يهدد الناخبين والمرشحين المعارضين نتيجة الانتقادات الموجهة ضدّه

المحسوبية والتهديدات سلاح «حزب الله» في الانتخابات اللبنانية

صورة

خلال الفترة التي سبقت عيد الفطر السعيد، اضطرت اللبنانية (منى) التي تعمل معلمة في لبنان منذ 30 عاماً، إلى العمل في كراج سيارات للحصول على أجر يضاف إلى راتبها الضئيل من أجل قضاء حوائجها المعيشية، حيث أصبحت قيمة راتبها أقل من 150 دولاراً.

وبعد الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان منذ سنوات، وانهيار قيمة الليرة اللبنانية، تقول هذه المعلمة التي لم تكشف سوى عن اسمها الأول (منى): «الوحيدون الذين تمكنوا من شراء حاجيات العيد هذا العام هم أتباع (حزب الله)»، مشيرة إلى أنصار الحزب اللبناني المدعوم من إيران، والذي يسيطر على السياسة اللبنانية. وتضيف (منى) أنه في هذه الدولة التي تعاني التدهور منذ زمن، والتي يتم فيها بيع رأس الملفوف على أجزاء عدة «ينفق أنصار (حزب الله) أوراق النقد من فئة 100 ألف ليرة بلا حساب، في حين أن بقيتنا بالكاد يتمكنون من شراء الأساسيات».

وتعتبر المناطق التي يهيمن عليها «حزب الله» تقليدياً، مثل مدينة النبطية في جنوب لبنان، حيث تعيش (منى)، من بين أكثر الأماكن تضرراً. ولكن معظم الخبراء يتوقعون بأن «حزب الله» وحلفاءه سيحتفظون بالأغلبية البرلمانية، في الانتخابات العامة المقررة الأسبوع المقبل، وهي الأولى منذ انهيار الاقتصاد في عام 2019، بعد التظاهرات المناهضة للفساد، والانفجار المدمر في عام 2020، الذي أدى إلى تدمير أجزاء كبيرة من العاصمة بيروت، ومقتل 215 شخصاً. وستواجه الحكومة الجديدة المهمة الشاقة المتمثلة في التفاوض مع صندوق النقد الدولي، حول الإصلاح الاقتصادي اللازم للحصول على قروض ومساعدات بمليارات الدولارات للبنان.

«حزب الله» حافظ على منطقته الانتخابية

وعلى الرغم من السخط المتزايد لدى اللبنانيين، احتفظ «حزب الله»، الذي تصنفه الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية منظمة إرهابية، بسيطرته على منطقته الانتخابية من خلال شبكة المحسوبية الواسعة التي يحتفظ بها، والتحريض الطائفي وتهديد أنصار المعارضة، وفق ما يقوله المحللون. وتقول مديرة برنامج الشرق الأوسط في «تشاتام هاوس» البريطاني، لينا خطيب: «المجتمع الذي لايزال يصوت لـ(حزب الله) لايزال لا يملك أي بديل واضح، وهذا ما يدركه الحزب ويغذيه».

وحافظ الحزب على التدفق المنتظم للدولار لجميع أعضائه، ولاتزال منظماته الخيرية تقدم مساعدات كثيرة للمجتمع. وحافظ الحزب على الولاءات عن طريق توزيع رواتب بقيمة نحو 1000 دولار شهرياً على أفراده، أي 10 أضعاف راتب الموظف الحكومي، الذي أصبحت قيمته أقل من 100 دولار. وفق ما قاله أفراد من الحزب.

لا مبالاة وسط السنّة

وقال الباحث في مركز «كارنيغي» في بيروت، محمد حاج علي، إنه بغض النظر عن المحسوبيات يجد لبنان نفسه في أزمات كارثية، تساعد «حزب الله» على ضمان استمرار نفوذه القوي على الحكومة الائتلافية. وقلة من اللبنانيين يعتقدون أن هذه الانتخابات يمكن أن تساعد على تحسين الوضع الاقتصادي مستقبلاً. وكشفت إحصائية أجرتها منظمة «أوكسفام» الخيرية البريطانية عن أن 54% فقط من الناخبين كانوا مستعدين للانتخاب. وتظهر اللامبالاة بصورة كبيرة في أوساط السنّة الذين أصبحوا بلا قيادة بعد انسحاب رئيس الحكومة السابق سعد الحريري وحزبه من السياسة، معللين ذلك بنفوذ إيران الكبير في لبنان.

الحزب بحاجة لحلفائه

وعلى الرغم من أن «حزب الله» يمكنه الحصول على المقاعد إذا انسحب السنّة من الانتخابات، إلا أنه يظل بحاجة إلى حلفائه المسلمين والمسيحيين لضمان الأغلبية. وفي انتخابات عام 2018، فاز «حزب الله» وحلفاؤه من الشيعة، بمن فيهم حركة أمل، بـ27 مقعداً من ضمن 128 مقعداً في البرلمان، المقسمة بالتساوي بين الأحزاب الإسلامية والمسيحية. ويستطيع «حزب الله» بالتحالف مع «حركة التيار الوطني الحر»، وهو حزب مسيحي ماروني يترأسه الرئيس اللبناني ميشيل عون، وحركة أمل، وهي ميليشيا شيعية تحولت إلى حزب سياسي، الحصول على الأغلبية، وهي 70 مقعداً على الأقل.

