يفوز للمرة الرابعة فقط منذ الحرب العالمية الثانية

حزب العمال يُحدث زلزالاً في الانتخابات الأسترالية

صورة

يمثل انتخاب رئيس الحكومة الأسترالي أنطوني ألبانيزي المرة الرابعة فقط، منذ الحرب العالمية الثانية، التي يصل فيها حزب العمال الأسترالي إلى الحكم، وترتيبه هو رئيس الحكومة الـ31. وكان الأشخاص الثلاثة من حزب العمال الذين وصلوا إلى الحكم في المرات السابقة، هم غوف وايتلام عام 1972، وبوب هوك عام 1983، وكيفن رود عام 2007.

وكان فوز ألبانيزي مختلفاً، وكونه زعيم المعارضة خلال جائحة كورونا، فقد كافح من أجل نيل قلوب وعقول شعبه. ولكن قصته الشخصية، كونه نشأ مع أم عازبة في منزل عام، أصبحت ملهمة للفرص الأسترالية والحركة الاجتماعية. وقدم ألبانيزي «تغييراً آمناً» من الائتلاف الوطني الليبرالي الحاكم الذي كان يترأسه رئيس الحكومة السابق سكوت موريسون، ولم يطرح خطاباً بسقف مرتفع أو رؤية متفائلة جداً. ولم يكن ناجحاً في طرح برنامج عمل كبير من أجل إصلاح السياسة، بقدر نجاحه في تسخير الإحباط العام من الإخفاق السياسي المتكرر لموريسون، خصوصاً في ما يتعلق بتفاعله مع حرائق الغابات، ومن ثم جائحة كورونا، حيث عززت بدايته الخرقاء لطرح اللقاح في أستراليا، الشكوك في توجهه إلى منح الأولوية للإعلانات البراقة على جوهر السياسة.

مشكلات على جبهات عدة

ولكن رئيس الحكومة العمالي الجديد ربما لديه اقتصاد يعاني التباطؤ. وثمة مشكلات على العديد من الجبهات، بما فيها ارتفاع معدل الفائدة، وارتفاع التضخم، وركود الأجور. ويظهر التاريخ أنه غالباً ما كانت معظم الحكومات العمالية، تعمل على تحقيق السلطة في أزمنة الانحدار الاقتصادي. وبالنسبة لدولة اعتادت على الاقتصاد الناجح طيلة العقود الثلاثة الماضية، وهو رقم قياسي حقيقي من بين الدول المتطورة، ستواصل هذه الرؤية المالية القائمة على زعزعة ثقة المستهلك.

وبلغت حصة حزب العمال من أصوات الناخبين 31.2% من إجمالي الأصوات، وهذه النسبة أقل مما حصل عليه عندما خسر الانتخابات السابقة عام 2019. وهذا يعني أن أقل من واحد لكل ثلاثة ناخبين أستراليين صوتوا من أجل التغيير عن طريق حزب العمال. ولكن آخرين صوتوا من أجل التغيير أيضاً، فقد صوتوا لمرشحي حزب الخضر، وللمستقلين. وتواصل انحدار حصة الحزبين الرئيسين في أستراليا من أصوات الناخبين، كما هي الحال في العديد من الدول المتطورة مثل ألمانيا وفرنسا.

وكمعظم رؤساء الوزراء الاستراليين، يأتي ألبانيزي إلى الحكم من دون خبرة سابقة وقوية في السياسة الخارجية. وهو لم يتباهَ بالقرب من الصين، كما فعل رؤساء الحكومة العماليون من قبل، رود، وهوك، أو وايتلام. ولكن ألبانيزي يحظى بدعم فريق قوي للأمن القومي، خصوصاً السناتور بيني وونغ في الشؤون الخارجية.

العالم لن ينتظر

ويدرك ألبانيزي أيضاً أن العالم لن ينتظره، ففي الوقت الذي تتصاعد فيه الأعمال العدوانية في أوكرانيا، تتزايد إمكانية اندلاع الحرب في آسيا والمحيط الهادي من قبل قادة سياسيين في واشنطن، وطوكيو، وتايبيه، وبكين. وجاء اختباره الأول مبكراً يوم الثلاثاء الماضي، حيث طار إلى طوكيو من أجل حضور لقاء رباعي. وطالب على الفور بتشكيل علاقات عمل مع الرئيس الأميركي جو بايدن والآخرين الموجودين في اللقاء.

مأزق حزب العمال

وركز رئيس الحكومة الجديد على دعمه لتعزيز هذا اللقاء الرباعي، وأنه يقدم فرصة لأستراليا أيضاً، وللآخرين، للمساعدة في التأثير على التعاون الاستراتيجي الأميركي الصيني. ولكن العاصمة الأسترالية كانبيرا، كما هي حال الحلفاء الآخرين، تخفي على الأقل علناً، إحباطها من محتوى الاستراتيجية الاقتصادية الأميركية، في منطقتي المحيطين الهادي والهندي، ولذلك فإنها ستواصل الضغط من اجل خيط اقتصادي أميركي في المنطقة، على شكل عضوية للولايات المتحدة في الاتفاقية الشاملة، والمتقدمة، للشراكة عبر المحيط الهادي.

