وسط انقسام بين المتشدّدين والبراغماتيين

أفغانيات يتحدّين قانون البرقع الذي فرضته حركة «طالبان»

صورة

كانت الأفغانية أروزا غاضبة وخائفة، وأبقت عينيها مفتوحتين على عناصر حركة «طالبان» أثناء قيامها بجولة تسوّق مع صديقتها، قبل أيام، في حي ماكرويان، بالعاصمة كابل. وكانت معلمة الرياضيات قلقة من أن وشاحها الضخم الملفوف بإحكام حول رأسها، والمعطف البني الباهت لن يفيا بمتطلبات أحدث مرسوم صادر عن حكومة «طالبان».

أروزا، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها لتجنب جذب الانتباه، لم تكن ترتدي البرقع الشامل، الذي تفضله «طالبان»، التي أصدرت يوم السبت قواعد لباس جديدة للنساء في الأماكن العامة. ونص المرسوم على أنه يجب أن تكون عيون المرأة فقط مرئية.

وحتى ان المرسوم الذي أصدره زعيم «طالبان» المتشدد، هبة الله أخون زاده، يقترح على النساء ألّا يغادرن منازلهن إلا عند الضرورة، ويحدد سلسلة من العقوبات على أقارب النساء من الرجال الذين ينتهكون القانون.

وقد كان المرسوم ضربة كبيرة لحقوق المرأة، في أفغانستان، التي كانت تعيش على مدى عقدين من الزمن بحرية نسبية، قبل استيلاء «طالبان» على السلطة في أغسطس الماضي؛ عندما انسحبت الولايات المتحدة والقوات الأجنبية الأخرى في نهاية فوضوية، لحرب استمرت 20 عاماً.

ونادراً ما يسافر الزعيم المنعزل أخون زاده، خارج منطقة قندهار، وهي معقل «طالبان» التقليدي. وهو يفضل التعليمات القاسية في الفترة السابقة للمجموعة في السلطة، في التسعينات، عندما مُنعت الفتيات والنساء، إلى حد كبير، من المدرسة والعمل والحياة العامة.

ومثل مؤسّس حركة «طالبان»، الملا محمد عمر، يفرض، أخون زاده، نهجاً صارماً، يقرن الدين بالتقاليد القبلية القديمة، وغالباً ما يخلط الاثنين. ويقول المحللون إن الزعيم الحالي للحركة، يفضل التقاليد القروية القبلية، التي تقضي بأن تتزوج الفتيات، في كثير من الأحيان، عند سن البلوغ ونادراً ما يغادرن منازلهن، ووصف ذلك بأنه «مطلب ديني».

جهود متعثرة

وانقسمت «طالبان» إلى براغماتيين ومتشددين، في وقت تكافح فيه الحركة من أجل الانتقال من التمرد إلى هيئة حاكمة. وفي غضون ذلك، كانت حكومتهم تتعامل مع أزمة اقتصادية متفاقمة. وتعثرت جهود «طالبان» لكسب اعتراف ومساعدة الدول الغربية، إلى حد كبير، لأنها لم تشكل حكومة أكثر تمثيلاً، وقيّدت حقوق الفتيات والنساء.

حتى الآن، تجنب المتشددون والبراغماتيون، في الحركة، المواجهة المفتوحة. ومع ذلك، تفاقمت الانقسامات في مارس، عشية الفصل الدراسي الجديد، عندما أصدر، أخون زاده، قراراً في اللحظة الأخيرة، بعدم السماح للفتيات بالذهاب إلى المدرسة، بعد إكمال الصف السادس. وفي الأسابيع التي سبقت بدء العام الدراسي، قال مسؤولون كبار في «طالبان» للصحافيين، إن جميع الفتيات سيسمح لهن بالعودة إلى المدرسة. وأكد أخون زاده، أن السماح للفتيات الأكبر سناً بالعودة إلى المدرسة يعد انتهاكاً للمبادئ الإسلامية.

وقالت شخصية أفغانية بارزة تلتقي بالقيادة، وعلى دراية بالنزاعات الداخلية، واشترطت عدم الكشف عن هويتها للتحدث بحرية، إن وزيراً بارزاً، في الحكومة، عبّر عن غضبه من آراء زعيم الحركة في اجتماع القيادة الأخير.

