رغم تبادل التصعيد الأخير بينهما

روسيا لا ترغب في خسارة علاقتها القوية مع إسرائيل

صورة

تجنبت روسيا بصعوبة ما يمكن أن يصبح تصعيداً في أزمة دبلوماسية شاملة مع إسرائيل، وهي إحدى الدول الرئيسة التي تخط لنفسها طريقاً محايداً طيلة فترة الحرب في أوكرانيا.

وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، يتحدث للتلفزيون الإيطالي الأسبوع الماضي مبرراً أسباب الغزو الروسي المستمر لأوكرانيا. وقال لافروف «حتى لو كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يهودياً، ما الفرق؟ إذ أن هذه الحقيقة لا تنفي وجود عناصر نازية في أوكرانيا»، وأضاف «أعتقد أن زعيم ألمانيا النازية أدولف هتلر كان يحمل دماً يهودياً أيضاً. وهذا لا يعني أي شيء. إذ أن اليهود العقلاء قالوا إن معظم المعادين المتشددين للسامية يكونون من اليهود عادة. وكل عائلة لديها خروفها الأسود، كما نقول عادة».

تهور لافروف

وعلى الرغم من طيش وتهور تصريحات لافروف كما تبدو بالنسبة للجمهور العالمي، إلا أنها تبدو منسجمة ضمن سياق الطريق الذي تسير عبره روسيا حالياً، في حربها ضد أوكرانيا. وأكدت المؤسسة السياسية الروسية منذ سنوات أن أوكرانيا دولة نازية، لا تتبنى سياسات إقصائية ضد الأقلية الناطقة بالروسية فقط، وإنما تنتهجها أيضاً. وكشفت استطلاعات الرأي باستمرار أن هذه المواقف تتمتع بدعم واسع في أوساط الشعب الروسي.

ووفق المسح الأخير الذي أجراه مركز أبحاث الرأي العام الروسي يعتقد 76% من الروس أن «المنظمات النازية الأوكرانية» تشكل تهديداً لروسيا. ويتفق الروس على أن الرئيس الأوكراني زيلينسكي، وعلى الرغم من أصله اليهودي، إلا أنه عمل على استرضاء الأوكرانيين النازيين وتعاون معهم عندما كانوا يرتكبون أعمال «الإبادة» المزعومة ضد الانفصاليين المدعومين من روسيا في جمهوريتي دونيتسك، ولوهانسك الواقعتين شرق أوكرانيا.

خطأ تاريخي

ولكن إسرائيل لا تشاطر لافروف تقييمه للرئيس زيلينسكي أو النازية في أوكرانيا. واستنكر وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد تعليقات لافروف باعتبارها «خطأ تاريخياً رهيباً، وفاضحة، ولا يمكن غفرانها» وأضاف «اليهود لم يقتلوا أنفسهم في المحارق، إن أدنى مستويات العنصرية ضد اليهود هو إلقاء اللوم عليهم بقتل أنفسهم من أجل معاداة السامية» وتم استدعاء السفير الروسي للاحتجاج على تعليقات لافروف. وأصدرت الصحف الإسرائيلية والمنظمات اليهودية الرئيسة إدانات شديدة ضد روسيا.

إسرائيل وحيادها المحسوب

وتبدو الرهانات واضحة، فإسرائيل اتبعت نوعاً من الحيادية المحسوبة منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير، رافضة إلى حد كبير الانضمام إلى نظام العقوبات الغربية التي فرضت على روسيا. وسعى رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينيت، إلى طرح نفسه وسيطاً بين الطرفين للتوصل إلى تسوية، حتى أنه طار إلى موسكو في بداية الحرب وأجرى لقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمدة ثلاث ساعات.

ولكن تصريحات لافروف أعادت تنشيط صقور روسيا في إسرائيل، الأمر الذي عقّد مهمة بينيت لمواصلة اتخاذ موقف الحياد في الوقت الذي دخلت به الحرب شهرها الثالث.

وقال العنوان الرئيس لصحيفة «جيروزالم بوست» الإسرائيلية «معاداة لافروف للسامية تعني أن إسرائيل لم تعد في موقف الحياد في الحرب الأوكرانية - الروسية» وكغريزة أولى رد الكرملين مؤيداً تعليقات لافروف غير المجدية أصلاً. وقال افتتاح البيان المطول التي أصدرته وزارة الخارجية الروسية يوم الثلاثاء الماضي «لاحظنا التعليقات المعادية للتاريخ التي صدرت عن وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، والتي تذهب إلى حد بعيد في تفسير الدعم الجاري للحكومة الإسرائيلية لنظام النازيين الجدد في كييف» وتمت قراءة البيان باعتباره محاضرة عن معاداة أوكرانيا للسامية، مستندة على نقاط مأخوذة من البيان الروسي فيما يتعلق بزيادة مزعومة لجرائم الكراهية الأوكرانية ضد الأقليات العرقية، ومشاركة زيلينسكي المزعومة بتأجيج المشاعر النازية الجديدة، وإرث المتشدد القومي والناشط الأوكراني في بداية القرن الـ20 ستيبان بانديرا.

