رغم هروبهم من الحرب ذاتها

اللاجئون غير الأوكرانيين غير مرحّب بهم في الدول الغربية

صورة

على الرغم من أن ذلك اليوم الربيعي كان شديد البرودة على نحو غير معهود في بروكسل، إلا أن الشاب الغزي جهاد كوار،32 عاماً، لم يكن منزعجاً من درجة الحرارة التي بلغت حد التجمد. وقال كوار مفسراً عدم انزعاجه: «لقد كانت درجة الحرارة أشد برودة على الحدود بين أوكرانيا وبولندا»، وأمضى كوار ثلاث ليالٍ في العراء في جو بلغت درجة الحرارة فيه 17 تحت الصفر، خلال رحلته التي امتدت 80 كيلومتراً مشياً على الأقدام. وأضاف من خلال أحد المترجمين «اضطررت إلى حرق سترتي الأخرى وملابسي، وثلاث أزواج من أحذيتي كي أبقى دافئاً. وقد شاهدت ثلاثة أطفال لقوا حتفهم من شدة البرد».

وعانى كوار مصاعب اللجوء مرتين، وكانت الأولى عام 2017 عندما هرب من قطاع غزة، حيث كان يعمل ممرضاً. ويعيش الآن في أوكرانيا التي كان يعتبرها بمثابة جنة له، ولكن عندما اندلعت الحرب تعيّن عليه الهرب مرة ثانية. وحاول الهروب إلى بروكسل «عاصمة الاتحاد الأوروبي»، ألم تعلن أوروبا أن جميع اللاجئين من أوكرانيا مرحّب بهم؟

ولو أن كوار حصل على الجنسية الأوكرانية، لكان الإعلان الأوروبي ينطبق عليه. ويوجد مركز تسجيل لحاملي الجنسية الأوكرانية بالقرب من نصب «أتوميوم» في بروكسل، حيث يستطيع حاملو الجنسية الأوكرانية حجز مواعيد لهم عبر الإنترنت، ويتم منحهم الغذاء وشريحة الهاتف النقال، والسكن بسهولة، بينما يتم تدبير عائلات ترحب باللاجئين في منازلها. وتتوقع بلجيكا وصول نحو 200 ألف لاجئ يمكن أن يستقروا في الدولة، وفق ما ذكره وزير الدولة للجوء، سامي مهدي. وحتى الآن تم تسجيل نحو 35 ألف لاجئ أوكراني هنا.

مكتب لجوء قذر

ولكن نظراً إلى أن كوار يحمل وثيقة سفر فلسطينية، أرسلته السلطات البلجيكية إلى مكتب لجوء قذر، حيث ينام الأشخاص طالبو اللجوء من جميع أنحاء العالم في ظروف قاسية، في حين أن المسؤولين عن اللجوء يتعاملون بفظاظة كبيرة مع جميع اللاجئين. ووفق قوانين الاتحاد الأوروبي، فإن الحماية المؤقتة التي تمنح المواطنين الأوكرانيين السكن، والتعليم، وتراخيص العمل لفترة تصل إلى ثلاث سنوات، هي أمور بالغة الصعوبة بالنسبة لمن هم غير الأوكرانيين الفارين من الحرب ذاتها في أوكرانيا.

وهذا جانب من أوروبا أتذكره منذ عام 2015، عندما كنت أغطي بداية «أزمات» اللجوء، حيث البؤس، والإرهاب، والأسلاك الشائكة. ونشرت بعض الدول مثل الدنمارك إعلانات في صحف الشرق الأوسط، تهدف إلى ردع اللاجئين عن القدوم إليها، وبعد ذلك أصدرت قوانين لمصادرة الأموال والمجوهرات التي يملكها طالبو اللجوء. وعندها كان هناك مليون لاجئ خلال عام كامل. والان وبعد مرور اكثر من شهر على بدء الحرب في أوكرانيا، تم الترحيب بنحو ثلاثة ملايين لاجئ أوكراني في دول الاتحاد الأوروبي. وبالتأكيد فإن هذا الكرم من الممكن أن يطال من لا يحملون الجنسية الأوكرانية، أعداد هؤلاء ليست كبيرة. ووفق المفوضية العليا للاجئين فقد كان هناك 5000 لاجئ مسجلين في أوكرانيا.

