لا مؤشرات على احتمال نجاح الإيماءة التركية

أردوغان يرفع غصن الزيتون للأسد قبيل الانتخابات المقبلة

صورة

أشارت تركيا، أخيراً، إلى أنها ترغب بالحوار مع الحكومة السورية بعد سنوات من تدهور العلاقات. وجاءت هذه الإشارة مفاجئة بالنسبة للكثيرين بالنظر إلى أنه لا يوجد الكثير من المؤشرات التي توحي بأن هذه المفاوضات يمكن أن تؤدي إلى أي نجاح ملموس.

ولايزال هناك عداء مرير وانعدام ثقة بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والسوري بشار الأسد، بعد أكثر من عقد من إلقاء تركيا كل ثقلها خلف مقاتلي المعارضة السورية التي كانت تقاتل حكومة الأسد. وكان من الممكن أن تلعب روسيا دور الوسيط، ولكن غزوها لأوكرانيا يعني أن موسكو ليست في موقف يسمح لها بالقيام بمثل هذه المهمة حالياً.

مصادر غامضة

ولكن هذه المبادرة التركية تصبح أقل غموضاً، عندما ينظر إليها من منظور الانتخابات العامة المقبلة في تركيا. وعن طريق الظهور بأنه مستعد لإصلاح العلاقات مع الأسد، يأمل أردوغان أن يخفف من الاستياء الواسع الذي نجم عن سياساته إزاء سورية واللاجئين القادمين منها، والتي ربما ستكلفه، إضافة إلى قضايا أخرى، انتخابات عام 2023. وتم الكشف عن استعداد أنقرة للتفاوض مع دمشق من قبل صحيفة «حريات» المدعومة من الحكومة. وباستخدام مصادر غامضة ذكرت الصحيفة أن الأولوية الأهم بالنسبة لإعادة العلاقات مع سورية، تهدف إلى تسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، ومواجهة فرع حزب العمال الكردستاني الموجود في سورية، حيث تحارب تركيا حزب العمال الكردستاني منذ عقود وتعتبره منظمة إرهابية.

وألقى المصدر باللوم على روسيا وإيران لأنهما عملتا على صد الفرص السابقة لتحسين العلاقة بين تركيا وسورية.

سورية غير مهتمة

وأشار المسؤولون إلى أن الوضع الآن أكثر ملاءمة لبداية جديدة مع دمشق بالنظر إلى أن حلفاء سورية المقربين منشغلون الآن بقضاياهم، فروسيا في أوكرانيا، وإيران في المحادثات النووية. ولكن يبدو أن سورية ليست مهتمة كثيراً للحوار مع تركيا، حيث قال وزير الخارجية السورية، فيصل المقداد، لصحيفة الوطن المدعومة من الحكومة، إن سورية ستظل ملتزمة بشروطها من أجل الدخول في حوار مع تركيا. وأهم هذه الشروط انسحاب القوات التركية من سورية.

العقبة الأساسية

ويعتبر الوجود العسكري التركي في سورية العقبة الأساسية التي منعت حكومة الأسد من استرجاع المعقل الأخير الذي تسيطر عليه المعارضة السورية في شمال غرب سورية. ولكن هذا الانسحاب يجرد تركيا من ورقتها الأساسية في المفاوضات مع سورية، كما أنه سيؤدي إلى هروب مزيد من اللاجئين إلى تركيا، الأمر الذي سيفاقم مشكلات أردوغان بدلاً من حلها. ولا يبدو إحجام الحكومة السورية عن المصالحة مع أنقرة مجرد تكتيك ما قبل التفاوض، إذ إن الفترة القصيرة نسبياً قبيل الانتخابات العامة التركية تعني أن أي تفاوض بين الطرفين يصب لمصلحة تركيا، والدخول في مثل هذه المفاوضات سيمنح أردوغان أرضية سياسية في بلده، بغض النظر عن النتيجة التي ستؤدي إليها. وإضافة إلى ذلك فإن كره الرئيس الأسد لأردوغان يعني أنه سيتجنب القيام بأي شيء يصب في مصلحة أردوغان داخلياً، على أمل أن يخسر الانتخابات المقبلة، ويتم استبداله بشخص آخر أكثر ودية مع الحكومة السورية.

بالرغم من أن مبادرة أردوغان لا تدعو للتفاؤل، إلا أنه يأمل بأن يساعد إرسال إشارات المصالحة إلى سورية في تحسين صورته في تركيا، وفي أن يحقق بعض الدعم السياسي.

الأتراك مستاؤون من اللاجئين السوريين

وثمة استياء عميق لدى الشعب التركي إزاء أربعة ملايين لاجئ سوري في بلادهم. وبالنظر إلى مناخ الاستقطاب السياسي في تركيا، ينظر إلى اللاجئين السوريين باعتبارهم نتاج سياسة أردوغان الفاشلة في سورية. ولهذا يرى العديد من المحللين هؤلاء اللاجئين باعتبارهم الأسباب الرئيسة وراء خسارة حزب العدالة والتنمية الحاكم للانتخابات البلدية عام 2019.

وبناء عليه، فقد تغير أسلوب تعامل الحكومة التركية مع اللاجئين السوريين إلى حد كبير. وبدأت القوات الأمنية باعتقال اللاجئين وإرسالهم إلى المقاطعات التركية المسجلين فيها. وتم طرد بعضهم من الدولة، في حين يتم تشجيع آخرين على العودة بإرادتهم إلى سورية.

ومع ذلك يواصل الخصم الرئيس لأردوغان، وهو حزب الشعب الجمهوري، توجيه الانتقاد لتعامل الحكومة التركية مع قضية اللاجئين، ووعد الحزب بأنه سيتعامل مباشرة مع الأسد بهدف إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم في غضون سنتين.

وفي ظل عدم وجود ترحيل جماعي للاجئين قبل الانتخابات، يبدو أن أردوغان لم يبق له سوى أن يقلد وعود الحزب الجمهوري. ومن خلال هذه الخطوة يأمل أردوغان في إعادة التواصل مع حليفه الانتخابي حزب الحركة القومية، إضافة إلى العديد من داعميه السابقين الذين يعتبرون الأولوية الآن عودة اللاجئين السوريين أكثر من ولائهم للحزب الحاكم.

تلميحات للناخبين

وحتى إذا فشلت هذه الخطوة، ستظهر الحكومة التركية، وإن بصورة غير مباشرة للناخبين الأتراك، أنها تحاول إصلاح أخطائها عن طريق محاولة المصالحة مع الأسد من أجل إعادة اللاجئين. كما أنه سيقدم تلميحاً للناخبين بأنه ستكون هناك نهاية للتدخل التركي المباشر في سورية.

ومن غير الواضح مدى نجاح خطوة أردوغان المحسوبة في إعادة التواصل مع الأتراك الذين سحبوا دعمهم له نتيجة سياسته في سورية. ولكن الأمر المؤكد أن الأسد وأردوغان لن يتصافحا في المنظور القريب.

• لا يبدو إحجام الحكومة السورية عن المصالحة مع أنقرة مجرد تكتيك ما قبل التفاوض، إذ إن الفترة القصيرة نسبياً قبيل الانتخابات العامة التركية تعني أن أي تفاوض بين الطرفين يصب لمصلحة تركيا.

• يعتبر الوجود العسكري التركي في سورية العقبة الأساسية التي منعت حكومة الأسد من استرجاع المعقل الأخير الذي تسيطر عليه المعارضة السورية في شمال غرب سورية.

حايد حايد ■ كاتب متخصص في الشؤون التركية

تويتر