قبل أن يصبح سياسياً ويفوز برئاسة البلاد

الرئيس الكولومبي انضم لجماعـة متمردة تقتدي بتقاليد مجموعة «روبن هـود»

صورة

أصبح الزعيم اليساري، غوستافو بيترو، رئيساً جديداً لكولومبيا بعد فوزه على المليونير العقاري، رودولفو هيرنانديز، في الانتخابات الرئاسية لعام 2022. ويعتبر أول تقدمي يتولى ذلك المنصب في تاريخ البلاد، ما يمثل تحولاً جذرياً في اللعبة السياسية في كولومبيا. فما خلفيات هذا الرجل؟

في سن الـ17، قبل وقت طويل من ظهوره مرشحاً يسارياً منتصراً، كان بيترو عضواً فاعلاً في جماعة «إم-19»، وهي مجموعة ظلت تمارس حرب عصابات حضرية سعياً للاستيلاء على السلطة، ومارست هذه المجموعة عمليات اختطاف على نسق زعيم كارتيل المخدرات، بابلو إسكوبار، وغالباً ما كانت تستخدم العنف من أجل الاستيلاء على السلطة في البلاد. وبالنسبة لبعض الناخبين الكولومبيين، كان ماضيه يشكل مصدر قلق لهم بعد عقود من الصراع المسلح. وبالنسبة لآخرين، فقد منحهم ذلك أملاً في واحدة من أكثر البلدان اختلالاً في ميزان العدالة، في أميركا اللاتينية.

تأسست المجموعة في عام 1970 في رد فعل على التزوير المزعوم للانتخابات الرئاسية في ذلك العام. كانت أصغر بكثير من مجموعة حرب العصابات الرئيسة في البلاد، القوات المسلحة الثورية لكولومبيا، أو ما تسمى «فارك» الماركسية التي احتمت بغابات كولومبيا، والمناطق الريفية. وكانت مجموعة عسكرية حضرية شكلها طلاب جامعيون ونشطاء وفنانون، أرادوا الإطاحة بنظام حكم يعتقدون أنه فشل في معالجة الانقسام المزمن بين الأغنياء والفقراء. وحاولت هذه المجموعة في الأصل الترويج لمفهوم روبن هود، وسرقة الحليب من شاحنات السوبر ماركت لتوزيعه في الأحياء الفقيرة، وفي عمل تمرد رمزي. وتحولت «إم-19» لاحقاً إلى تحالف ديمقراطي.

سرقة سيف بوليفار الشهير

في عام 1974 سرق هؤلاء المتمردون من «بيت بوليفار» سيفاً يعود لمحرر أميركا الجنوبية الموقر سيمون بوليفار، عندها أطلقت البلاد حملة وطنية لاستعادة السيف، الذي يرمز للسيادة الوطنية. وكان سيمون بوليفار استخدم هذا السيف في معركته لتحرير كولومبيا من الاستعمار الإسباني. وتوفي بوليفار، الذي حرر الكثير من أميركا الجنوبية من الحكم الإسباني، في كولومبيا عام 1830. ووعد المتمردون بإعادة السيف بحلول 18 ديسمبر 1990، والذي يصادف الذكرى الـ160 لوفاة بوليفار. إلا أن المتمردين وجدوا أنفسهم في قلب عاصفة سياسية، عندما لم يتمكنوا من الوفاء بتعهدهم. كما ترددت شائعات بأن السيف قد انتقل إلى ملكية مهرب المخدرات سيئ السمعة، بابلو إسكوبار، مقابل امتيازات منحها للمتمردين، وإنه كان في حوزة الزعيم الكوبي، فيديل كاسترو.

وفي حين أن «إم-19» كانت أقل وحشية من الجماعات المتمردة الأخرى، إلا أنها دبرت ما يعتبر أحد أكثر الأعمال دموية في تاريخ البلاد الحديث عام 1985، حيث اقتحمت قصر العدل في بوغوتا، ما أدى إلى مقتل أكثر من 100 شخص، منهم ما يقرب من نصف قضاة المحكمة العليا في البلاد. واستولى أعضاء المجموعة على القصر واحتلوا المحكمة العليا، بنية محاكمة الرئيس آنذاك، بيليساريو بيتانكور. وناشد رئيس المحكمة العليا ألفونسو رييس إتشانديا، الذي توفي في الحصار، في مكالمات هاتفية من محطة إذاعية في بوغوتا، الحكومة لوقف إطلاق النار والحوار مع المتمردين، إلا أن بيتانكور رفض مطالب المتمردين. وفي عام 1980، اقتحمت «إم -19» سفارة جمهورية الدومينيكان في بوغوتا واحتجزت 52 رهينة، من بينهم 15 سفيراً.

