نتيجة ارتفاع أسعار الحبوب

الحرب في أوكرانيا تضع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على صفيح ساخن

صورة

يبدو أن الحرب في أوكرانيا قد وضعت الشرق الأوسط على صفيح ساخن. ففي إيران، أعلنت الحكومة بأنها ستوقف الدعم عن مادة الدقيق، إثر ارتفاع الأسعار العالمية نتيجة الحرب في أوكرانيا. وأدى هذا الإعلان إلى موجة من الاحتجاجات التي سرعان ما تحولت إلى تظاهرات سياسية دعت إلى الإطاحة بالحكومة الإيرانية. ولكن ليس إيران وحدها هي التي تأثرت في المنطقة نتيجة ارتفاع أسعار الدقيق.

وفي عام 2020، زودت روسيا وأوكرانيا ما نسبته 43% من واردات الدقيق، إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مقارنة بـ19% عام 2008، حيث تعتمد هذه المنطقة بشدة على القمح الروسي والأوكراني.

ليست الصدمة الأولى

ولم تكن مثل هذه الصدمة هي الأولى من نوعها في التاريخ، حيث أدت الاضطرابات في أسواق الحبوب العالمية إلى تسخين المناخ السياسي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إذ ارتفعت أسعار القمح بصورة هائلة ثلاث مرات منفصلة في الفترة ما بين 2008 و2012، ونجم عنها ما بات يعرف بالربيع العربي، وتدهورت الأمور إلى حالة حروب دموية. ولتخفيف هذه المخاطر خصصت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مئات الملايين من الدولارات لمكافحة انعدام الأمن الغذائي العالمي.

أسواق الحنطة والقمح

إلا أن الإدارة يجب أن تتعامل بصورة مختلفة مع الدول الصديقة، عن تعاملها مع الدول العدوة، إذ أنه يجب أن تكون مساعدة الدول الشريكة مثل المغرب وتونس، ومصر أكثر سخاء. وبالمقارنة، لا يوجد هناك أي سبب يدعو إلى دعم دولة مثل إيران، التي يعتبر فسادها ومغامراتها العسكرية الدوافع الأساسية التي أوصلت البلاد إلى الوضع الصعب الذي يعيشه شعبها، حتى قبل الحرب في أوكرانيا.

وثمة طرق عدة أسهمت بها الحرب في زعزعة استقرار أسواق الحنطة والقمح، التي تعتبر روسيا وأوكرانيا من أكبر المصدرين لها.

فأولاً، أسهمت الحرب ذاتها في تعقيد عملية زراعة وحصاد المحاصيل إن لم نقل إنه بات من المستحيل القيام بذلك.

وثانياً، أدى الحصار الذي تفرضه روسيا على موانئ أوكرانيا في البحر الأسود إلى انخفاض الصادرات بشدة.

وثالثاً، يمكن أن تؤدي العقوبات على الغاز والنفط الروسيين إلى تهديد الإمدادات، وزيادة التكاليف للأسمدة والوقود، كما ارتفعت أسعار البذور نفسها أيضاً.

ورابعاً، وعلى الرغم من عدم وجود عقوبات على الحبوب الروسية، إلا أن العقوبات المالية تفاقم من صعوبة القيام بأي عملية تجارية مع روسيا. وزادت صعوبة النقل أيضاً بسبب العمليات العسكرية وخطورة حركة سفن الشحن.

شح المياه في شمال إفريقيا

وتعاني منطقة شمال إفريقيا شحاً بالمياه المتجددة، إذ أنها تحوي 2% من مصادر المياه المتجددة في العالم، ما أدى إلى حدوث الكثير من موجات القحط. ولذلك تعتمد دول هذه المنطقة بشدة على استيراد الحبوب من أجل تحقيق أمنها الغذائي، كما تتأثر كثيراً بالارتفاع المفاجئ للأسعار. وتعتبر مصر، والجزائر، والمغرب من بين أكبر مستوردي الحبوب في العالم عام 2020.

وتجاوزت الصادرات الأوكرانية والروسية من الحبوب حصة الأسواق في شمال إفريقيا، إذ أن روسيا كانت المصدر الأول في العالم للقمح عام 2020، في حين أن أوكرانيا جاءت في المرتبة الخامسة. وخلال السنوات القليلة الماضية جاء ربع صادرات العالم من القمح من أوكرانيا وروسيا، وهي الحصة التي ارتفعت بحدة منذ عام 2008. وتمتلك روسيا 27% من حجم السوق، في حين أن أوكرانيا تملك 16% منه.

