عدم إدانة بكين للغزو الروسي أفزع الاتحاد الأوروبي

الحرب في أوكرانيا تُفسد العلاقة بين الصين وشركائها الأوروبيين

صورة

أراد القادة الصينيون أن يكون المزاج «تجارة كالمعتاد»، لكن القمة بين الصين والاتحاد الأوروبي، في الأول من أبريل، لم تكن طبيعية على الإطلاق. ويرجع ذلك إلى أن الغزو الروسي لأوكرانيا، وردّ فعل الصين بدم بارد تجاهه، جعل البعض يعيد التفكير في سياسات أوروبا القديمة المبنية على «التجارة أولاً» مع الصين.

وشارك قادة الاتحاد الأوروبي في القمة، التي عقدت عبر الفيديو، بتوقعات منخفضة. وكانوا يأملون على الأقل في توجيه رسالة إلى الرئيس الصيني، شي جين بينغ، مفادها أن حرب أوكرانيا هي لحظة حاسمة في العلاقات الثنائية، ولصورة الصين، إذا رفضت استخدام نفوذها لإنهاء القتال.

ترويج

بمعنى ما، خيّم ممثلا أوروبا في القمة، وهما رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشيل، ورئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، بظلالهما على شخصيتين لم تكونا حاضرتين، وهما، المستشارة الألمانية السابقة، أنغيلا ميركل، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ولا يوجد زعيم وثيق الصلة بسياسة أوروبا القديمة تجاه الصين أكثر من ميركل. وخلال 16 عاماً من عملها كمستشارة، روجت لمقاربة ملائمة، تتعامل مع الصين كمصدر لا يقدّر بثمن للفرص الاقتصادية، وشريك محتمل في قضايا مثل تغير المناخ، على الرغم من انتهاكات مخيبة للآمال في مجال حقوق الإنسان.

كان غزو بوتين لأوكرانيا في 24 من فبراير، بمثابة كارثة لمناصري هذا النهج. ولأن استخدام روسيا للقوة قد تمتع بدعم جين بينغ الضمني. وعلى الرغم من أن الصين تقول إنها محايدة، فإن موقفها الحقيقي ليس محايداً على الإطلاق. وتلقي الصين باللوم في الحرب على أميركا، لأنها تدوس على المصالح الأمنية المشروعة لروسيا، من خلال توسيع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ليشمل دولاً تابعة للاتحاد السوفييتي السابق. ويعرف الأوروبيون أن توسع الحلف كان مدفوعاً، في الواقع، بطلب من دول الكتلة الشيوعية السابقة، التي كانت تخشى العدوان الروسي (لسبب وجيه). وتشعر حكومات الاتحاد الأوروبي بالفزع لرفض الصين حثّ روسيا على وقف الحرب. وهم يرون أن عدم تصرف بكين بالسرعة والقوة اللازمتين، غير مقبول من قبل قوة عالمية تحتفظ بمقعد دائم في مجلس الأمن.

انتقام غير متوازن

استغرق الدبلوماسيون الصينيون بعض الوقت ليدركوا أن القادة الأوروبيين لن يوافقوا على قمة تقليدية تركز على التجارة. وكان العرض الأول الذي قدمته الصين هو لقاء عبر الإنترنت مع رئيس وزرائها، لي كيه تشيانغ، وهو تكنوقراط يمتلك حقيبة اقتصادية بشكل أساسي. وتضمنت الأجندة المفضلة للصين توقيع مذكرات ومحادثات بشأن، إحياء «الاتفاقية الشاملة للاستثمار»، وهي اتفاقية تجارية مدعومة بشدة من ميركل. وتم تجميد هذه الصفقة منذ أن فرضت الصين عقوبات شاملة على أعضاء البرلمان الأوروبي، والدبلوماسيين الأوروبيين، في عام 2021. وكان انتقاماً غير متوازن ضد عقوبات الاتحاد الأوروبي المفروضة على ثلاثة مسؤولين صينيين ومسؤول سابق متهم بانتهاكات حقوقية في إقليم شينغيانغ في الشمال الغربي. وقد أبلغت حكومات عدة الصين أنه لا يمكن العودة إلى العمل بالاتفاقية، حتى يتم رفع العقوبات ومعالجة المخاوف بشأن العمل الجبري في شينغيانغ، وغيرها من الانتهاكات.

وتضمنت إحدى الأفكار المبكرة، ما قبل القمة، حوار رفيع المستوى طال انتظاره حول حقوق الإنسان. ويقول دبلوماسيون إن الثمن الذي دفعته الصين لاستئناف تلك الحوارات باهظاً. وطالبت بكين الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء بالتوقف عن دعم البيانات حول انتهاكات الحقوق الصينية، في المنتديات العالمية، مثل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة؛ وتم رفض ذلك. وبدلاً من ذلك، كان من المقرر أن يثير ميشيل وفون دير لايين، مسألة حقوق الإنسان في القمة، وأن يتطرقا إلى موضوعات شائكة مثل حكم الصين بقبضة حديدية لإقليم شينغيانغ، والتبت، وهونغ كونغ. كما كان من المتوقع أن يثير الثنائي التهديدات الصينية تجاه جزيرة تايوان.

