ريتشارد هاس: صمود قيادة كييف ومجتمعها وقواتها المسلحة معجزة

الفائزون والخاسرون في حرب بوتين ضد أوكرانيا

صورة

مر أكثر شهر على حرب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ضد أوكرانيا، ويرى الدبلوماسي المخضرم ورئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، ريتشارد هاس، أن هناك في حقيقة الأمر حربين، حرب روسية تُشن أساساً ضد المدن الأوكرانية والمدنيين الأوكرانيين، وحرب تخوضها القوات المسلحة الأوكرانية ضد القوات الروسية. وتحقق روسيا فوزاً في الحرب الأولى، وتحقق أوكرانيا فوزاً في الحرب الثانية.

الوضع المثالي

ويضيف هاس، في مقال نشره موقع مجلس العلاقات الخارجية، أن الوضع المثالي هو أن تؤدي المفاوضات إلى وقف لإطلاق النار، وتسوية دائمة، ولكن المتوقع بالمثل، إن لم يكن من الأرجح، هو استمرار الصراع لبعض الوقت، خصوصاً إذا قرر بوتين اتباع استراتيجية تقلص مشاركة قواته في القتال، وترفض قبول نهاية عن طريق التفاوض، وفق شروط يمكن أن تقبلها الحكومة الأوكرانية.

الخاسر الأكبر

وقال هاس إن من الأسهل تحديد الخاسر الأكبر، إنها روسيا. فمن الواضح الآن أن بوتين لن يكون قادراً على تحقيق الأهداف السياسية التي يحتمل أنه يسعى إليها، وهي دخول كييف، وتغيير حكومة الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، وتنصيب حكومة صديقة للكرمين بدلاً منها. وربما تكون الحرب التي اختارها بوتين قد دمرت جزءاً كبيراً منها مادياً، ولكن العقوبات التي لم يسبق لها مثيل، والعزلة الاقتصادية التي تسبب فيها، تدمر روسيا اقتصادياً.

وإضافة لذلك، غادر كثير من الموهوبين الروس البلاد، كما أن الجيش الروسي تعرض لخسائر جسيمة، وسيحتاج إلى سنوات لتعويض خسائره. في المقابل، يعتبر صمود قيادة أوكرانيا، ومجتمعها، وقواتها المسلحة، معجزة. فالهوية الوطنية أقوى من أي وقت مضى، وعززت مقاومة أوكرانيا القوية ديمقراطيتها الشابة.

ولكن ذلك التعزيز كان ثمنه باهظاً، إذ إن نحو 10 ملايين أوكراني - أي ربع عدد السكان - أصبحوا نازحين داخلياً أو لاجئين.

«الناتو» فائز

ويقول هاس إن حلف شمال الأطلسي (الناتو)، رغم أنه لم يتم اختباره عسكرياً، يعتبر فائزاً كبيراً حتى الآن، فهو أكثر قوة واتحاداً نتيجة العدوان الروسي، كما أنه يستفيد من الأداء الضعيف للقوات المسلحة الروسية، التي يبدو أنها لا تضاهي التحالف الغربي.

كما أن ألمانيا وحكومتها الجديدة ومستشارها فائز كبير آخر حتى الآن، وتحمل ردود فعل حكومة المستشار، أولاف شولتس، في طياتها إدراكاً بأن ما خلّفته المستشارة السابقة، انغيلا ميركل، يعتبر الآن أمراً مختلطاً بشكل واضح، لأنها سمحت بأن تصبح ألمانيا معتمدة للغاية على الطاقة الروسية. فقرار شولتس بإلغاء خط أنابيب «نورد ستريم 2»، والالتزام بمضاعفة الإنفاق، والاستعداد لتقديم أسلحة لأوكرانيا، تمثل تغيرات جذرية مهمة، والأمر الوحيد المخيب للآمال هو أن اقتصاد ألمانيا سيحتاج إلى سنوات لتخليص نفسه من الغاز الروسي.

وحقق الرئيس الأميركي، جو بايدن، مكسباً أيضاً، فقد أدار بمهارة كبيرة سياسة دعم أوكرانيا، ومعاقبة روسيا، وبرفضه المطالبة بإرسال قوات على الأرض، أو إقامة منطقة حظر جوي، حال دون المخاطرة باندلاع حرب عالمية ثالثة.

وجمع بايدن حلفاء أميركا معاً، وهو أمر مطلوب بشدة، بعد أربع سنوات من حكم ترامب، وانسحاب أميركي خاطئ من أفغانستان. وكانت زلته الوحيدة الكبرى وصف بوتين بأنه «مجرم حرب»، والتلميح بتغيير النظام في روسيا، بينما كان ينبغي أن يكون هدف السياسة الأميركية العمل على دفع بوتين لوقف الحرب، وتجنب أي نوع من التصعيد.

