رغم غطرسته وقلة شعبيته

توقعات بإعادة انتخاب ماكرون لفترة حكم ثانية

صورة

بينما كان يرتشف القهوة في مقهى «بار دوسبورت» في بلدة «تونر» المتواضعة في مدينة «برغندي» بوسط فرنسا، كان ضابط الشرطة الفرنسي المتقاعد دينيس ديفير ينظر أمامه إلى الحملة الانتخابية الرئاسية الفرنسية من دون حماس يذكر، وقال «من الواضح أن الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون سيفوز بهذا المنصب مرة ثانية» وأضاف ديفير البالغ عمره 75عاماً «أنا لا أحبه فهو شخص متغطرس للغاية. ولكن ليس هناك أي شخص آخر يمكنه القيام بهذا العمل».

ومع تحديد موعد الجولة الانتخابية الأولى في 10 أبريل المقبل، يبدو أن كلمات ديفير لامست مزاج الناخبين الذين يبدو أنهم مستعدون لمنح ماكرون، (44 عاماً)، فترة ثانية للحكم، بعد إلقاء نظرة على من يتحدونه، وقرروا أنه ليس هناك شخص آخر يمكن الوثوق به لقيادة الدولة في وقت الأزمات.

استطلاعات الرأي

وأشار استطلاع الرأي إلى أن ماكرون حقق 27% من الأصوات، في حين أن اليمينية مارين لوبان، (53 عاماً)، حصلت على 20% من الأصوات، واليساري المتشدد جان-لوك ميلينشون، (70 عاماً) 14%، والمرشح المعادي للمسلمين إيريك زيمور، (63 عاماً)، 10%. وأما المنافس عن يمين الوسط فقد كان متأخراً للغاية عن هؤلاء المتنافسين. وقال ديفير بعد أن أنهى المعاملات الورقية لرفع راتبه التقاعدي «هل يمكنكم تخيل أحد هؤلاء الأشخاص في منصب الرئاسة؟ إنهم لا يعرفون كيف يتصرفون».

ومن الناحية النظرية، فإن بلدة «تونر» تعتبر أرضاً خصبة لخصوم ماكرون. فهي تقع في وادٍ وسط كروم العنب الرائعة التي تنتج خمور «برغندي» الشهيرة، ولكن البلدة بحد ذاتها متجهة نحو التدهور.

وثمة مصنع كان يعمل به 1300 شخص في مجال تسجيلات الفيديو تم إغلاقه في عام 2002، بعد أن فشل مديرو المصنع في التعامل مع التطور والطرق الجديدة والأفضل في مشاهدة الأفلام في المنزل. وثمة منشأة لصناعة الألبان، يتم فيها صناعة أحد أنواع الجبن الفاخر، تم إغلاقها بعد سبع سنوات على إغلاق مصنع تسجيلات الفيديو، حيث خسر 145 شخصاً عملهم.

انتعاش اقتصادي

وعلى الرغم من أن معظم فرنسا تمتعت بانتعاش اقتصادي خلال رئاسة ماكرون، حيث انخفض معدل البطالة إلى 7.4% وهو أقل معدل منذ 17 عاماً، فإن «تونر» تمثل نموذج البلدات الريفية التي اعتبرت منسية. وانخفض عدد سكان البلدة خلال العقدين الماضيين من 6000 إلى 4600 شخص، كما أن 26% من سكان البلدة يعيشون تحت خط الفقر، و24% منهم لا يملكون وظائف.

وعلى الرغم من أن وسط البلدة كان مزدهراً سابقاً، إلا أن 40% من متاجره أصبحت الآن فارغة، وتقدم واجهاتها الرمادية اللون والقذرة مشهداً مثيراً للإحباط لهذه البلدة التي من الناحية النظرية يفترض أن تقدم مشهداً جذاباً على ضفاف قناة برغندي.

وحاول ماكرون معالجة هذه القضية عن طريق مبادرات عدة مثل «بلدات الغد الصغيرة» وهو عبارة عن برنامج لاستثمار ثلاثة مليارات يورو، في أماكن مثل «تونر»، ولكن محافظ البلدة، سيدريك كليش، يقول إنه من الناحية العملية تتطلب هذه المبادرات قيام الحكومة بدفع 75% من الراتب، لاثنين من موظفي مجلس البلدة، اللذين على الأرجح لن يستطيعا إنعاش بلدتهما.

السترات الصفراء

وعندما اندلعت الاحتجاجات ضد رئاسة ماكرون عام 2018، سارع السكان المحليون في بلدات عدة، إلى ارتداء السترات الصفراء، وهو ما أصبح رمزاً لما اعتبره منتقدو ماكرون لتوسيع الفجوة بين الأثرياء الباريسيين، والمناطق الريفية المثقلة بعبء الضرائب والرواتب المنخفضة. وعلى الرغم من أن الاحتجاجات ضد ماكرون انتهت، إلا أن السخط والغضب منه لم ينته بعد.