تم تسريح هؤلاء المتمردين في عام 1990 بعد اتفاق سلام مع الحكومة. وفي العام نفسه، أعيد السيف إلى منزل بوليفار في احتفال نظمه أعضاء المجموعة المتمردة. وقال زعيم المجموعة، أنطونيو نافارو وولف، في الاحتفال مخاطباً السيف «عبرت الجبال ودخلت منازل الوطنيين وعبرت الحدود».

بعد الانتخابات البرلمانية الكولومبية لعام 2006 مع ثاني أكبر تصويت، شغل بيترو منصب عضو في مجلس الشيوخ ممثلاً لحزب البديل الديمقراطي. وفي عام 2009، استقال من منصبه لخوض الانتخابات الرئاسية الكولومبية 2010، وجاء في المركز الرابع في السباق.

بعد خلافات أيديولوجية مع قادة حزب البديل الديمقراطي، أسس حركة كولومبيا البشرية للمنافسة على منصب عمدة بوغوتا. وفي 30 أكتوبر 2011، تم انتخابه عمدة لمدينة بوغوتا في الانتخابات المحلية، وهو المنصب الذي شغله في الأول من يناير 2012. وجاء في المرتبة الثانية في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي جرت في 27 مايو 2018، محرزاً أكثر من 25٪ من الأصوات لكنه خسر في جولة الإعادة في 17 يونيو.

دخول عالم السياسة

يرى بيترو أن صحوته السياسية جاءت عندما شاهد والده يبكي على وفاة الثائر الأرجنتيني إرنستو تشي جيفارا. ويعزو هذا السيناتور البالغ من العمر 62 عاماً ورئيس بلدية بوغوتا السابق سبب دخوله عالم السياسة أيضاً إلى الانقلاب العسكري عام 1973 الذي أطاح بحكم الرئيس الاشتراكي التشيلي سلفادور أليندي. في ذلك الوقت، كانت كولومبيا تنحدر نحو العنف. وقال بيترو إنه آلى على نفسه منذ تلك الفترة محاربة الأوليغارشية «الإقطاعية» التي تثري نفسها على حساب فقراء كولومبيا.

وفي تصريح لإحدى وسائل الإعلام، قال «سياسات القرن الـ21 تمثل سياسة حياة وسياسة موت»، ويضيف «أنا أمثل سياسة الحياة». وعلى الرغم من أنه لم يكن أبداً مقاتلاً، إلا أن السنوات التي قضاها بيترو في مجموعة «إم-19» المتمردة خلقت سبباً لانتقاده من قبل بعض المجموعات. في عام 1985، اعتقل الجيش بيترو بتهمة حيازة أسلحة بشكل غير قانوني. وأدين وحكم عليه بالسجن 18 شهراً، حيث قال إنه تعرض للتعذيب. ويقال إن فوز بيترو يمثل تغييراً جذرياً في السياسة الرئاسية لكولومبيا، التي لطالما همشت اليسار لارتباطه المتصور بالنزاع المسلح.

تهديدات بالقتل

أبلغ بيترو مراراً وتكراراً عن تهديدات ضد حياته وحياة أسرته، فضلاً عن تعرضه للاضطهاد من قبل الأجهزة الأمنية التي تديرها الحكومة. في السابع من مايو 2007، ألقى الجيش الكولومبي القبض على ضابطي صف في مخابرات الجيش الكولومبي كانا يتجسسان على بيترو وعائلته في بلدية تينغو، كونديناماركا. عرف الرجلان نفسيهما في البداية على أنهما عضوان في إدارة وكالة المخابرات الكولومبية، إلا أن مدير الوكالة، أندريس بينات نفي ادعاءاتهما.

