الناجون من بين الضحايا غير قادرين على النسيان

شارع الوحدة غرب غزة مثقل بذكريات أليمة بعد عام على الحرب

صورة

في ليلة خلال مايو قبل عام حلت مأساة مشتركة على ثلاثة آباء فلسطينيين، فقدوا أحباءهم ومنازلهم في غارة جوية إسرائيلية استهدفت شارع الوحدة غرب مدينة غزة، وتطاردهم منذ ذلك الحين ذكريات الماضي الأليمة.

نجا رياض أشكنتنا مع طفلته سوزي، البالغة سبعة أعوام، من الموت، لكنه فقد زوجته وأطفاله الأربعة. ويأتي يومياً إلى مكان شقته في المبنى السكني المدمر بشارع الوحدة غرب المدينة، ويقول إنه يشمّ رائحة أبنائه وزوجته.

ويعود أشكنتنا (43 عاماً) بذاكرته إلى ليل الأحد السادس عشر من مايو، عندما كان يتابع أحداث الحرب في غزة على التلفزيون. وسمع أصوات ضربات جوية عنيفة أسفرت عن هدم منزله المكون من ثلاث طبقات، وبقي تحت الأنقاض لـ12 ساعة.

ويقول متنهداً: «أتذكر كنت مصاباً تحت الأنقاض، سمعت صوت ابنتي دانا وهي تصرخ (أبي.. أبي)، ناديت عليها لكنها لم تعد ترد»، ويشير بيده «هنا كان البيت، هنا كانوا يلعبون». قتل نحو 45 فلسطينياً من عائلات أشكنتنا وأبوالعوف والكولك والافرنجي، في القصف العنيف الذي نفذه سلاح الجو الإسرائيلي مستهدفاً «مترو غزة» أي شبكة الأنفاق التابعة لحركة «حماس».

يتذكر رياض «لحظة ضرب المبنى أسرعت إلى غرفة الأولاد، لمحت زوجتي تحاول الإمساك بهم، فجأة انهار سقف البيت وسقطت الأرضية تحتي»، ويتابع «بينما كنت تحت الأنقاض سمعت ابني زين (عامان ونصف العام) يتأوه (أبي.. أبي)، لكن سرعان ما تلاشى صوته».

وعندما انتشل رياض من تحت الأنقاض نقل إلى مستشفى الشفاء القريب من منزله، وحينها أبلغه شقيقه باستشهاد زوجته عبير وأربعة من أطفاله الخمسة. ويقول وهو يحبس دموعه: «لو مرت 100 سنة لن أنساهم».

وتلقت سوزي جلسات للدعم النفسي، لكنها توقفت لأنها تعبت من الذكريات الأليمة، يقول والدها.

يسكن رياض مع أمه وسوزي وزوجته الجديدة في شقة قريبة من منزله المدمر، ساعدته جمعية محلية في شرائها.

لماذا قتلوا؟

تتساءل (أم رياض)، البالغة من العمر 65 عاماً: «لماذا قتل هؤلاء الأطفال والنساء الأبرياء؟».

وتتذكر (أم رياض) التي كانت تسكن مقابل منزل ابنها رياض «كنت ألعب مع أحفادي في بيتهم، وقبل القصف بدقائق غادرت. أنا مصدومة لا أستطيع أن أصدق أنهم لن يعودوا»، مضيفة «أشعر أننا كلنا يتامى».

في 11 يوماً، قتل في القصف الجوي والمدفعي الإسرائيلي على قطاع غزة 232 شخصاً، بينهم 65 طفلاً، وأصيب 1900 آخرون بجروح، وفق وزارة الصحة التابعة لحركة حماس. وتشمل الحصيلة مقاتلين من حركة حماس وفصائل أخرى. وتسببت الصواريخ التي أطلقتها حماس والفصائل من قطاع غزة باتجاه الأراضي الإسرائيلية في مقتل 12 شخصاً، بينهم طفلان وجندي، وأصيب 355 آخرون بجروح، وفق الشرطة الإسرائيلية.

وتفرض إسرائيل حصاراً مشدداً براً وبحراً وجواً على القطاع الحدودي مع مصر، وهو شريط ساحلي ضيق يسكنه 2.3 مليون شخص.

يجمع الناجون من عائلات أشكنتنا والكولك وأبوالعوف ذكريات «موجعة»، بحسب شكري الكولك الذي فقدت عائلته 22 شخصاً.

وقتل والدا شكري وزوجته وثلاثة من أبنائه وثلاثة من أشقائه وشقيقته وأبناؤهم، في منزلهم المكون من أربع طبقات ويضم ثماني شقق، ودمّر كليا. يقول شكري (50 عاماً): «دائماً اعتقدت أننا بأمان».

انهار المبنى وبقي شكري 12 ساعة تحت الأنقاض قبل نقله إلى المستشفى. ونجا من أبنائه زينب وأسامة. واستأجر منزلاً يبعد نحو ثلاثة كيلومترات عن منزله القديم محاولاً أن ينسى، لكن «هذا مستحيل».

لا يريد الكولك الزواج مرة ثانية، معتبراً أنه «لا يمكن لأي امرأة أن تتعايش مع مأساتي.. الموت والحياة متساويان عندي».

كوابيس في النهار

فقد علاء أبوالعوف 14 شخصاً من عائلته، من بينهم زوجته ديانا وابنتاه شيماء وروان. وقرر وقف الدعم النفسي لأبنائه الناجين، لأنه «يذكرهم بالألم».

انتقل أبوالعوف للعيش في شقة تبعد مئات الأمتار عن منزله المدمر في شارع الوحدة. ويعيش الآن مع زوجته الثانية وطفلتهما وابنته مرام (8 أعوام) التي نجت من القصف.

خلال الحرب دُمّر السوبرماركت الذي يملكه، لكنه أسس متجراً صغيراً قرب منزله. ويتساءل «هل سيُعاد بناء العمارة السكنية التي كنت فيها مع عائلتي وأشقائي؟». ويقول: «أرى كوابيس الليل، وأعاني الكوابيس أيضاً في النهار».

ويضيف «كل شيء هنا يذكرني بزوجتي وأبنائي وجيراني».

• خلال 11 يوماً، قتل في القصف الجوي والمدفعي الإسرائيلي على قطاع غزة 232 شخصاً، بينهم 65 طفلاً، وأصيب 1900 آخرون بجروح.

• يجمع الناجون من عائلات أشكنتنا والكولك وأبوالعوف ذكريات «موجعة»، بحسب شكري الكولك الذي فقدت عائلته 22 شخصاً.

تويتر