شهدت شداً وجذباً وحروباً بالوكالة

العلاقات الروسية الصينية تعكس مشاعر عميقة من الاحترام المتبادل والاستياء أيضاً

صورة

عندما تجمع الجنود على الحدود، قرر القائد الأعلى أن الوقت قد حان للغزو، لتلقين الطرف الآخر درساً. بعد ذلك بوقت قصير، اخترقت القوات الحدود المعترف بها دولياً، واشتبكت مع القوات المحلية. ليست تلك الدولة هي أوكرانيا 2022، بل فيتنام 1979.

في يناير من ذلك العام، أخبر الزعيم الصيني آنذاك، دنغ هسياو بينغ، الرئيس الأميركي في ذلك الوقت، جيمي كارتر، أنه يريد أن «يفرك أُذن» جيرانه. ولمدة شهر، اشتبكت القوات الصينية والفيتنامية، ما أدى إلى مقتل عشرات الآلاف. انسحبت القوات الصينية في مارس 1979، عندما قرر دينغ بحكمة، على عكس الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إعلان نصر مشهود، والعودة إلى الوطن. منذ ذلك الحين، لم يكن هناك خرق واضح للحدود الدولية من قبل القوات الصينية.

لا يتطرق العالم كثيراً لغزو الصين القصير لفيتنام، لاسيما في الوقت الراهن، خلال أزمة أوكرانيا. ولا يريد أي من الأطراف الغربية طرحها خلال محاولتها الضغط على الصين، بسبب تعلقها بقدسية السيادة الوطنية. ولن تذكر موسكو ذلك، لأنه يعيد ذكرى محرجة لأصدقائها في بكين، إذ لم يكن مشروع الصين عام 1979 يتعلق بفيتنام في الحقيقة، بل يتعلق بروسيا.

أصبحت العلاقات الصينية السوفييتية سامة منذ الخلاف بين القوتين الشيوعيتين العظميين في عام 1960. فقد غزت فيتنام، بدعم من الاتحاد السوفييتي، كمبوديا واحتلتها في عام 1978، وأطاحت بالخمير الحمر. وحسب سياسات الحرب الباردة الغريبة في ذلك الوقت، دعمت كل من الولايات المتحدة والصين الإبادة الجماعية التي ارتكبها الزعيم، بول بوت، فقط لأن عدو نظام بوت الفيتنامي كان مدعوماً من موسكو.

في الرابع فبراير، في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين، أعلن الرئيس الصيني شي جينبينغ وبوتين «صداقة بلا حدود». بعد ذلك بوقت قصير، غزت روسيا أوكرانيا. ويرى معظم المحللين أن بكين لديها فكرة ما بأن روسيا ستحاول الاستيلاء على المزيد من الأراضي الأوكرانية، لكن من شبه المؤكد أنها لم تدرك أنه سيكون هناك غزو كامل.

قلق صيني

وتشعر الصين بقلق حقيقي بشأن مصادرة روسيا سيادة أوكرانيا، على الرغم من أنها لم تقل ذلك علناً، وأطلقت بدلاً من ذلك في الأمم المتحدة إشارات إنسانية غامضة، وفرضت رقابة على المشاعر المؤيدة لأوكرانيا في وسائل التواصل الاجتماعي الصينية. لكن يبدو أن بكين لا ترى فائدة تذكر في أن تصبح وسيطاً في الصراع، حيث ترى أن العديد من شركائها في الجنوب العالمي، مثل باكستان وجنوب إفريقيا، لا يعتبرون الأزمة الأوروبية اختباراً وجودياً لهم أو للصين.

دوافع الصين الأساسية في السعي لتحقيق السلام بين روسيا وأوكرانيا واقعية، فأوكرانيا مصدر مهم، وإن لم يكن حاسماً، للحبوب بالنسبة للصين، واضطرارها إلى إيجاد موردين جدد للحبوب الرخيصة، في الوقت الراهن، بالنسبة لسكانها من الطبقة المتوسطة، يمكن أن يؤدي إلى التضخم. هناك إيجابيات للصين في التسوية التي ترى أن يظل بوتين في السلطة. يمكن أن تصبح الصين هي السوق الرئيسة الوحيدة للقمح والوقود الأحفوري في روسيا، ويمكن أن تحصل عليه بأسعار منافسة، على الرغم من أن الحلفاء التقليديين لروسيا، مثل الهند، لم يتخذوا موقفاً متشدداً ضد موسكو مثل الغرب، وربما يوفرون الأسواق أيضاً.