أصوله وخلفياته

ولد بيترو ذو الأصول الإيطالية في مدينة سيناغا دي أورو في محافظة قرطبة عام 1960. كان والداه مزارعين. وسعياً لمستقبل أفضل، قررت عائلة بيترو الهجرة خلال السبعينات إلى بلدة زيباكويرا الكولومبية، الأكثر ازدهاراً والواقعة شمال بوغوتا. درس بيترو في دي هيرمانوس دي لا سال، حيث أسس صحيفة طلابية باسم «رسالة إلى الشعب»، ما مهد الطريق لكي يصبح زعيماً، وانتُخب أميناً للتظلمات في عام 1981 وعضواً في المجلس من عام 1984 إلى عام 1986. وتخرج بدرجة علمية في الاقتصاد من جامعة كولومبيا إكسترنادو، وبدأ دراساته العليا في الإدارة العامة. وفي وقت لاحق، حصل على درجة الماجستير في الاقتصاد من جامعة جافيريانا ثم سافر إلى بلجيكا وباشر دراساته العليا في الاقتصاد وحقوق الإنسان في جامعة لوفان الكاثوليكية. كما بدأ دراسته للحصول على درجة الدكتوراه في الإدارة العامة من جامعة سالامانكا في إسبانيا. تزوج بيترو ثلاث مرات. انتهى زواجه الأول من كاتيا بورغوس بالطلاق، وله ولد واحد منها. وكان متزوجاً من ماري لوز هيران منذ عام 1992 حتى عام 2003، والذي انتهى أيضاً بالطلاق، ولديهما طفلان. في عام 2003، تزوج من فيرونيكا ألكوسر وأنجب منها طفلين، كما تبنى ابن ألكوسر الذي أنجبته من زوج آخر.


الولايات المتحدة تفقد أحد أنصارها في أميركا اللاتينية

ظلت كولومبيا لأكثر من قرنين من الزمان نصيراً محافظاً للولايات المتحدة في أميركا اللاتينية. حتى مع مجيء الحكومات اليسارية وذهابها عبر المنطقة، ظلت المؤسسة السياسية من يمين الوسط مسيطرة على البلاد، وهي استمرارية عززت دور البلاد حليفاً رئيساً للولايات المتحدة. إلا أن كل شيء تغير يوم الأحد الماضي مع فوز بيترو، فقد جاء هذا السياسي اليساري ليستقطب لصفه ملايين الشباب والكادحين الفقراء الذي يتطلعون إلى شخص مختلف.

كان انتصاره، الذي لم يكن من الممكن تصوره قبل جيل واحد فقط، أكثر الأمثلة المذهلة حتى الآن على كيفية تغيير وباء كورونا لسياسات أميركا اللاتينية.

فقد ضرب الوباء اقتصادات هذه المنطقة بشكل أقوى من أي مكان آخر في العالم تقريباً، حيث فقد 12 مليون شخص من الطبقة الوسطى وظائفهم وممتلكاتهم في عام واحد. وفي جميع أنحاء القارة، ظل الناخبون غاضبين من حكوماتهم لفشلها في انتشالهم من بؤسهم. وكان الفائز هو اليسار في أميركا اللاتينية، الذي يمثل حركات متنوعة من القادة الذين يستطيعون أن يلعبوا الآن دوراً قيادياً في نصف الكرة الأرضية.

أسباب النزاع الكولومبي المسلح

النزاع المسلح الكولومبي جاء نتيجة مباشرة لصراع اجتماعي وسياسي عميق الجذور، فعلى الرغم من الثروة الطبيعية الهائلة في البلاد، يعيش عدد كبير من الكولومبيين في فقر مدقع. ويتركز هذا الفقر بشكل خاص في المناطق الريفية. وبينما يعيش 30٪ تحت خط الفقر في المناطق الحضرية في كولومبيا، يرتفع هذا الرقم إلى 65٪ في المناطق الريفية. ونتيجة لذلك، تعد كولومبيا واحدة من أكثر الدول تفاوتاً اجتماعياً في العالم.

وعلى مدار تاريخ كولومبيا، فإن فرص معالجة هذا التفاوت الاجتماعي من خلال النظام السياسي يعيقها العنف السياسي المنهجي. فقد تم استهداف أحزاب المعارضة والحركات السياسية التقدمية ونشطاء المجتمع لصالح حماية الوضع السياسي والاقتصادي الراهن. وظهرت منظمات تؤجج حرب عصابات رداً على هذا الوضع، وبالتالي أصبح النزاع المسلح نتيجة مباشرة لنزاع اجتماعي وسياسي لم تتم معالجته.

فوز بيترو يمثل تغيراً جذرياً في السياسة الرئاسية لكولومبيا، التي لطالما همشت اليسار لارتباطه المتصور بالنزاع المسلح.

يرى بيترو أن صحوته السياسية جاءت عندما شاهد والده يبكي على وفاة الثائر الأرجنتيني إرنستو تشي جيفارا.
تويتر