بسبب تأثيرها السلبي في حياتهم

عائلات أميركية تحرم أطفالها من الهواتف الذكية

صورة

بينما أصبحت الهواتف النقالة جزءاً مهماً من حياتنا، تُصر عائلات أميركية على أن تسلك نهجاً مختلفاً. وبالنسبة إلى أدريانا ستايسي، فالأمر بسيط للغاية «لن أشتري أبداً هاتفاً ذكياً لأيّ من أطفالي». وهذا موقف شخصي ولد من الخبرات المهنية. وستايسي طبيبة نفسية تعمل بشكل أساسي مع طلاب المدارس الثانوية والجامعات في فايتفيل، بولاية أركنساس، وفي عملها تطلب بشكل روتيني من «المرضى» الجدد فتح هواتفهم وإظهار مقدار الوقت الذي يقضونه أمام الشاشة يومياً.

وتقول الطبيبة الأميركية: «نادراً ما أجد شخصاً تقل مدة استخدامه عن تسع ساعات»، متابعة «لذلك، يقضي هؤلاء المراهقون وقتاً على هواتفهم أكثر مما يقضونه في النوم».

وغالباً ما تحث هؤلاء «المرضى» على حذف تطبيق واحد على الأقل. ولكن بالنسبة لبعض الشباب الذين دخلوا مكتبها، فإن فكرة عدم مواكبة «سناب تشات» يكاد يكون مستحيلاَ. وتتابع ستايسي «قلت لأحدهم: لا يمكننا المضي قدماً في علاجك حتى تتوقف عن استخدام هاتفك»، وفي الغالب لا يعودون مرة أخرى، كما تقول: «هذا هو مدى قوة الجذب لهذه الأجهزة».

قرار

لذلك اتخذت ستايسي، وهي أم لأربعة أطفال، قراراً بعدم ترك أطفالها لهذا المصير.

وتقول: «إذا كانوا يريدون هاتفاً ذكياً، فسيكون ذلك عندما يبلغون 18 عاماً، وتكون لديهم وظيفة ويمكنهم تحمل التكاليف. وسيكون اختيارهم». وستايسي تعتبر من المتشددين في «حرب» يتم شنها في المنازل الأميركية، حيث يحاول الكبار الحد من استخدام الهواتف الذكية، الذين يعتقدون أنها يمكن أن تكون ضارة بالأطفال، في وقت يكافح الكبار أنفسهم لتأسيس عادات صحية بهواتفهم الخاصة. والمفاجأة الكبرى أن الآباء لم يحققوا انتصاراً، لأن صناعة التكنولوجيا تدفع المنتجات التي يقول المطلعون إنها مصممة لتكون أساسية في حياتنا، بينما يستسلم المجتمع إلى حد كبير للمعايير والتوقعات التي أنشأتها كل تلك الهواتف والتطبيقات.

حتى عندما يتعلق الأمر بالأطفال، فإن 53% من الأطفال الأميركيين لديهم هواتف ذكية خاصة بهم بحلول سن الـ11، وفقاً لتقرير صدر عام 2019 من قبل مؤسسة «كامن سانس ميديا». ويكون لدى 89% من الأطفال هاتف ذكي عند سن الـ16.

ووجد تقرير سابق صادر عن المؤسسة، أن 50% من المراهقين شعروا بالإدمان على هواتفهم الذكية، وأن 59% من آبائهم يعتقدون أن هذا هو الحال. وتزامن كل هذا مع زيادة مذهلة في تحديات الصحة العقلية بين المراهقين، والتي يعتقد بعض علماء النفس أنها قد تكون مرتبطة بالآثار الضارة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

ضرورة ملحة

بينما تجلس ستايسي مع المرضى الصغار الذين يعانون القلق أو الاكتئاب، أو نقص التركيز؛ ولا يمكنهم فهم ضرورة تقليل استخدامهم للهواتف الذكية، هناك فكرة تدور في ذهنها «هذا غبي جداً. هذه الأجهزة الصغيرة تتحكم في هؤلاء الأطفال».