وقال مستشار الحكومة السابق، توريك فرهادي، إنه يعتقد أن قادة «طالبان» اختاروا عدم المجادلة علناً، لأنهم يخشون أن أي تصور للانقسامات يمكن أن يقوّض حكمهم. وأوضح فرهادي «القيادة لا تتفق بشأن عدد من الأمور، لكنهم جميعاً يعلمون أنه إذا لم يحافظوا على وحدتهم، فقد ينهار كل شيء»، متابعاً «في هذه الحالة، قد يبدأون في الاشتباكات مع بعضهم بعضاً».

تنازلات مشتركة

وأضاف المستشار السابق «لهذا السبب، قرر القياديون أن يتحملوا بعضهم بعضاً، بما في ذلك عندما يتعلق الأمر بقرارات غير مقبولة، تكلفهم الكثير من الضجة داخل أفغانستان وعلى الصعيد الدولي».

ويبدو أن بعض القادة الأكثر واقعية يبحثون عن حلول هادئة من شأنها تخفيف القرارات المتشددة. ومنذ مارس، باتت مجموعة متزايدة، حتى بين أقوى قادة «طالبان»، تؤيد إعادة الفتيات الأكبر سناً إلى المدرسة، بينما ينتقدون بهدوء المراسيم القمعية الأخرى.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، قال أنس حقاني، وهو الشقيق الأصغر لسراج الدين، الذي يرأس شبكة حقاني القوية، في مؤتمر بمدينة خوست في شرق البلاد، إن الفتيات يحق لهن الحصول على التعليم، وإنهن سيعدن إلى المدرسة قريباً؛ رغم أنه لم يقل متى سيكون ذلك. وقال أيضاً إن المرأة لها دور في بناء الوطن. وأوضح حقاني «ستكون هناك أخبار جيدة جداً تجعل الجميع سعداء، وسيتم حل هذه المشكلة في الأيام التالية».

وفي العاصمة الأفغانية، ارتدت النساء الزي التقليدي المعتاد، مع بداية سريان مرسوم البرقع. وارتدى معظمهن حجاباً تقليدياً يتكون من غطاء للرأس، ورداء طويل أو معطف، لكن قلة منهن قمن بتغطية وجوههن، حسب توجيهات زعيم «طالبان» في اليوم السابق. وأولئك اللواتي يرتدين البرقع، وهو لباس يغطي الوجه ويُخفي العينين وراء شباك شفاف، فقد كنّ أقلية.

محو جيل كامل

وقالت شبانة، التي كانت ترتدي أساور ذهبية زاهية، تحت معطفها الأسود: «ترتدي النساء في أفغانستان الحجاب، والكثير منهن يرتدين البرقع، لكن الأمر لا يتعلق بالحجاب، بل يتعلق برغبة (طالبان) في إخفاء جميع النساء»، متابعة «هذا يتعلق برغبة الحركة في جعلنا غير مرئيين».

وقالت أروزا، المرأة الأفغانية التي تنتقد سياسة الحركة، إن الحكام الجدد يدفعون الأفغان إلى مغادرة بلادهم، موضحة «لماذا أبقى هنا إذا كانوا لا يريدون منحنا حقوق الإنسان». وأبدت العديد من النساء معارضتهن للمرسوم الأخير. وقالت بارفين، التي رفضت الكشف عن اسم عائلتها مثل النساء الأخريات: «لا نريد أن نعيش في سجن».

وقال الباحث الزائر في كلية نيويورك الجديدة والمحاضر السابق في الجامعة الأميركية في أفغانستان، عبيدالله بهير: «تحاول هذه المراسيم محو جنس، وجيل كامل من الأفغان، الذين نشأوا وهم يحلمون بعالم أفضل».

وهذا يدفع العائلات إلى مغادرة البلاد بأي وسيلة متاحة؛ كما أنه يغذي المظالم التي ستمتد في نهاية المطاف إلى تعبئة واسعة النطاق ضد «طالبان». وبعد عقود من الحرب، قال بهير إنه لم يكن يتطلب الكثير من جانب «طالبان» لإقناع الأفغان بحكمهم، لكنها «فرصة تضيعها الحركة بسرعة».

• تعثرت جهود «طالبان» لكسب اعتراف ومساعدة الدول الغربية، إلى حد كبير، لأنها لم تشكّل حكومة أكثر تمثيلاً، وقيّدت حقوق الفتيات والنساء.

• مثل مؤسّس حركة «طالبان»، الملا محمد عمر، يفرض، أخون زاده، نهجاً صارماً، يقرن الدين بالتقاليد القبلية القديمة، وغالباً ما يخلط الاثنين.

• انقسمت «طالبان» إلى براغماتيين ومتشددين، في وقت تكافح فيه الحركة من أجل الانتقال من التمرّد إلى هيئة حاكمة.

تويتر