وختم بيان وزارة الخارجية الروسية بالقول «لا يتم قمع النازية ومعاداة السامية المتصاعدة بصورة يومية في أوكرانيا بل على العكس يتم تشجيعها» وترافق هذا البيان مع مزاعم أطلقتها المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، تفيد بأن المرتزقة الإسرائيليين يقاتلون «جنباً إلى جنب» في أوكرانيا مع كتيبة آزوف للمتشددين القوميين.

اعتذر بوتين أم لا

ولكن إسرائيل ليست أقل حدة من الروس في القضايا التي تعتبرها حيوية بالنسبة لها، ومنها المحرقة التي لطالما كانت قضية مركزية بالنسبة لها. ولكن الواقعية هي التي تنتصر في النهاية، إذ أن موسكو تريد التخفيف، وليس تصعيد الخلاف. وقام بوتين بالاتصال برئيس الحكومة الإسرائيلي يوم الخميس الماضي وقدم لإسرائيل ما وصفه مكتب بينيت بأنه اعتذار. وقال البيان الصادر عن بينيت «تقبل رئيس الوزراء اعتذار الرئيس بوتين عما قاله لافروف، وشكره على توضيح موقف الرئيس حول الشعب اليهودي وذكرى المحرقة» ولكن القراءة الروسية للمكالمة لم تذكر أي اعتذار، كما أن الكرملين لم يفند الادعاءات الإسرائيلية بأن بوتين أعرب عن اعتذاره حول تعليقات لافروف.

وأشار البيانان إلى ما يبدو بأنه التقاء في الذكريات التاريخية المتعلقة بالأحداث الرئيسة في الحرب العالمية الثانية، مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، حيث ذكر أن رئيس الحكومة الإسرائيلية أشار إلى «المشاركة الحاسمة للجيش الأحمر لتحقيق النصر على النازية» وأكدت قراءة الكرملين أهمية الرموز المشتركة الإسرائيلية الروسية بالقول «في الفترة التي سبقت يوم النصر، الذي يتم الاحتفال به في كل من إسرائيل وروسيا في التاسع من مايو، أكد كل من بوتين وبينيت على الأهمية الخاصة لهذا التاريخ بالنسبة للبلدين».

نهاية سريعة للخلاف

وانتهى الخلاف الروسي الإسرائيلي المعادي للسامية بسرعة تماماً كما بدأ. ولايزال التغير السريع في الموقف الروسي، والذي توج باتصال بوتين ببينيت، غير واضح تماماً. وربما يكون الكرملين قد توصل إلى نتيجة مفادها أنه لا يستطيع إثارة غضب دولة حيادية يمكنها أن تلعب دوراً أساسياً في مفاوضات السلام المستقبلية بين روسيا وأوكرانيا بسبب الخلافات الدقيقة لتفسير التاريخ.

واحتفلت روسيا بالانتصار على ألمانيا النازية يوم الإثنين الماضي التاسع من مايو. وازدادت شعبية هذا الاحتفال منذ عام 2014 ليصبح العطلة الأكثر أهمية في البلاد وفق استطلاع أخير للرأي.

• أصبح انتصار الجيش الأحمر على النازية في الحرب العالمية الثانية دعامة أساسية للهوية الوطنية الروسية في السنوات التي تلت ضم شبه جزيرة القرم عام 2014.

• يتفق الروس على أن الرئيس الأوكراني، وعلى الرغم من أصله اليهودي، إلا أنه يسعى لاسترضاء الأوكرانيين النازيين وتعاون معهم عندما كانوا يرتكبون أعمال «الإبادة» المزعومة ضد الانفصاليين المدعومين من روسيا في جمهوريتي دونيتسك، ولوهانسك الواقعتين شرق أوكرانيا.


 

حرب أوكرانيا تمثل عودة للجبهة الشرقية

كان رد وزارة الخارجية الروسية ضد إسرائيل انعكاساً لأسلوب الكرملين غير المهادن في التعامل مع الذاكرة التاريخية. وأصبح انتصار الجيش الأحمر على النازية في الحرب العالمية الثانية دعامة أساسية للهوية الوطنية الروسية في السنوات التي تلت ضم شبه جزيرة القرم عام 2014. ويعتبر السياسيون والساسة الروس الحرب في أوكرانيا بمثابة عودة للجبهة الشرقية في الحرب العالمية الثانية. وكما كان الحال في عام 1941 ترى موسكو نفسها بأنها تشن حملة لتخليص العالم من حكومة نازية ترتكب إبادة جماعية.

مارك إيبسكوبس ■ مراسل في الأمن القومي لـ«ناشيونال إنترست»

تويتر