تبدّد الأمل

كما تبدد أمل الصين في الاحتفال عند نهاية القمة بموجة من التوقيعات على الصفقات، بما في ذلك إحراز تقدم في مختلف القواعد الجمركية والتجارية. وهذا لا يمكن أن يحدث طالما أن دولة عضواً في الاتحاد الأوروبي، وهي ليتوانيا، تتعرض لمقاطعة تجارية صينية كعقاب على إقامة علاقات شبه رسمية مع تايوان. وفي الواقع، كان من المتوقع أن يعرب ميشيل وفون دير لايين عن فزع الاتحاد من ميل الصين إلى «الإكراه الاقتصادي».

لكن أولاً وقبل كل شيء، كان يُنظر إلى القمة على أنها فرصة لإيصال رسائل بشأن أوكرانيا، وضمان التواصل مع الزعيم الصيني، الذي يعتبر صانع القرار النهائي في مسائل السياسة الخارجية. وكانت مفاوضات ما قبل القمة متوترة، إذ أوضح الأوروبيون أن جين بينغ سيستمع إلى تحذير: أن الصين ستواجه كلفة جسيمة إذا ساعدت الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في التحايل على العقوبات الغربية على روسيا، أو قدمت له مساعدات عسكرية. وأصدر المسؤولون الصينيون تعليمات استباقية للأوروبيين، بعدم تهديد زعيمهم.

علاقة انتهازية

أوروبا ليست معتادة على الحديث عن الحرب والسلام مع الصين. وفي ذلك يقول دبلوماسي أوروبي في بكين: «علاقاتنا مبنية على التجارة والاقتصاد، ما يجعلنا انتهازيين للغاية». ويمكن القول إن الصين تقدم خدمة لأوروبا من خلال شرح كيف تتوقع أن يكون الغرب خاسراً من الصراع في أوكرانيا. ويتفاخر المسؤولون الصينيون، أمام السفراء في بكين، بأنهم يرون أن الاتحاد الأوروبي ينقسم بين الأعضاء القدامى والجدد. ويتوقع هؤلاء المسؤولون، أيضاً، بأن الوحدة عبر الأطلسي بين أوروبا وأميركا ستنهار، وأن العقوبات ستفشل في كسر إرادة روسيا، ليس أقلها احتجاج الناخبين الأوروبيين على ارتفاع أسعار الطاقة، وتدفق اللاجئين من أوكرانيا.

إن ابتهاج الصينيين بشأن الانقسام الغربي مفيد؛ وإثبات ذلك بأنه غير صحيح هو نقطة انطلاق جيدة لاستراتيجية الاتحاد الأوروبي تجاه الصين. وكما يقول دبلوماسي ثانٍ: «تراقب الصين سياستنا تجاه روسيا عن كثب: ما مدى الألم الذي نرغب في تحمله. وتظهر أوروبا أنها متحدة ومستعدة لدفع الثمن». ويضيف أن المخاطر كبيرة، إذ يتطلب ردع هجوم صيني محتمل على تايوان، إثبات أن الغرب قادر على الوحدة ولديه العزم.

إلى ذلك، هناك أصوات أخرى تحث على الهدوء، باعتبار أن الصين بحاجة إلى أوروبا، كسوق ومصدر للتكنولوجيا والاستثمارات، خصوصاً عندما تكون علاقات الصين مع أميركا في وضع سيئ. وبعض أكبر الشركات في أوروبا لديها مصالح مربحة في الصين، ليست على وشك التخلي عنها. ووفقاً للدبلوماسيين، لا يوجد مؤشر إلى تحايل الصين على العقوبات المفروضة على روسيا. ولكن بوتين يحاول إعادة رسم حدود أوروبا بالقوة، ولن يدينه الرئيس جين بينغ. وهذا تحدٍّ مباشر لمبادئ تأسيس الاتحاد الأوروبي. ولا يمكن أن يكون العمل مع الصين كالمعتاد. وأظهر بوتين لأوروبا أنها بحاجة إلى سياسة جديدة تجاه الصين.

• تشعر حكومات الاتحاد الأوروبي بالفزع لرفض الصين حثّ روسيا على وقف الحرب. وهم يرون أن عدم تصرف بكين بالسرعة والقوة اللازمتين، غير مقبول من قبل قوة عالمية تحتفظ بمقعد دائم في مجلس الأمن.

• يتوقّع مسؤولون صينيون أن الوحدة عبر الأطلسي، بين أوروبا وأميركا، ستنهار، وأن العقوبات ستفشل في كسر إرادة روسيا، ليس أقلّها احتجاج الناخبين الأوروبيين على ارتفاع أسعار الطاقة، وتدفق اللاجئين من أوكرانيا.

• خلال 16 عاماً من عملها كمستشارة، روّجت ميركل لمقاربة ملائمة، تتعامل مع الصين كمصدر لا يقدّر بثمن للفرص الاقتصادية، وشريك محتمل في قضايا مثل تغيّر المناخ، على الرغم من انتهاكات مخيّبة للآمال في مجال حقوق الإنسان.

• عن «الإيكونومست»

تويتر