وتمكن «حزب الله»، من خلال دوره التقليدي كحامٍ ومصدر للمال، من إبعاد الكثير من الانتقادات الموجهة إلى النخبة الحاكمة. ويوجه كثيرون غضبهم ضد «التيار الوطني الحر» و«حركة أمل»، وقال حاج علي: «هذه الانتخابات تمثل فرصة لإنقاذ حلفاء الحزب».

الدولة لا تدار في الاتجاه الصحيح

ولكن لدى «حزب الله» بعض الأسباب التي تجعله يشعر بالقلق، وفق ما يقوله المحللون، إذ يتم إلقاء اللوم عليه نتيجة الجمود الحاصل بشأن الإصلاحات، والتحقيقات المتعلقة بانفجار بيروت، واستمرار فترة تشكيل الحكومة السابقة لمدة 13 شهراً. ويطرح آخرون موضوع احتفاظ «حزب الله» بترسانته من الأسلحة، والتي يقول الحزب إنها ضرورية لمواجهة احتلال إسرائيل لمناطق في جنوب لبنان. وتقول (منى) مشيرة إلى «حزب الله»: «اليوم ليس كما كان عام 2006»، لافتة إلى الحرب بين الحزب وإسرائيل في ذلك العام. وتضيف (منى): «نحن نؤيد المقاومة. نريد منهم الحفاظ على الأسلحة لحمايتنا. ولكن من الواضح أنه لا تُبذل الجهود المناسبة لقيادة الدولة في الاتجاه الصحيح، ويبدو أن حلفاء المقاومة فاسدون تماماً».

ويقول حاج علي إن هذا النوع من الانتقاد نادر الحدوث، ولكن في تزايد. ويقول الناشطون إن التفتت في الكتلة الانتخابية الشيعية التي كان يعتمد عليها يوماً ما، دفعت «حزب الله» و«حركة أمل» إلى استخدام مزيد من تكتيكات التهديد ضد المرشحين المعارضين والناخبين، الذين يريدون الإدلاء بأصواتهم لجهات معارضة. وتحدث المرشحون المعارضون عن تهديدات بالعنف وصعوبة في تجنيد ممثلين للعمل في مراكز الاقتراع. ويقول الناخبون إن الموالين لـ«حزب الله» وحركة أمل يراقبون القوائم الانتخابية، ويقومون بمضايقة الأشخاص الذين لا ينتخبون وفق هواهم.

المعارضة ضد النظام القبيح

وتعتبر منطقة الجنوب الثالثة التي تتضمن النبطية، وفيها مرشح المعارضة وسيم غندور، 55 عاماً، المنطقة الوحيدة التي قرر فيها مرشحو المعارضة التوحد في ما بينهم، وقال غندور: «حتى لو لم نتمكن من الفوز بأي مقعد في هذه المرة، فإننا نضع الأساس اللازم من أجل انتخابات عام 2026 وما بعدها. وأضاف «أعتقد أننا نردد أصوات الأشخاص الصامتين الذين لا يستطيعون التعبير عن أنفسهم في الجنوب. ونحن جميعاً ضحايا لهذا النظام القبيح. وليس لدينا أي خيار سوى أن نترشح ضدهم لمحاولة إنقاذ أنفسنا».

وبغض النظر عن النتيجة، من المرجح أن تستغرق المفاوضات لتشكيل إدارة جديدة وقتاً طويلاً، وأن التعافي الاقتصادي سيكون بطيئاً. وفي هذه المرحلة يشعر الناخبون بالغليان. وقال الشاب اللبناني (طارق - 35 عاماً)، طلب الاكتفاء بذكر اسمه الأول مخافة الانتقام، وهو مالك متجر في مدينة صور، حيث تتمتع حركة أمل و«حزب الله» بنفوذ كبير، إنه وجميع الأشخاص الذين يعرفهم سيصوتون لأي شخص ضد الحزب والحركة، وأضاف (طارق): «يعاني ابني البالغ من العمر ثلاث سنوات من سرطان في العين، هل تعتقدون أن أياً منهما قدم لي أي شيء عندما طلبت المساعدة لعلاج ابني وإنقاذ حياته؟».

* ريا الجلبي - صحافية لبنانية

• على الرغم من السخط المتزايد لدى اللبنانيين، احتفظ «حزب الله»، المصنف إرهابياً لدى جهات عدة، بسيطرته على منطقته الانتخابية من خلال شبكة المحسوبية الواسعة التي يحتفظ بها، والتحريض الطائفي، وتهديد أنصار المعارضة، وفق ما يقوله المحللون.

• حافظ الحزب على التدفق المنتظم للدولار لجميع أعضائه، ولاتزال منظماته الخيرية تقدم مساعدات كثيرة للمجتمع. وحافظ على الولاءات بتوزيع رواتب بقيمة 1000 دولار شهرياً على أفراده، أي 10 أضعاف راتب الموظف الحكومي، الذي أصبحت قيمته أقل من 100 دولار.

تويتر