وخلال الأسابيع التي تلت وصوله إلى بلجيكا، تمكن كوار من العثور على سكن في مسكن مؤقت، مع اللاجئين النيجيريين والأردنيين. وهو يشعر بالإحباط من المعايير المزدوجة التي يواجهها، ويتمنى لو أنه بقي في بولندا، أو ربما ذهب إلى السويد مع صديقه الذي هرب معه من مدينة سومي في شرق أوكرانيا، التي تعرضت لقصف عنيف في بداية الحرب.

استيقاظ على أصوات الصواريخ

ويتذكر كوار استيقاظه من النوم في 24 فبراير الماضي على صوت الصواريخ، وهو صوت يعرفه جيداً في غزة، وقال كوار: «عرفت أن الحرب بدأت، ويجب علي مغادرة البلد»، وبحقيبتين على الظهر وثالثة وضع بها ملابسه غادر بلدته نحو مدينة أوديسا، مع صديقه الذي كان يملك سيارة.

واتضح أن كوار وصديقه قاما بالخيار الصائب، فسرعان ما تعرضت بلدة سومي للحصار. وقال كوار: «لم أكن أعتقد مطلقاً أن الحرب ستقع على أوكرانيا بهذه السرعة، فقد اعتقدت أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كان يهدف إلى إظهار التهديد فقط»، وتعين على الصديقين ترك السيارة في مكان مزدحم جداً بالقرب من أوديسا، ودفعا المال لأحد السائقين لنقلهما إلى مدينة لفيف. وأنزلهما الرجل على بعد 80 كيلومتراً من الحدود مع بولندا واضطرا إلى المشي في البرد القارس.

ويقول كوار: «كانت الحافلات التي تنقل الفارين إلى الحدود مخصصة للأوكرانيين، أو العائلات المختلطة (أوكرانية مع جنسية ثانية) ولم يكن يسمح لنا باستخدام هذه الحافلات»، وخلال هذه الرحلة إلى الحدود أغمي على صديقه من شدة الإرهاق. وفي بولندا كانت السفارة الفلسطينية قد نظمت سكناً في وارسو، حيث أمضى كوار ثلاث ليالٍ مع صديقه قبل أن يتجه صديقه إلى السويد، بينما ذهب هو إلى بلجيكا.

وتم تسليط الضوء على محنة اللاجئين غير الأوكرانيين من قبل رئيس المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، فيليبوا غراندي. وفي الشهر الماضي رحب بالدعم الذي أظهره الجميع للأوكرانيين، لكنه لاحظ «الحقيقة البشعة التي مفادها أن بعض الأشخاص السود والسمر الهاربين من أوكرانيا، لم يحظوا بالمعاملة ذاتها التي حظي بها الأوكرانيون»، وبعد مرور بضعة أيام قال غراندي: «توجد تقارير مستمرة تتحدث عن معاملة غير متساوية أو تتسم بالتمييز» لغير الأوكرانيين الفارين من الحرب.

ويقول كوار في بروكسل: «اعتقدت أنه سيكون الذهاب إلى بلجيكا أفضل من البقاء في بولندا، ولكني أشعر بالندم الآن لكوني قدمت طلب اللجوء هنا في هذا البلد».

* فالنتينا بوباد : محررة في صحيفة «يوروب إكسبريس»

• عانى كوار مصاعب اللجوء مرتين، وكانت الأولى عام 2017 عندما هرب من قطاع غزة، حيث كان يعمل ممرضاً. ويعيش الآن في أوكرانيا التي كان يعتبرها بمثابة جنة له، ولكن عندما اندلعت الحرب تعيّن عليه الهرب مرة ثانية.

• وفق قوانين الاتحاد الأوروبي، فإن الحماية المؤقتة التي تمنح المواطنين الاوكرانيين السكن، والتعليم، وتراخيص العمل لفترة تصل إلى ثلاث سنوات هي أمور بالغة الصعوبة بالنسبة لمن هم غير الأوكرانيين الفارين من الحرب ذاتها في أوكرانيا.

• خلال الأسابيع التي تلت وصول كوار إلى بلجيكا، تمكن من العثور على سكن مؤقت، مع اللاجئين النيجيريين والأردنيين. وهو يشعر بالإحباط من المعايير المزدوجة التي يواجهها، ويتمنى لو أنه بقي في بولندا، أو ربما ذهب إلى السويد مع صديقه الذي هرب معه من مدينة سومي.

تويتر