تتقلد المنصب في فترة سياسية حساسة للغاية

إليزابيت بورن.. ثاني امرأة تترأس مجـلس الوزراء في تاريخ فرنسا

صورة

عيّن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ثاني امرأة في منصب رئيس الوزراء، بعد 30 عاماً من تولي أول سيدة لهذا المنصب، في تاريخ البلاد. ويأتي ذلك في الوقت الذي يحاول فيه استمالة ناخبي يسار الوسط. وإليزابيت بورن، التي أمضت معظم حياتها المهنية مستشارة في الإدارات التي يقودها الاشتراكيون، قبل أن تنضم إلى فريق ماكرون عندما تولى السلطة، في عام 2017، ستقود التحالف الوسطي للرئيس في الانتخابات البرلمانية الشهر المقبل.

وقال الرئيس إن بورن (61 عاماً)، ستركز على «البيئة والصحة والتعليم والتوظيف الكامل، والنهضة الديمقراطية، وأوروبا والأمن». وينهي تعيينها بحثه الذي دام ثلاثة أسابيع عن رئيس وزراء قادر على إعطاء اتجاه جديد للسلطة التنفيذية، بعد إعادة انتخاب ماكرون رئيساً، الشهر الماضي. وكان الأخير وعد بإعطاء الوظيفة لامرأة، لكنه رفض اثنتان على الأقل في قائمته المختصرة، وواجه صعوبة في العثور على شخصية من شأنها أن ترمز إلى التزامه بالإصلاح البيئي والاجتماعي، دون تنفير العمال.

وقالت بورن إنها تهدي نجاحها لـ«كل الفتيات الصغيرات»، قائلة لهن «لا تتخلين عن أحلامكن»، وأنه لا شيء يجب أن يبطئ النضال من أجل مكانة المرأة في مجتمعنا.

ويعود لها الفضل على نطاق واسع في أدائها بكفاءة كوزيرة للعمل في الحكومة السابقة، عندما أشرفت على تدابير لإنهاء احتكار شركة السكك الحديدية الحكومية، والحد من إعانات البطالة في فرنسا. ومع ذلك، واجهت انتقادات من داخل معسكر ماكرون، لاسيما بسبب أسلوبها التكنوقراطي. وقال مصدر تنفيذي لوسائل إعلام فرنسية «إنها باردة مثل مكعبات الثلج»، مضيفاً أنها قد «تبقي الناخبين بعيداً».

كاريزما مفقودة

وأضاف بعض المعلقين أن افتقار بورن النسبي للكاريزما، ربما يكون قد قلب الموازين لمصلحتها، بالنظر إلى أن الرئيس لا يرغب في أن يتفوق عليه رئيس وزرائه. ولم يكن لفرنسا يوماً رئيسة في تاريخها، بينما كانت هناك رئيسة وزراء واحدة فقط، وهي إديث كريسون، التي شغلت هذا المنصب لأقل من عام بعد تعيينها في عام 1991.

وأفسدت الخلافات فترة عمل كريسون القصيرة، بما في ذلك ادعاؤها بأن 25% من الرجال الأنغلو ساكسونيين كانوا منحرفين. واتُهمت بالعنصرية عندما قارنت اليابانيين بـ«النمل الأصفر الذي يحاول السيطرة على العالم». وأجبرت على ترك منصبها بعد انتخابات 1992 الإقليمية.

وأخيراً، نددت كريسون، البالغة من العمر 88 عاماً، بالطبقة السياسية الفرنسية، ووصفتها بأنها «متخلفة بشكل خاص»، وقالت إن من غير العادي أن يستغرق كل هذا الوقت لتتقلد امرأة منصب رئيس الوزراء. وأخبرت قناة «بي إف أم تي في»، أن بورن كانت «اختياراً جيداً للغاية لأنها شخصية رائعة، وليس لأنها امرأة». ويُنظر إلى تعيين بورن على أنه إشارة إلى رغبة ماكرون في «إصلاح الجسور»، في بلد تم الكشف عن انقساماته خلال حملة الانتخابات الرئاسية.

وعلى الرغم من تحقيق ماكرون (44 عاماً)، لفوز مريح على اليمينية الشعبوية، مارين لوبان (53 عاماً)، في الجولة الثانية من الانتخابات، إلا أنه لا يلقى قبولاً لدى شريحة واسعة من الطبقة العاملة في فرنسا.

ومهمة رئيس الوزراء ليست سهلة في فرنسا. ومن المتوقع أن يقوم شاغلو هذا المنصب بتنفيذ قرارات الرئيس، لكنهم يتخذون القليل من المبادرات الشخصية، وعندما تسير الأمور على ما يرام، ينال الرئيس الثناء. وعندما يرتكبون أخطاء، من المتوقع أن يتحمل رئيس الوزراء اللوم، ما يسمح لرئيس الدولة بالترفع عنها.

مكافأة مجزية

مثل الكثير من الطبقة السياسية الفرنسية، بدأت بورن حياتها العملية في المستويات العليا من الخدمة المدنية في البلاد. وقد كانت مديرة، ومسؤولة في وزارة الداخلية، وسط البلاد، ولكنها كانت أيضاً مستشارة لسلسلة من الوزراء اليساريين، بمن في ذلك مرشحة الحزب الاشتراكي المهزومة في الانتخابات الرئاسية لعام 2007، سيغولين رويال.

وشغلت بورن، أيضاً، مناصب في القطاع العام كرئيس لهيئة النقل في باريس، ومدير الاستراتيجية في شركة السكك الحديدية الحكومية.