وقال برونو، (60 عاماً)، الذي يعمل نادلاً ورفض إعطاء اسمه الكامل «السياسيون الباريسيون هم الذين يقضون على المتاجر والأعمال الصغيرة، نتيجة الضرائب التي يفرضونها على الناس» وسرد برونو عدداً كبيراً من المظالم التي يشعر بها، والتي تضمنت أسعار السجائر، والتي بلغت «10 يورو للعلبة الواحدة» وهو ما اعتبره «سرقة علنية» وتدفُّق الأشخاص القادمين من بلغاريا بعد أن أصبحت دولتهم عضواً في الاتحاد الأوروبي عام 2007.

لست عنصرياً

وقال برونو «كان البريطانيون على حق عندما خرجوا من الاتحاد الأوروبي» وخداع الضمان الاجتماعي الذي يخصص للاجئين الأفارقة. وأضاف برونو «أنا لست عنصرياً، ولكن جميع الأفارقة يحصلون على رواتب من الضمان الاجتماعي، ولأطفالهم الذين ربما لا يكونون موجودين أصلاً، في حين أن أشخاصاً هنا يصارعون لكسب قوت يومهم بالعمل. وبعد دفع فواتير الوقود والكهرباء، والغاز والضرائب، سيكون من الأفضل بالنسبة لك البقاء في المنزل والعيش على الإعانات. وهذه هي المشكلة التي تعاني منها فرنسا. وأنا متأكد بأنها غير موجودة في بريطانيا».

وتتفق وجهات نظره مع ما يقوله المرشح زيمور المبتدئ السياسي الذي يحاول تحقيق ما حاول الرئيس دونالد ترامب القيام به في الولايات المتحدة. ولكن لا برونو ولا ديفير الذي يتفق مع معظم ما قاله برونو، من المرجح أن يصوتا لزيمور. وقال ديفير الذي أوضح أنه ربما لن يصوت لأحد «إنه يتحدث بصورة منطقية، لكنني غير مقتنع به في منصب الرئيس» وكان يقصد زيمور.

وتكمن الصعوبة التي تواجه منافسي ماكرون، في أن العديد من الناخبين المعارضين له يميلون إلى رفض ممثلي الديمقراطية بصورة شاملة. وهم يقولون بأن تغيير الرئيس لن يغير الكثير في حياتهم، أو في الدولة بصورة شاملة. وكشف استطلاع حديث، على سبيل المثال، أن 39% من السكان يفضلون وجود رئيس غير منتخب وقوي في السلطة.

نظرية المؤامرة

ولنأخذ على سبيل المثال العامل في كروم برغندي، باسكال روسيليت، (52 عاماً)، الذي يؤيد ضمنياً نظرية المؤامرة التي يمكن سماعها كثيراً، والتي تفيد بأن ماكرون كان دمية في أيدي نخبة الظل. وقال روسيليت «الانتخابات مجرد خدعة. وأنا لا أدري من أين جاء ماكرون، وما الذي يريده، ولمصلحة من يعمل. وكل ما أعرفه أنه لا يحب الشعب الفرنسي». وأضاف أنه سيصوت لذلك الرجل الصغير الذي يضع نظارات على عينيه، وأنا لا أتذكر اسمه (يقصد زيمور) ولكن ليس لأني أحبه، بل لأعارض ماكرون.

وقال روسيليت الذي كان يحاول الحصول على معدات للعمل في كرومه، من أحد المتاجر في «تونر»، إن أمنيته الحقيقية هي العودة إلى النظام الملكي الذي حكم فرنسا حتى تاريخ الثورة الفرنسية عام 1789، ورفض شكل الحكم الملكي الدستوري، كما هو الحال في المملكة المتحدة قائلاً «لا نحن بحاجة لحاكم مطلق مثل الأنظمة القديمة».

• تكمن الصعوبة التي تواجه منافسي ماكرون، في أن العديد من الناخبين المعارضين له يميلون إلى رفض ممثلي الديمقراطية بصورة شاملة. وهم يقولون إن تغيير الرئيس لن يغير الكثير في حياتهم، أو في الدولة بصورة شاملة. وكشف استطلاع حديث، أن 39% من السكان يفضلون وجود رئيس غير منتخب وقوي في السلطة.

• عندما اندلعت الاحتجاجات ضد رئاسة ماكرون عام 2018، سارع السكان المحليون في بلدات عدة إلى ارتداء السترات الصفراء، وهو ما أصبح رمزاً لما اعتبره منتقدو ماكرون لتوسيع الفجوة بين الأثرياء الباريسيين، والمناطق الريفية المثقلة بعبء الضرائب والرواتب المنخفضة.

• على الرغم من أن معظم فرنسا تمتعت بانتعاش اقتصادي خلال رئاسة ماكرون، حيث انخفض معدل البطالة إلى 7.4% وهو أقل معدل منذ 17عاماً، فإن «تونر» تمثل نموذج البلدات الريفية التي اعتبرت منسية. وانخفض عدد سكان البلدة خلال العقدين الماضيين من 6000 إلى 4600 شخص.

آدم سيج ■ مراسل صحيفة «ذي تايمز» في باريس

تويتر