنهر النيل وتشويهها له، فهذا بحد ذاته لا يستدعي إزالتها، بل يحتم على الحكومة تغريم أصحابها وتقويم الوضع. وعليه، نطلب إجراء تصحيح فوري للوضع عن طريق وقف قرار الإزالة، وبحث إمكانية نقل السكان لسكن بديل، والاحتفاظ بذلك الفصل من تاريخ مدينة القاهرة».

وذكرت الدراسة أن «من أشهر العوامات تلك الخاصة بالفنانة اللبنانية بديعة مصابني التي تزوجتنجيب الريحاني، وتطل على شيراتون القاهرة، وتردد عليها عدد من الفنانين منهم الفنان محمد عبدالمطلب، والراقصة تحية كاريوكا».

كما تطرقت الدراسة إلى «قصة الراقصة حكمت فهمي صاحبة العوامة الشهيرة في الكيت كات، التي نسجت حولها القصص والمسلسلات التلفزيونية، بوصفها مسرحاً لتردد الجنود البريطانيين، والتي كانت فهمي تتجسس عليهم لصالح الألمان. وقد اتهم الرئيس المصري الراحل أنور السادات بعمله معها كجزء من نشاط الحركة الوطنية، لمتابعة جنود الاحتلال البريطاني، وتم القبض عليه وفصله من الجيش وقتها».

وتطرقت أيضاً إلى «إقامة الأديب العالمي نجيب محفوظ لفترة 25 عاماً بعوامة حسين باشا دياب، وكتابته رواية (ثرثرة فوق النيل) فيها، وتأثرت أجواء ثلاثيته بها، حيث كانت شخصيته الأشهر السيد عبدالجواد (سي السيد) تتردد على إحدى العوامات في علاقة مع راقصة في الخفاء، بينما يعيش حياته العلنية كتاجر ملتزم».


تعتبر العوامات شاهداً على العصر وعلى وقائع من تاريخ مصر السياسي والثقافي والفني.

أقام الأديب العالمي نجيب محفوظ لفترة 25 عاماً بعوامة حسين باشا دياب، وكتب روايته «ثرثرة فوق النيل» فيها.

تويتر