نفوذهم يساعدهم في تشكيل الرأي العام

الأوليغارشيون يؤثرون في سياسة إسرائيل إزاء الحرب في أوكرانيا

صورة

عندما أدان وزير المالية الإسرائيلي المولود في الاتحاد السوفييتي، أفيغدور ليبرمان، الأعمال الوحشية في مدينة بوتشا الأوكرانية الأسبوع الماضي، كان حذراً في انتقاء كلماته كي لا يلقي اللوم على روسيا.

وقال ليبرمان لإحدى المحطات الإذاعية الأسبوع الماضي: «روسيا تتهم أوكرانيا، وأوكرانيا تتهم روسيا. ونحن هنا بحاجة إلى الحفاظ على موقف إسرائيل الأخلاقي من ناحية، ومصالح إسرائيل من الناحية الأخرى».

حذر الحكومة الإسرائيلية

لقد سلط ذلك التعليق الضوء على ميزتين واضحتين لإسرائيل في هذه الأيام، وهما: حذر الحكومة الإسرائيلية إزاء التعامل مع الحرب في أوكرانيا، والدور السياسي والاجتماعي الذي يلعبه الإسرائيليون الناطقون بالروسية من دول الاتحاد السوفيتي السابق، خصوصاً رجال الأعمال الروس المرتبطين بالكرملين.

وأعربت إسرائيل عن دعمها المتكرر لأوكرانيا التي يترأسها، فولوديمير زيلينسكي، وهو يهودي. وأرسلت مساعدات إنسانية وأنشأت مستشفى ميدانياً في غرب أوكرانيا، وصوتت قبل أيام على إبعاد روسيا من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بيد أنها لم ترسل أي معدات عسكرية، ولم تفرض عقوبات رسمية على الأثرياء الروس «الأوليغارشيون».

وتجنّب رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينيت، بصورة عامة، توجيه انتقاد مباشر لروسيا، تاركاً وبصورة واضحة مسألة إدانة الكرملين لوزير الخارجية يائير لابيد، وكان ذلك جلياً على نحو خاص عندما أدان وزير الخارجية الإسرائيلي الغارة الروسية الأخيرة التي أدت إلى مقتل نحو 50 شخصاً في إحدى محطات القطارات في أوكرانيا.

وينظر إلى هذا التصرف المتوازن بصورة دقيقة باعتباره محاولة للسماح لإسرائيل للتواصل بين الجانبين، ولتجنب تعريض اليهود في كل من أوكرانيا وروسيا لهجمات معادية للسامية، والحفاظ على علاقتها الدقيقة مع الجيش الروسي في سورية.

نفوذ رجال الأعمال من أصول روسية

ولكن رفض إسرائيل إثارة غضب روسيا أدى إلى زيادة التدقيق في نفوذ رجال الأعمال والسياسيين الناطقين باللغة الروسية على المجتمع والسياسة الإسرائيليين.

ويشكل الإسرائيليون من أصول الاتحاد السوفييتي 13% من سكان إسرائيل، البالغ تعدادهم 9.2 ملايين نسمة، وهم مؤهلون للحصول على الجنسية الإسرائيلية بسبب ديانتهم اليهودية. مثل ليبرمان، وزئيف اليكن، الوزير في الحكومة الإسرائيلية. وهناك أيضاً يتزشاك ميريلاشفيلي، الذي يملك محطة تلفزيون يمينية متطرفة، ويتحكم في المنابر الإعلامية التي تساعد على تشكيل الرأي العام الاسرائيلي. وهناك أيضاً الملياردير رومان أبراموفيتش الذي يتعرض لعقوبات بسبب قربه من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والذي أصبح من المانحين الرئيسين للمؤسسات الإسرائيلية.

وهناك أربعة إسرائيليين من أصول روسية تعرضوا للعقوبات من قبل دول أخرى لعلاقتهم بالحكومة الروسية. ولكن على الرغم من أن هؤلاء الأوليغارشيين الروس-الإسرائيليين يتمتعون بالنفوذ في اسرائيل، إلا أن الخبراء يقولون إنهم ليسوا السبب الذي يجعل إسرائيل تتخذ هذا الموقف المحايد في ما يتعلق بالحرب الأوكرانية الروسية. وقال الملياردير الإسرائيلي الروسي، ليونيد نيفزلين، الذي يمتلك أسهماً في صحيفة هآرتس في مقابلة عبر الهاتف: «بصراحة، لا أرى أي تأثير للأوليغارشيين المقربين من بوتين على الحكومة الإسرائيلية، إذ يعتمد الموقف الإسرائيلي بالنسبة لحرب أوكرانيا على الموقف الشائع في المؤسسة الحاكمة، والذي مفاده أن الأولوية هي مصالح إسرائيل».

وكالعديد من الأوليغارشيين فإن نيفزلين يعادي بوتين منذ فترة طويلة، وقال إنه تنازل عن جواز سفره الروسي بعد حرب أوكرانيا.

ويعتبر ثلث الإسرائيليين الناطقين بالروسية من أصول أوكرانية، في حين أن ثلثاً آخر من أصول روسية، وفق بيانات الحكومة.

ويقول المحللون إن الإسرائيليين البارزين من أصول روسية يمتلكون رأسمال اجتماعياً يمكنهم من الوصول إلى صانعي الآراء وأصحاب القرار. ولكنهم يستخدمون هذا النفوذ على نحو غير مباشر، وغير ملموس أو بشكل قابل للقياس. وأما الذين يمتلكون نفوذاً ثقافياً فهم يتضمنون ميريلاشفيلي الذي يمتلك محطة 14 اليمينية، والعديد من شركات العقارات والتقنيات، ووالده، مايكل ميريلاشفيلي، الذي لايزال يمتلك استثمارات ضخمة في قطاعي الطاقة والعقارات في روسيا. وهناك لين بلافاتنك ويحمل جنسية مزدوجة أميركية وبريطانية، وجمع ثروته في روسيا.