الشريك المفضّل

ولاتزال روسيا أيضاً الشريك المفضل للصين في إنشاء تجمعات عسكرية شبه رسمية (بدلاً من تحالفات ملزمة على غرار حلف الناتو) ضد الغرب. وقد اقترحت بكين مراراً وتكراراً ضرورة استخدام منظمة شنغهاي للتعاون للوساطة بين روسيا وأوكرانيا، وهذه المنظمة من المتوقع أن يهيمن عليها كل من الصين وروسيا، مع الهند ودول آسيا الوسطى كأعضاء.

ومع ذلك، فإن العلاقة بين روسيا والصين لا تتعلق فقط بسياسات القوة. فهناك ذاكرة تمتد إلى الوقت الراهن لعلاقة عاطفية أكثر بين الصين وروسيا، التي تمثل تقليداً طويل الأمد في الأدب والثقافة الروسية، التي شكلت الثورة الصينية الحديثة.

أحد أعظم المؤلفين المعاصرين في الصين، وهو با جين، أخذ اسمه المستعار من مقاطع من الأسماء في الأدب الروسي المترجمة للصينية للثائرين الروسيين، باكونين وكروبوتكين. وتستشهد النساء الصينيات الشابات، اللاتي يتركن عائلاتهن للمشاركة في الانتفاضة الشيوعية في الأربعينات، بقصيدة تورجينيف «عتبة» (1878). وكُتب العمل بصوت رجل يتحدث إلى شابة على وشك الانضمام إلى الحركة المناهضة للقيصرية، يقول إنها ستعاني «الاغتراب» و«الوحدة»، فردت عليه: «أعرف، ومازلت أريد الانضمام».

سحر الأيديولوجيا

كانت ذروة النفوذ الروسي في الأربعينات من القرن الماضي، عندما أثرت الأيديولوجيا السوفييتية، وإغراء التكنولوجيا السوفييتية أيضاً على الرؤى الصينية لموسكو كمستقبل، وفي الخمسينات من القرن الماضي، عندما كانت البلاد معزولة عن الولايات المتحدة. لقد كان الوضع في الصين في ذلك الوقت مختلفاً عاطفياً عن الثورة الثقافية المناهضة للأجانب، التي نشأ فيها شي، لكن كان ذلك إلى حد كبير عالم والده، الجنرال الثوري المخضرم شي تشونغ شون.

من الستينات إلى نهاية الحرب الباردة، تحول الحب إلى كراهية، حيث أدت الخلافات الأيديولوجية إلى اقتراب البلدين من الحرب على الجزر الحدودية الواقعة على نهر أوسوري في عام 1969، ما أثار حماس الصين للانفتاح على الولايات المتحدة، الذي حدث خلال أكثر من 50 عاماً.

مسار ما بعد الحرب الباردة

في العقود الأخيرة، أصبحت العلاقة أكثر دفئاً، حيث أدركت موسكو وبكين أن هذه العلاقة تمنحهما غطاءً ضد زحف الغرب. ومع ذلك، فإن مسار ما بعد الحرب الباردة لروسيا في عهد بوتين والصين في عهد شي ليس هو نفسه. لقد شهدت الصين نمو اقتصادها ونفوذها العالمي، في حين تقلصت القوة الشرائية ومتوسط العمر المتوقع لروسيا. وفي بعض المناطق، مثل آسيا الوسطى، يخفي التعاون انعدام الثقة المتبادل. وأصبح سكان سيبيريا الروس مستائين بشكل متزايد من الاستثمار الصيني في منطقتهم. وأنشأت الصين واحدة من أقوى الاقتصادات المدنية والعسكرية في العالم، ومع ذلك لاتزال النخب الروسية تتطلع إلى الغرب، حيث يعتبر الكثيرون أن الصين غنية، ولكنها «غير مثقفة».

وتشعر الصين بتفوقها قليلاً، لأن روسيا لم تبتكر تقنية مثل هواوي مطلقاً، بينما تنظر روسيا ببعض الازدراء للصين، لأنها لم تنتج رمزاً مثل دوستويفسكي قط. في ظل هذا التناقض، إلى جانب الحلقات غير المذكورة، مثل حرب 1979 بالوكالة بينهما، يكمن تاريخ مشترك من الاحترام والاستياء. ويبدو أن هذا وكأنه ينعكس على العلاقة اليوم بين شي وبوتين.

• يرى معظم المحللين أن بكين لديها فكرة ما بأن روسيا ستحاول الاستيلاء على المزيد من الأراضي الأوكرانية، لكن من شبه المؤكد أنها لم تدرك أنه سيكون هناك غزو كامل.

• يمكن أن تصبح الصين السوق الرئيسة الوحيدة للقمح والوقود الأحفوري في روسيا، ويمكن أن تحصل عليه بأسعار منافسة، على الرغم من أن الحلفاء التقليديين لروسيا مثل الهند لم يتخذوا موقفاً متشدداً ضد موسكو مثل الغرب، وربما يوفرون الأسواق أيضاً.

تويتر