وفي الفترة ما بين 2018 و2020 صدرت روسيا وأوكرانيا من الذرة ما قيمته 6.5 مليارات دولار سنوياً إلى منطقة شمال إفريقيا، أي 23% من إجمالي واردات المنطقة، وكانت حصة أوكرانيا منها 19% في حين حصة روسيا 4% فقط.

وتتمتع معظم دول شمال إفريقيا بعلاقات جيدة مع روسيا، ولذلك ليس هناك ما يدعو موسكو لاستخدام قضية تصدير الحبوب سلاحاً ضد هذه الدول. ولكن الدول الفقيرة في المنطقة، ربما لاتزال تكافح من أجل تحمل فاتورة الصادرات الروسية من الحبوب.

سلة خبز الإمبراطورية الرومانية

وعلى الرغم من أن مصر كانت سلة خبز الإمبراطورية الرومانية، إلا أنها أصبحت الآن أكبر مستورد للقمح في العالم، حيث استوردت 81% من حاجتها من القمح من روسيا وأوكرانيا في الفترة ما بين 2018، و2020. ويصنف البنك الدولي مصر باعتبارها دولة ذات دخل متوسط منخفض، وبناء عليه فإنها تتأثر بصورة كبيرة بارتفاع أسعار المواد الغذائية.

واستوردت كل من لبنان، وليبيا، واليمن 50% أو أكثر، من حاجتها من القمح من كل من أوكرانيا وروسيا في الفترة ما بين 2018 و2020. وحصلت ليبيا وتونس على نصف حاجاتهما أو أكثر من الذرة، من أوكرانيا وروسيا. وإذا استمرت الحرب في أوكرانيا، فربما سيجد مستوردو القمح أنفسهم أمام صدمة أكبر في النصف الأول من العام 2023. وربما تقدم الولايات المتحدة مساعدات إضافية للدول الصديقة مثل تونس والمغرب ومصر، لتمكينها من تأمين الواردات الكافية من هذه المادة، وتحقيق أمنها الغذائي. وتتلقى لبنان، وسورية، واليمن حالياً مساعدات إنسانية كبيرة من خلال الأمم المتحدة، يدفع معظم ثمنها الولايات المتحدة ومانحون غربيون آخرون.

برج سكني

وأصبحت إيران، التي شكلت تهديداً لمصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط طيلة العقود الأربعة الماضية، مشهداً للاحتجاجات نتيجة ارتفاع أسعار الخبز خلال الأسابيع القليلة الماضية. ووقعت أهم هذه الاحتجاجات في الأقاليم الواقعة الجنوب الغربي، حيث يعتبر سوء إدارة المصادر المائية هو الأسوأ في شتى أنحاء إيران. وتضافرت هذه الاحتجاجات مع التظاهرات الناجمة عن انهيار برج سكني، أدى إلى مقتل 41 شخصاً في عبدان، في إقليم خوزستان الواقع في جنوب غرب إيران.

ويتمثل العامل المشترك بين معظم هذه الاحتجاجات الشعبية التي هزت إيران منذ عام2017، في أنه على الرغم من أنها تبدأ لأسباب اقتصادية، إلا أنها تتحول سريعاً إلى سياسية، وسخط داخلي يعرض النظام الحاكم للخطر. ويبدو أن أزمات إيران الاقتصادية لن تنتهي قريباً بالنظر إلى أن الحكومة الإيرانية تعتبر أن مواصلة العمل من أجل إنتاج سلاح نووي، إضافة إلى مغامراتها العسكرية الخارجية أكثر أهمية بكثير من تطوير حياة مزدهرة لمواطنيها.

سعيد غاصمي نجاد باحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية متخصص في إيران.


عام 2020، زودت روسيا وأوكرانيا ما نسبته 43% من واردات الدقيق، إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مقارنة بـ19% عام 2008، حيث تعتمد هذه المنطقة بشدة على القمح الروسي والأوكراني.

على الرغم من عدم وجود عقوبات على الحبوب الروسية، إلا أن العقوبات المالية تفاقم من صعوبة القيام بأي عملية تجارية مع روسيا. وزادت صعوبة النقل أيضاً بسبب العمليات العسكرية وخطورة حركة سفن الشحن.

تويتر