أبراموفيتش من كبار المتبرعين لإسرائيل

ومنذ أن أصبح أبراموفيتش مواطناً إسرائيلياً في عام 2018 تبرع بمئات الملايين من الدولارات لمنظمات إسرائيلية، إضافة إلى بناء مستشفى ضخم، وانشاء جامعة ومنظمة استيطانية. وهذا ما جعله محبوباً لدى كثيرين هناك. وأخيراً قام العديد من الشخصيات البارزة في إسرائيل، بمن فيهم متلقو تبرعاته، بالكتابة إلى السفير الأميركي في إسرائيل، يطالبون واشنطن بإعفاء أبراموفيتش من العقوبات.

ولطالما استخدم ليبرمان وزير المالية الإسرائيلية، منصته على الإنترنت لإبعاد الانتقادات عن الرئيس بوتين. وفي عام 2011 عندما كان وزيراً للخارجية دأب ليبرمان على توجيه الكثير من الإطراء والثناء على الانتخابات البرلمانية الروسية، باعتبارها نزيهة وديمقراطية، على الرغم من الانتقادات الواسعة في شتى أنحاء العالم بشأن نزاهة تلك الانتخابات. وبعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014 انتقد ليبرمان العقوبات الأميركية الموجهة إلى روسيا.

وقال نيفزلين إنه مع مرور الوقت، أصبح هذا النوع من التصريحات يؤثر في الإسرائيليين، وفي بعض أعضاء الحكومة أيضاً. ولولاه لربما كان موقف الحكومة إزاء الحرب في أوكرانيا أكثر وضوحاً.

الإوليغارشيون يحظون بالحفاوة في إسرائيل

ويقول المحلل الإسرائيلي، ميتشل باراك، الذي يدير بحثاً في الرأي العام في كل من إسرائيل وروسيا إنه بصورة عامة يحظى الأوليغارشيون اليهود المولودون أيام الاتحاد السوفييتي، باستقبال أكثر دفئاً في إسرائيل من الدول الأخرى، لكونهم من اليهود، وبالتالي فإنهم لا يعتبرون غرباء. وأضاف «الأوليغارشيون اليهود يشعرون برابطة حقيقية مع إسرائيل، دينية وثقافية. كما أنهم يشعرون بالأمان أكثر هناك».

ولكن الدكتورة ميشلين شابير المتخصصة البارزة في القضايا الروسية تقول إن رجال الأعمال اليهود من أصول روسية، لا يملكون النفوذ الكافي كي يملوا على السياسيين الإسرائيليين ما يجب عليهم قوله، وإنما فقط يقولون «لنستمع إلى الكرملين»، ويلفتون الانتباه إلى أن «ثمة جوانب مختلفة للقصة، دعونا نستمع إلى جميع الأطراف، دعونا ننتظر ونرى ما الذي سيقوله الروس عن هذه القصة».

رجــــال الأعمال من أصول روسية ليسوا الأكثر ثراءً

ولم تفرض الحكومة الإسرائيلية عقوبات رسمية على الإسرائيليين من أصول روسية، ويرتبطون بعلاقات وثيقة مع الرئيس بوتين، على الرغم من أن بعض المسؤولين الأميركيين والأوكرانيين طلبوا ذلك مراراً وتكراراً. ولكن إسرائيل أشارت إلى أنها لا تريد أن تصبح مركزاً لغسيل الأموال الروسية. وحذرت وزارة الخارجية الإسرائيلية علانية سفراءها، هذا الأسبوع، بعدم قبول تبرعات من أشخاص يتعرضون للعقوبات. ويقول المسؤولون الإسرائيليون إن البنوك الإسرائيلية تدرك ما هي العقوبات التي ستفرضها عليها السلطات الأميركية، إذا قامت بإيداع أموال الأشخاص الذين فُرضت عليهم العقوبات.

وفي الواقع فإن رجال الأعمال من أصول روسية ليسوا بالضرورة هم الأكثر ثراءً من اليهود القادمين من دول أخرى، فمن ضمن أغنى 100 إسرائيلي صنفتهم مجلة «فوربس»، كان 10 فقط منهم يرجعون إلى أصول سوفييتية. ولايزال معظم كبار المانحين الرئيسين للمنظمات والمؤسسات الإسرائيلية من أصول أميركية شمالية وأوروبية غربية.

• تجنّب رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينيت، بصورة عامة، توجيه انتقاد مباشر لروسيا، تاركاً وبصورة واضحة مسألة إدانة الكرملين لوزير الخارجية يائير لابيد، وكان ذلك جلياً عندما أدان وزير الخارجية الإسرائيلي الغارة الروسية الأخيرة التي أدت إلى مقتل نحو 50 شخصاً في إحدى محطات القطارات في أوكرانيا.

• ثلث الإسرائيليين الناطقين بالروسية ينحدرون من أصول أوكرانية، في حين أن ثلثاً آخر من أصول روسية وفق بيانات الحكومة.

• يشكل الإسرائيليون من أصول الاتحاد السوفيتي 13% من سكان إسرائيل، البالغ تعدادهم 9.2 ملايين نسمة، وهم مؤهلون للحصول على الجنسية الإسرائيلية بسبب ديانتهم اليهودية.

*مراسل «نيويورك تايمز» في إسرائيل

تويتر