وعندما غادر ماكرون الحكومة التي يقودها الاشتراكيون في عام 2016 لإطلاق حزبه الوسطي، ومن ثم الترشح للرئاسة، انضمت بورن إلى فريقه. وتمت مكافأتها بوظائف وزارية، وشغلت محفظة النقل بين عامي 2017 و2019. وتمكنت من كبح جماح نقابات السكك الحديدية، وإنهاء ضمان الوظائف مدى الحياة، الذي يتمتع به الموظفون. ثم تم تكليفها بوزارة البيئة، قبل منحها حقيبة العمل في عام 2020، وتنفيذ إصلاح مثير للجدل لمخصصات البطالة.

وعلى الرغم من أنه يُنظر إلى ماكرون على نطاق واسع على أنه انتقل إلى اليمين منذ توليه منصبه، في عام 2017، إلا أن بورن أصرت في مقابلة أجريت معها أخيراً «أنا امرأة يسارية، والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص هما ما ناضلت من أجله خلال حياتي».

• يعود لبورن الفضل على نطاق واسع في أدائها بكفاءة كوزيرة للعمل في الحكومة السابقة، عندما أشرفت على تدابير لإنهاء احتكار شركة السكك الحديدية الحكومية، والحد من إعانات البطالة في فرنسا.

• إن مهمة رئيس الوزراء ليست سهلة في فرنسا. ومن المتوقع أن يقوم شاغلو هذا المنصب بتنفيذ قرارات الرئيس لكنهم يتخذون القليل من المبادرات الشخصية، وعندما تسير الأمور على ما يرام، ينال الرئيس الثناء.


تعايش صعب

يلعب رؤساء وزراء فرنسا دوراً مهماً، لكن الإطار الدستوري للبلاد يمنح الرؤساء وضعاً أكثر قوة، وغالباً ما ينظرون إلى رؤساء وزرائهم على أنهم متعاونون أو مرؤوسون، وليسوا صانعي سياسة مستقلين. ويتمتع رؤساء الوزراء الفرنسيون، من الناحية النظرية، بسلطات واسعة «لتحديد وتسيير» السياسة الداخلية الفرنسية، جنباً إلى جنب مع مجلس الوزراء، وفقاً للدستور الفرنسي.

ومن الناحية العملية، عادة ما يتم تكليفهم بمهمة تنفيذ خطط الرئيس، على الرغم من أنهم لايزالون أعضاء مهمين في السلطة التنفيذية، ويقودون عدداً هائلاً من الموظفين في ترسانة البيروقراطية الفرنسية، ويديرون العلاقات مع البرلمان.

فقط، في الحالة التي يفوز فيها خصوم الرئيس السياسيون في الانتخابات البرلمانية، يمكنهم فرض تعيين رئيس وزراء ومجلس الوزراء حسب رغبتهم، وهو وضع يأمل المرشح اليساري، جان لوك ميلينشون، بعد أدائه القوي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بتحقيقه، في يونيو، من خلال انتصار يساري واسع.

لكن «التعايش»، كما تُعرف هذه الفترات بين الرؤساء ورؤساء الوزراء المعارضين، لم يحدث إلا ثلاث مرات في تاريخ فرنسا الحديث، وأصبح أقل احتمالًا في عام 2000، عندما تزامن توقيت ومدة الفترات الرئاسية مع فترات تشريعية.

مُدمنة عمل

ولدت السياسية الفرنسية إليزابيت بورن في باريس، وكانت والدتها تعمل كيميائية، ووالدها يهودي روسي فر إلى فرنسا عام 1939 وانضم إلى المقاومة. وافتتح والداها مختبراً للأدوية بعد الحرب، لكن والدها توفي عندما كانت في الـ11 من عمرها. وقالت إن طفولتها «لم تكن سهلة» بعد وفاته. وتوصف بورن، المطلقة والأم لطفل وحيد، بأنها مدمنة عمل، ويمكن أن تكون سيدة مهمة صعبة، وتكتسب لقب «محترق بالكامل» في هيئة النقل في باريس.

وتقول إنها نادراً ما تأخذ إجازة، بخلاف الذهاب في نزهات إلى الصحراء. وقالت ذات مرة إن أعظم ذكرياتها كانت المشي عبر ما يسمى وادي القمر في الأردن.

نكات معادية

قالت إديث كريسون، وهي المرأة الأخرى الوحيدة التي شغلت هذا المنصب، بين عامي 1991 و1992، لصحيفة «جورنال دو ديمانش»، الأسبوع الماضي «الدولة ليست شوفينية، بل طبقتها السياسية». ورداً على سؤال من الصحافيين حول الرمزية التاريخية لتعيينها، قالت كريسون «أنا مندهشة من أن الناس فوجئوا. علاوة على ذلك، فإن هذا يفاجئ الرجال فقط!»، قبل أن تضيف «النساء بشر لديهن أدمغة!».

ومع ذلك، فإن الانتقادات لم تتوقف منذ تعيينها. وبعد خطاب حول السياسة العامة، انتشرت النكات المعادية للمرأة في البرلمان الفرنسي. وتناول مذيع تلفزيوني «مظهر» رئيسة الوزراء الجديدة و«طريقة تشمير أكمام سترتها».

وقبل أسابيع، قالت رئيسة الوزراء السابقة إن فرنسا كانت «حالة شاذة» في أوروبا، حيث سيطر سياسيون، مثل أنغيلا ميركل، في ألمانيا، ومارغريت تاتشر، في بريطانيا، على سياسات بلدانهم لعقود. وتذكرت أنها تعرضت للاعتداءات المتواصلة، بما في ذلك على ملابسها، بعد أن تم تعيينها من قبل الرئيس الاشتراكي في ذلك الوقت، فرانسوا ميتران.

وأضافت كريسون «هذه هي الهجمات نفسها التي تتعرض لها المرأة في السياسة، اليوم».

تويتر