يمكن أن تؤثر أصوات دولها الـ 54 في الجمعية العامة على تأييد القرارات أو رفضها

كاتب أميركي: إفريقيا ضحية للحرب في أوكرانيا

صورة

في بداية غزو روسيا لأوكرانيا، صدرت أقوى إدانة لمغامرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من شخص إفريقي؛ ففي كلمة انتشرت بشكل كبير في جميع أنحاء العالم أعاد سفير كينيا لدى الأمم المتحدة مارتن كيماني للأذهان تجربة إفريقيا المريرة في عهد الاستعمار، وذلك لإدانة الرجعية الامبريالية من جانب الرئيس الروسي. وقال إن «الدول الإفريقية رفضت الوحدوية والتوسع على أي أساس، بما في ذلك العوامل العنصرية، أو العرقية، أو الدينية، أو الثقافية.. ونحن نرفض ذلك مرة أخرى».

تراجع حدة الانتقاد

ويقول الكاتب الأميركي، بوبي غوش، إنه مع ذلك خفت حدة الانتقاد الإفريقي منذ ذلك الحين، خصوصاً في الأمم المتحدة، التي يمكن فيها أن تؤثر أصوات الدول الإفريقية الـ54 على الموافقة على القرارات أو رفضها، فقد صوّت أكثر من نصف الدول الإفريقية تقريباً على قرار الأمم المتحدة بإدانة الغزو في الثاني من مارس، وامتنعت 17 دولة عن التصويت، واختارت ثماني دول عدم التصويت تماماً، وصوت ضد القرار إريتريا، بالإضافة إلى بيلاروسيا، وكوريا الشمالية، وسورية، وروسيا نفسها.

ورغم الجهود الدبلوماسية التي قامت بها الولايات المتحدة وحلفاؤها لحشد الرأي الإفريقي ضد روسيا، فقد نأى المزيد من الدول بنفسه عن الأمر، فهناك 33 دولة إما امتنعت عن التصويت أو لم تصوت على قرار 7 أبريل الخاص باستبعاد روسيا من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وتراوح أسباب رفض معاقبة روسيا ما بين أسباب تاريخية وأخرى عملية، فالماضي الاستعماري الذي أشار إليه كيماني يحمل دلالة الحذر واسع النطاق تجاه نصائح الغرب، فالذكريات الرقيقة عن الدعم السوفييتي للدول الافريقية المستقلة حديثاً في ستينات وسبعينات القرن الماضي تشجع على قدر معين من التعاطف مع موسكو.

علاقات اقتصادية عميقة

كما أن للعلاقات الاقتصادية التي ازدادت عمقاً أخيراً دوراً أيضاً؛ وعلى الرغم من أن روسيا لم تعد مساهماً كبيراً في مساعدات التنمية لإفريقيا، و تعتبر مصدراً ضئيلاً فقط للاستثمار المباشر، فإنها باتت مورداً أساسياً للمواد الغذائية وأصبحت، خصوصاً في السنوات القليلة الماضية، مورداً مهماً للمساعدات العسكرية بصورة متزايدة.

ولكن هذه العلاقات تضع إفريقيا في مأزق الآن، فرفض اتخاذ موقف لا يمثل فقط خطراً أخلاقياً، فهو لا يوفر حماية من تداعيات الحرب، فالدول الإفريقية تعاني بالفعل اقتصادياً كنتيجة مباشرة للغزو الروسي لأوكرانيا، ومن المحتم أنه سوف يلي ذلك متاعب سياسية.

فقد أدت الحرب إلى حرمان إفريقيا من مصدرين رئيسين للحبوب. ووفقاً لمنظمة الزراعة والتغذية، تعتمد 14 دولة إفريقية على روسيا وأوكرانيا للحصول على نصف احتياجاتها من القمح، وتتصدر القائمة إريتريا (100%)، والصومال (أكثر من 90%) ومصر (نحو 75%).

وعموماً تشكل واردات القمح 90% من حجم تجارة إفريقيا مع روسيا الذي يبلغ أربعة مليارات دولار ونحو 50% من حجم تجارتها مع أوكرانيا البالغ 4.5 مليار دولار، وفقاً لبنك التنمية الإفريقي. وفي حوار صحافي حذر رئيس البنك أكينومي أديسينا من تفاقم أزمة الغذاء، ما يمكن أن يؤدي إلى «زعزعة استقرار القارة».