ومنذ عام 2019 يعيش حزب العمال في مأزق، إذ إنه اراد التأكيد على الشراكة مع حكومة موريسون في السياسة الخارجية، لاسيما التصدي للسياسات الصينية الاقتصادية القسرية، ودعمه الثابت للتحالف مع الولايات المتحدة. وأصبح هذا الإجماع موضع الاختبار خلال حملة الانتخابات عندما وقع رئيس حكومة جزر سليمان اتفاقية مع الصين للترتيبات الأمنية الرسمية. وسارع حزب العمال للرد عن طريق التأكيد على تعزيز استراليا للتواصل مع شركائها في المحيط الهندي. وسيظهر حزب العمال لواشنطن أنه يستطيع القيام بعبء التصدي للنفوذ الصيني في المحيط الهادي.

ولكن حزب العمال يعتقد أن تغيير اللهجة في التعامل مع الصين من شأنه أن يستعيد بعض اللياقة في العلاقة مع بكين.

ومن الواضح أن السفير الصيني الجديد في استراليا، تشياو قيان، يريد تجاوز الأحقاد، ولكن كانبيرا لاتزال كارهة لحمل غصن الزيتون. والسؤال المهم بالنسبة للحكومة الجديدة مفاده: كيف تستطيع الدولتان استعادة الصدقية مع بعضهما بعضاً. وأظهر استطلاع للرأي أجرته الباحثة الكبيرة، ايلينا كلوينسون، في معهد العلاقات الأسترالية الصينية، أنه على الرغم من أن 58% من الاستراليين يؤيدون موقفاً أكثر تشدداً في العلاقات مع الصين، إلا أن 78% منهم يعتقدون أن مسؤولية تحسين العلاقات بين الطرفين تقع على كاهل البلدين.

تحالف لصناعة غواصات نووية

ويعد حزب العمال بتطوير الدبلوماسية وتعزيز دور وزارة الشؤون الخارجية، والاستفادة من كيفية تعامل دول جنوب شرق آسيا، خصوصاً إندونيسيا، مع الصين. ولكن من دون اجراء تغيير سريع للبيروقراطية السائدة سيجد ألبانيزي نفسه محاطاً بالفريق نفسه، الذي كان يتعامل مع استراليا في السابق. ولكن البانيزي مقيد بالعديد من الترتيبات، خصوصاً ترتيبات «أوكس»، وهو تحالف بين الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وأستراليا، لصناعة غواصات نووية، ما عزز قوة أستراليا لمواجهة عالم متقلب مع حلفائها الثقافيين، والسياسيين الدائمين، أمثال الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وبالنظر إلى أن حزب العمال، سيعمل على تعزيز الأمن القومي لأستراليا، فإنه لن يجري أي تعديلات على هذه التحالفات.

وإذا كانت السنوات الأربع أو الخمس الماضية قد شكلت تحدياً في السياسة الدفاعية والخارجية الأسترالية في التعامل مع الصين، فإن السنوات المقبلة ستكون أكثر صعوبة. وتدرك كانبيرا أن التزام إدارة بايدن في مقاومة السياسات والبيئة الفكرية لفترة الحرب الباردة الجديدة، سيتم اختباره بمرارة. وفي غضون الفترة المقبلة من الدورة الانتخابية، ستحتاج حكومة البانيزي للتعامل المتواصل مع الولايات المتحدة، التي يمكن أن يقودها الرئيس السابق دونالد ترامب، أو شخص آخر ترامبي على شاكلته. وقد يأتي ذلك بعد انتخابات رئاسية يتم التنازع عليها بقوة، وربما تؤدي إلى مزيد من الفوضى الداخلية في الولايات المتحدة.

اعتماد على الولايات المتحدة

ولكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها تتمثل في أنه على الرغم من هذه التحديات الداخلية، فإن حزب العمال الأسترالي، كما كان حال سلفه السياسي، اعتمد كثيراً على الولايات المتحدة في مقاومة الصين. وأنشأ موريسون اتفاقية جديدة مع واشنطن، تقضي بجعل أستراليا، إضافة إلى اليابان، اكثر الحلفاء ولاءً وقرباً من الولايات المتحدة في آسيا. وكانت كانبيرا منغمسة بشدة في تبني سياسات الولايات المتحدة في آسيا، أكثر من أي وقت مضى، منذ الحرب العالمية الثانية. وبناء عليه فإن حكومة البانيزي ستصادق على هذا الموقف، حتى عندما تبتكر لنفسها لغة خاصة لتحديد دور أستراليا ومكانتها في العالم.

ولكن وبغض النظر عن نتيجة الانتخابات، فقد أصبحت الصين بالنسبة للتحالف الأميركي الأسترالي كما كانت عليه في ذروة الحرب الباردة في ستينات القرن الماضي، وهي الصلة المرتبطة بالمحيط الهادي.

 جيمس كاران أستاذ التاريخ الحديث في جامعة سيدني


على الرغم من أن 58% من الأستراليين يؤيدون موقفاً أكثر تشدداً في العلاقات مع الصين، إلا أن 78% منهم يعتقدون أن مسؤولية تحسين العلاقات بين الطرفين تقع على كاهل البلدين.

لدى رئيس الحكومة العمالي الجديد اقتصاد يعاني التباطؤ، ومشكلات على العديد من الجبهات، بما فيها ارتفاع معدل الفائدة، وارتفاع التضخم، وركود الأجور.

تويتر