ولا تستطيع الطبيبة النفسية إجبار مرضاها على التخلي عن هواتفهم الذكية، لكنها باتت على يقين من أن أطفالها لا يجب أن يمتلكوها في سن مبكرة. وبحلول نهاية الصف الثامن، كانت ابنتها، آناليس ستايسي، هي الوحيدة في فصلها التي لا تمتلك هاتفاً ذكياً.

كما أن روايات والدتها حول مدى ضرر هذه الأجهزة على أدمغة الأطفال، لم تجعل المسألة أسهل.

إذا قرر زملاؤها الخروج بعد المدرسة أو في عطلة نهاية الأسبوع، فسيضعون خططاً عبر رسائل يتبادلونها على هواتفهم. وعندما ذهبت للمبيت خارج المنزل، غالباً ما انتهى بها الأمر بمشاهدة فتيات أخريات يستخدمن هواتفهن. وآناليس، التي تبلغ من العمر الآن 15 عاماً، لم تكن تعرف أحياناً ما الذي يتحدث عنه زملاؤها في الفصل، لأنه تم تبادل القيل والقال عبر الرسائل النصية، أو وسائل التواصل الاجتماعي.

وقالت آناليس خلال مقابلة عبر «زوم» من غرفتها: «لقد شعرت بالإحباط لمجرد أنني فتاة خجولة أكثر، لذلك شعرت أنني بالتأكيد أجهل الكثير من الأشياء، ولم أكن أعرف حقاً كيف أتعامل مع بعض الأمور».

تكوين صداقات

كانت مسابقات الرقص هي الأسوأ. ورقصت آناليس في المدرسة الإعدادية في منافسة شملت فتيات من مدارس مختلفة. وكانت الفتيات يقضين وقتاً مع هواتفهن، في فترات التوقف أثناء المنافسات، بينما ينتظرن دورهن في الأداء. ولكن آناليس كانت حائرة في تلك الأوقات. وتقول: «كنت أحاول التحدث إلى الزميلات، لكنهن كن يستخدمن هواتفهن، أو يتصفحن على (سناب تشات)، أو أي شيء آخر». وهي لا تلومهن بأن كنّ اجتماعيات مع أشخاص، عبر الإنترنت، يعرفونهن بالفعل.

وأصبحت آناليس تحضر كتاباً إلى المنافسات، وكانت تقضي المزيد من الوقت في التمدد بمفردها. وكانت لاتزال تحب الرقص، لكن الديناميكية لم تكن ممتعة. وتقول الطالبة: «كان هذا أحد الأسباب التي دفعتني إلى ترك الرقص لمدة عام»، متابعة «كان من الصعب عليّ تكوين صداقات في الفريق».

وتعرف الأم (أدريانا ستايسي)، مدى صعوبة الأمر على ابنتها آناليس، قائلة: «إنه سيف ذو حدين. يمكنني رؤية ذلك مع أطفالي وكيف يؤثر فيهم، وفي علاقاتهم».

لكن الطبيبة مقتنعة أنه على الرغم من كل تحديات يجب عدم استخدام الهاتف الذكي في مرحلة المراهقة، لأن حصيلة امتلاك هاتف ذكي ستكون أسوأ.

وبالنسبة إلى فيرا، ابنة ويندي هيرليش، البالغة من العمر 13 عاماً، فإن منعها من امتلاك هاتف ذكي يعني الكثير من الأشياء، ولا شيء منها جيد. أولاً، هناك القضايا العملية. وكانت فيرا لا تعرف ماذا تعمل عندما يطلب المعلم من الطلاب التقاط صورة للملاحظات بهواتفهم، بينما لا تستطيع هي فعل ذلك.

وغالباً ما تبدأ الجلسات في المدرسة بلعبة اختبار، تتطلب الإجابة عبر الهاتف الذكي. وهي لا تستطيع فعل ذلك.

وأحياناً يشفق أصدقاؤها عليها ويسلمونها أحد هواتفهم قائلين إنها تستطيع استعارته لفترة قصيرة. إنها حقاً تكره ذلك.

• %89 من الأطفال الأميركيين يحصلون على هاتف ذكي عند سن الـ16.

• %50 من المراهقين يشعرون بالإدمان على هواتفهم الذكية.