الصين في موقف سيئ

ويضيف هاس أن الصين ورئيسها، شي جي بينغ، في موقف أسوأ استراتيجياً مما كان عليه قبل شهر مضى، فمن خلال الارتباط عن قرب للغاية مع بوتين، عرّض شي نفسه للانتقاد بسبب قراره الخاطئ، الذي يضر بسمعة الصين، ويزيد من المخاطر التي ستتعرض لها نتيجة العقوبات الثانوية.

ورغم أن الصين سعت طويلاً لتقسيم الغرب، فإن اصطفافها مع روسيا حقق العكس، إذ أغضب أوروبا الغربية، التي تحقق فيها الصين نجاحات اقتصادية مهمة. كما سيؤدي إلى سياسة أميركية أكثر تشدداً تجاه الصين، ويبرز الخسائر التي يمكن أن تواجهها الصين، إذا ما قررت في أي وقت من الأوقات التحرك عسكرياً ضد تايوان.

إضافة إلى ذلك، هناك خاسرون أكثر كثيراً من الفائزين، كما هو الحال مع أي حرب. فالأمم المتحدة ومجلس الأمن يبدوان ضعيفين، فالحرب أمر سيئ بالنسبة للجهود العالمية لإبطاء انتشار الأسلحة النووية. فأوكرانيا تخلت عن مخزونها قبل 28 عاماً مقابل ضمان سلامة أراضيها، وكانت النتيجة هي غزوها مرتين منذ عام 2014. كما أن الأزمة تعتبر بالمثل سيئة بالنسبة لجهود مكافحة تغير المناخ، التي يبدو على الأقل مؤقتاً قد تضاءلت، وركزت على اتخاذ إجراءات تهدف إلى تعزيز أمن الطاقة.

كما أنها أزمة سيئة بالنسبة لمن يقولون إن غزو الأراضي والحروب بين الدول، أصبحت شيئاً من الماضي، أو أولئك الذين قالوا في السنوات الأخيرة إن الأمور لم تكن أفضل مما هي عليه الآن مطلقاً.

النظام العالمي

وفي ختام مقاله، يقول هاس إن هناك أمراً مهماً يتعلق بما ستعنيه الحرب بالنسبة للنظام العالمي. فقد انتهك الغزو الروسي أهم أساس للاستقرار الذي يشهده العالم، وهو عدم تغيير الحدود من خلال التهديد باستخدام القوة. وسيعتمد الكثير على ما سيجنيه بوتين من مغامرته، أو ما إذا كان الثمن الذي سيضطر لدفعه يفوق أي مكاسب، وهذا أكثر من أي شيء آخر سيحدد الحكم النهائي للتاريخ في ما يتعلق بما تم الفوز به وما تم خسارته في حرب بوتين.

• غادر كثير من الموهوبين الروس البلاد، كما أن الجيش الروسي تعرّض لخسائر جسيمة، وسيحتاج إلى سنوات لتعويض خسائره.

• بوتين لن يكون قادراً على تحقيق الأهداف السياسية التي يحتمل أنه يسعى لها، وهي دخول كييف، وتغيير حكومة الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، وتنصيب حكومة صديقة للكرمين بدلاً منها.

• رغم أن الصين سعت طويلاً لتقسيم الغرب، فإن اصطفافها مع روسيا حقق العكس، إذ أغضب أوروبا الغربية، التي تحقق فيها الصين نجاحات اقتصادية مهمة. كما سيؤدي إلى سياسة أميركية أكثر تشدداً تجاه الصين، ويبرز الخسائر التي يمكن أن تواجهها الصين، إذا ما قررت في أي وقت من الأوقات التحرك عسكرياً ضد تايوان.

• حلف شمال الأطلسي (الناتو)، رغم أنه لم يتم اختباره عسكرياً، يعتبر فائزاً كبيراً حتى الآن، فهو أكثر قوة واتحاداً نتيجة العدوان الروسي، كما أنه يستفيد من الأداء الضعيف للقوات المسلحة الروسية، التي يبدو أنها لا تضاهي التحالف الغربي.

• تحمل ردود فعل حكومة المستشار، أولاف شولتس، في طياتها إدراكاً بأن ما خلّفته المستشارة السابقة انغيلا ميركل يعتبر الآن أمراً مختلطاً بشكل واضح، لأنها سمحت بأن تصبح ألمانيا معتمدة للغاية على الطاقة الروسية.

تويتر