ارتفاع أسعار السلع

وبالإضافة إلى الضغط على إمدادات القمح، تسببت الحرب في ارتفاع أسعار مجموعة كبيرة من السلع، ما أدى لارتفاع معدلات التضخم في الوقت الذي تسعى فيه الدول جاهدة للتعافي من عامين من المعاناة الاقتصادية نتيجة جائحة فيروس كورونا، ويمثل هذا تهديداً للحكومات في أنحاء العالم النامي، ولكن بوجه خاص في إفريقيا، التي تعاني بالفعل تراجعاً ديمقراطياً وإعادة ظهور الانقلابات العسكرية.

كما أن الحرب تجذب اهتمام العالم النامي نحو أوكرانيا، ما يجعل من المستحيل بالنسبة للدول الإفريقية الحصول على المساعدات التي هي في أمس الحاجة لها. ومما يثير الدهشة أن الاقتصاديين الذين يغطون إفريقيا في البنك الدولي يتوقعون حدوث المزيد من الاضطراب المدني. ومن أكبر المفارقات أن احتمال الاضطراب المدني، الذي هو نفسه نتيجة تصرفات روسيا في منطقة أخرى، سوف يزيد من طلب الدول الإفريقية للخدمات الروسية من نوع آخر.

فبالنسبة لكثير من الحكومات، تعتبر الذخائر، والقوة العاملة التي توفرها موسكو هي الأدوات ذاتها التي تحتاج إليها هذه الحكومات لقمع المعارضة السياسية، وتكميم السكان الساخطين. وأقوى هذه الأسلحة مرتزقة جماعة فاغنر، وهو الجيش الخاص سيئ السمعة التابع للكرملين والذي يتم تأجيره. وأصبحت هذه المجموعة التي ظهرت أول مرة عام 2014 كمجموعة مساعدة للجيش الروسي أثناء ضم شبه حزيرة القرم، أداة لتواصل بوتين مع الحكام الطغاة والسلطويين في إفريقيا. ويدير مجموعة فاغنر، يفجيني بريجوزين، وهو رجل أعمال ذو صلات وثيقة ببوتين.

وكان للمرتزقة الروس، ومعظمهم من قدامى العسكريين، نشاط لسنوات عدة في ليبيا، وجمهورية إفريقيا الوسطى. وظهر مقاتلو فاغنر أخيراً في موزمبيق، والسودان، ومدغشقر، ومالي (كما أن المجموعة نشطة في سورية).

ويمثل انسحاب القوات الفرنسية من القتال ضد الجماعات المسلحة في منطقة الساحل، فرصة كبيرة لبريجوزين، خصوصاً أن الكثير من دول تلك المنطقة تخضع الآن لحكم مجالس عسكرية. ولم يكن مقاتلو فاغنر ناجحين على الدوام ضد الإرهابيين، ففي موزمبيق على سبيل المثال، فر المرتزقة الروس في وجه الهجمات المستمرة من جانب الميليشيات المتطرفة، ولكن ميل مقاتلي فاغنر للعنف الشديد وتجاهل أحكام القانون - ناهيك بما يعتبر شكليات مثل حقوق الانسان - يجعلهم مطلوبين من جانب نظم الحكم التي تسعى للقضاء على المعارضة السياسية. وكمقابل لجهود المرتزقة، لدى بريجوزين استعداد كبير لقبول منحه حقوقاً لاستغلال المعادن مثل الذهب في السودان.

وتمثل حرب بوتين تحدياً قصير المدى وفرصة طويلة المدى لفاغنر، فقد اضطرت مجموعة فاغنر لإرسال مقاتلين من إفريقيا إلى أوكرانيا، وسوف تسعى لتكون جاهزة لمواكبة أي زيادة في الطلب من الدول الإفريقية. ولكن بريجوزين سوف يكون قادراً أيضاً على تجنيد مقاتلين من بين الجنود الروس الذين تمرسوا في المعارك.

وربما تنأى الدول الإفريقية بنفسها عن الحرب في أوكرانيا، لكنها ستكون ضحية لها طوال سنوات مقبلة.

■ صوّت أكثر من نصف الدول الإفريقية تقريباً على قرار الأمم المتحدة بإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا في الثاني من مارس، وامتنعت 17 دولة عن التصويت، واختارت ثماني دول عدم التصويت تماماً، واعترضت إريتريا على القرار.

تويتر