غياب الثقة

بعيداً عن الجانب العملي، تشعر فيرا (ابنة ويندي هيرليش) أن عدم امتلاكها هاتفاً ذكياً هو مؤشر إلى أن والديها لا يثقان بها، ولا يهتمان بمشاعرها. وتتساءل كيف يمكنهما أن يفهما ما يعنيه أن يكون عمرك 13 عاماً ومن دون صوت؟ ولم تكن الهواتف الذكية موجودة عندما كان والداها طفلين.

ويسمح والدا فيرا لها بالحصول على هاتف «غير ذكي»، يمكن إجراء مكالمات بواسطته، وإرسال رسائل نصية. وهي محرجة جداً من ذلك لدرجة أنها لم تبرز ذلك الهاتف أبداً أمام الأطفال الآخرين، خصوصاً الأطفال الذين لا تعرفهم جيداً.

وتقول الفتاة: «إنه أمر سخيف حقاً»، متابعة «هناك الكثير من الأطفال الذين يحكمون علي؛ كأنني لست مسؤولة بما يكفي لامتلاك شيء يمتلكه الآخرون».

قرار جماعي

في الواقع، تهتم الأم الأميركية (ويندي هيرليش) بمشاعر ابنتها (فيرا)، وتقول خبيرة الإعلانات البالغة من العمر 47 عاماً، إنها وزوجها تألما بسبب معضلة الهاتف الذكي. ثم سمعت ويندي عن «انتظر حتى الثامنة»، وهي منظمة غير ربحية تشجع الآباء على اتخاذ قرار جماعي بإبقاء الهواتف الذكية بعيداً عن أيدي أطفالهم حتى السنة الأخيرة من المدرسة الإعدادية، للحد من آثار الاستخدام المفرط للهاتف، دون خلق الكثير من العزلة. وبدا وكأنها فكرة رائعة من الناحية النظرية.

وتقول الأم: «جزء مما يجعلني غير مرتاحة لهذا الأمر برمته هو أنه لا يوجد خيار آخر»، موضحة «لأن الجميع يشعر وكأن العالم يسير في هذا الاتجاه».

وتم اختبار اختيار هيرليش بعدم السماح بالهواتف في ذلك العمر، عندما انتقلت أسرتها من مانهاتن إلى نيو جيرسي، خلال الجائحة؛ واضطرت فيرا إلى الالتحاق بمدرسة جديدة. وسيتعين عليها تكوين صداقات جديدة، ولن تتمكن من التواصل معهم عبر الهاتف.

مساعدة الآباء

تشعر إميلي تشيركين، أحياناً، بالغضب عندما تتحدث عن تأثير الهواتف الذكية على الأطفال. وأمضت 12 عاماً كمدرسة لغة إنجليزية للصف السابع في سياتل. وعندما بدأت عملها، في عام 2003، كان عدد قليل فقط من طلابها لديهم هواتف محمولة غير ذكية، وكانوا غالباً ما يشعرون بالحرج تجاهها؛ لأن امتلاك هاتف - حينها - يعني أن والديك مفرطان في الحماية. وبحلول الوقت الذي غادرت فيه المدرسة في عام 2015، كان العكس هو الصحيح.

وتعمل تشيركين الآن كناشطة ومدربة، وهي جزء من مجال جديد مزدهر في مجال الاستشارة، بهدف مساعدة الآباء الذين يعانون تأثير الشاشات على أطفالهم.

إنها معضلة صعبة لأي شخص أن يديرها بأمان. ويمكن للهواتف الذكية أن تعرّض الأطفال لجميع أنواع الأشياء السامة عبر الإنترنت، التنمر عبر الإنترنت، والإباحية، والمعلومات السيئة، والاحتيال عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ومع ذلك فإن الأجهزة متشابكة للغاية مع الحياة الحديثة لدرجة أن حرمان الأطفال منها لا يبدو خياراً، أيضاً.

وتقول تشيركين: «ما يزعجني حقاً هو أننا نقدم أجهزة ومنتجات وتطبيقات مصمّمة لجعل الأطفال مدمنين».

إيميلي شيركن تقدم استشارات للآباء بخصوص تأثير الهواتف الذكية.   أرشيفية

تويتر