المحللة الاستراتيجية هونغ لي ثو:

آسيا تواجه أوقاتاً عصيبة بسبب الحرب الأوكرانية

صورة

قد تبدو الحرب الأوكرانية أمراً بعيداً بالنسبة لكثير من الدول غير المنخرطة بشكل مباشر فيها، وهي مسألة محل جدل من حين إلى آخر، تدور حول سبب تفضيل بعض الدول النأي بنفسها عن القضية دبلوماسياً. ففي جنوب شرق آسيا، اختارت دول كثيرة الالتزام بفلسفة عدم الانحياز التقليدية لتجنب أي تورط. وبخلاف سنغافورة، التي أدانت بحسم الهجوم الروسي، وطبقت العقوبات الاقتصادية المفروضة على موسكو، اتخذت الدول الأخرى موقفاً متحفظاً كثيراً.

وتقول المحللة البارزة بمعهد السياسات الاستراتيجية الأسترالي، الدكتورة هونغ لي ثو، إن هذا يرجع إلى مجموعة من العوامل، بما في ذلك العلاقات الثنائية الإيجابية نسبياً مع روسيا. وتعتبر فيتنام بوجه خاص في موقف صعب، نظراً لأن موسكو تزودها بـ80% من معداتها العسكرية. وبالنسبة لإندونيسيا وماليزيا، تعتبر روسيا دولة مصدرة رئيسة لمثل هذه المعدات لهما، رغم أن النسبة أقل كثيراً مقارنة بفيتنام.

وتضيف ثو - وهي أيضاً باحثة غير مقيمة مع برنامج جنوب شرق آسيا بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأميركي- أن التصرف الذي شهده التصويت أخيراً على قرارات الأمم المتحدة بشأن الحرب كشف الخيارات غير المريحة التي تواجهها كل الدول، حتى تلك الدول التي رفضت اتخاذ أي خيار.

ميول الدول

ونظراً لميول حكومات دول جنوب شرق آسيا ونزعاتها، فإنها تتسم بالحساسية تجاه قضايا سلامة الأراضي، وأي انتقاد يتعلق بالقيم والأخلاق. فحتى سنغافورة التي أدانت الهجوم، امتنعت عن التصويت على طرد روسيا من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

وتقول ثو في تقرير نشره معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن الأضواء العالمية مسلطة بصورة متزايدة على جنوب شرق آسيا، خصوصاً الدول التي تقوم هذا العام بدور إقليمي أوسع نطاقاً، فإندونيسيا ستترأس مجموعة العشرين، وتايلاند ستترأس قمة التعاون الاقتصادي الآسيوي- الهادئ (آبيك)، وكمبوديا ستترأس رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، وقمة شرق آسيا، وهناك ضغط دبلوماسي متزايد لاستبعاد روسيا من هذه التجمعات، ما يضع الدول التي ستترأسها في موقف صعب.

ومن المحتمل أن تسفر المطالبات بعدم دعوة روسيا للمشاركة في المنتديات الدولية، لاسيما مجموعة العشرين، عن نتيجة عكسية إذا لم يتم تنفيذ ذلك ببراعة. فمن ناحية، من المتصور أن الضغط مصدره «الغرب»، وإذا ما تم فرضه، فسيفسر على أنه انتهاك لاستقلالية رأي الدول المضيفة. وقد أعربت إندونيسيا، حتى قبل الحرب في أوكرانيا، في مناسبات عدة، عن استيائها لسعى دبلوماسيين أميركيين للحصول على دعمها ضد الصين، وغيرها من الدول، وتعتبر ذلك تدخلاً في السياسة الخارجية المستقلة لجاكرتا.

وتوضح ثو أن إندونيسيا - أكبر ديمقراطية في المنطقة - هي التي ستتحمل الكثير من ذلك التدقيق الدبلوماسي هذا العام، ليس فقط بسبب رئاستها لمجموعة العشرين، بل لأنها الدولة الوحيدة المشاركة في قمم الـ«آسيان»، و«آبيك»، ومجموعة العشرين. وحتى إذا ما تم تنفيذ التأثير الدبلوماسي ببراعة، فستكون هناك حدود لمدى استعداد دول جنوب شرق آسيا للاستجابة، ليس فقط بسبب علاقاتها مع موسكو، بل أيضاً بسبب علاقاتها مع الصين. والسؤال إذاً هو: ما الدولة الأكثر قدرة على التواصل معها بشكل مقنع؟

تقول ثو إن هناك ست «دول خارجية» تشارك في عضوية مجموعة العشرين والـ«آبيك» وقمة شرق آسيا وهي: أستراليا، والصين، واليابان، وروسيا، وكوريا الجنوبية، والولايات المتحدة. واليابان من بين هذه الدول هي في أفضل وضع للمشاركة في الدبلوماسية البارعة مع الدول المضيفة والضرورية للتحكم في التوترات بشأن غزو روسيا لأوكرانيا.

وضع اليابان

فوضع اليابان في جنوب شرق آسيا أكثر رسوخاً مقارنة بالدول الخمس الأخرى، كما أن شراكاتها العميقة وطويلة المدى في المنطقة أكسبتها مستوى عالياً من الثقة الدائمة.

وأضافت ثو أن العلاقات الاقتصادية القوية، والاعتراف المتبادل بالاعتماد المشترك، عوامل تجعل جنوب شرق آسيا واليابان أكثر قرباً مقارنة بالدول الأخرى.

وتختتم ثو تقريرها بالقول إنه وسط الانقسامات العالمية التي تزداد عمقاً بشأن الحرب في أوكرانيا وعواقبها، تواجه جنوب شرق آسيا أوقاتاً عصيبة، فالـ«آسيان» ليست فقط ممثلاً رئيساً للدول الأصغر حجماً والمتوسطة الحجم، بل أيضاً تتمتع الدول الأعضاء فيها بقوة وجود كبيرة في المنتديات الدولية الأخرى هذا العام، وهذا الوضع البارز سيجعلها تقدر شريكاً متفهماً ومحاوراً بارعاً بدرجة أكبر. ويبدو أن اليابان ستكون مثل هذا المحاور، ورغم أن جهود طوكيو وحدها، أو بالتنسيق مع الشركاء والحلفاء، لن تعالج القضية التي تواجهها المؤسسات الدولية، فإنها ربما تمنع المزيد من التصدع.

• أعربت إندونيسيا، حتى قبل الحرب في أوكرانيا، في مناسبات عدة، عن استيائها لسعى دبلوماسيين أميركيين للحصول على دعمها ضد الصين، وغيرها من الدول، وتعتبر ذلك تدخلاً في السياسة الخارجية المستقلة لجاكرتا.

تويتر