تغيّر حال المدينة مع تزايد أعداد المسلمين فيها

«روبيه» الفرنسية تثير الجدل بسبب المحجبات والمحال الحلال

صورة

سلطت وسائل الإعلام الفرنسية الضوء، أخيراً، على مدينة «روبيه»، شمال البلاد، وقالت إن المدينة الصغيرة باتت ملتقى للمتشددين. وقال أحد المعلقين إن «أفغانستان تبعد ساعتين فقط عن باريس»، بعد بث فيلم وثائقي تلفزيوني صوّر المدينة وعمدتها اليميني على أنهما تحت السيطرة المتزايدة للراديكالية.

وقال تييري لوفيفر، 58 عاماً، وهو تاجر نبيذ: «لماذا تضرب بلدة عندما تكون أصلاً على الأرض؟». وأوضح التاجر الفرنسي أنه عاش وعمل في المدينة، الواقعة بالقرب من مدينة ليل، طوال حياته، مضيفاً «عندما أرى ذلك، فإنه يجعل دمي يفور». ويقع متجره في وسط «لانوي»، وهو شارع ركز عليه التقرير التلفزيوني المثير للجدل.

في المكان ذاته، صور صحافيون من برنامج «منطقة محرمة» الوثائقي، الذي تم بثه على القناة الخاصة «أم 6»، سراً، داخل متجر يبيع دمى مجهولة الهوية، لمسلمين «يعتقدون أن ملامح الوجه على الألعاب معادية للإسلام». وعرض متجر آخر كتاباً يتضمن إشارة للمسلمين المتزوجين حديثاً، بأن طاعة النساء لأزواجهن واجبة. ويبيع تاجر آخر كتاب فتاوى للنساء، يتطرق إلى عقوبة الرجم.

وظهرت في الفيلم الوثائقي مجموعات من المحجبات، أصر الفيلم على القول إن مشهدهن كان نادراً قبل خمس سنوات، أمام سلسلة من الجزارين ومحال الكباب الذين يبيعون اللحم الحلال. وسلط الفيلم الضوء على جمعية منحها المجلس المحلي نحو 65 ألف يورو، للمساعدة في تعليم التلاميذ الفقراء، لكن قيل لاحقاً إنها استخدمت لدفع تكاليف «التعليم الإسلامي» بدلاً من ذلك. وبموجب القانون العلماني الفرنسي، يُحظر على الهيئات العامة دعم الجمعيات الخيرية الدينية. كما يضم الشارع، في مدينة «روبيه»، مطعماً به مقصورات لتناول الطعام يمكن للنساء الجلوس فيها دون أن يراهن الرجال، حفاظاً على الخصوصية.

وأصر أمين الباهي، 26 عاماً، وهو محامٍ مسلم في «روبيه»، والذي ظهر في البرنامج، على أن شارع «لانوي» لخص الانزلاق المحفوف بالمخاطر نحو الأصولية؛ قائلاً: «منذ خمس سنوات، اختلط الناس. وهذا التغيير، وهذا التحول في المجتمع وشيك»، متابعاً «بعبارة أخرى، إذا لم نفعل شيئاً، فسيضيع هذا التناغم».

ومنذ بث التقرير، تلقى المحامي والمذيعة، أوفيلي مونييه، تهديدات عدة بالقتل، ويخضعان حالياً لحماية الشرطة.

ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، بأكثر من شهرين بقليل، وظهور القضايا المتفجرة للمسلمين والهجرة على رأس جدول الأعمال، استغل المرشحون هذا الجدل. ويزعم المرشح اليميني المتشدد، إيريك زيمور، أن فرنسا في خضم «استبدال كبير» لسكانها الأصليين. بينما أظهر الفيلم الوثائقي أن أجزاء من البلاد أصبحت «شمولية» مثل أفغانستان، التي تسيطر عليها «طالبان».

أيام أفضل

وفي هذا السياق، قال لوفيفر: «مضحك كيف نسوا (في التقرير) ذكر قبو نبيذ يقدم المشروبات الكحولية ولحم الخنزير»، ويدير المواطن الفرنسي قبو النبيذ الذي افتتح في عام 1986، وتابع «لكن هذا كان سيغير النظرة».

ولا أحد ينكر أن الشارع قد شهد أياماً أفضل. وذات مرة كانت شوارع «روبيه» الأكثر ازدحاماً وتعج بالمتسوقين، إلا أن هذا الازدهار تراجع مع تراجع الثروات الذي ضرب المدينة. ومنذ أن كانت من بين أغنى مدن فرنسا، في مطلع القرن الماضي، بفضل إمبراطورية المنسوجات المزدهرة؛ تعثرت «روبيه»، في السبعينات، وصنفت رسمياً بـ«أفقر مدينة في فرنسا»، في مسح عام 2014.

ويعيش نحو 44% من السكان تحت خط الفقر، وما لا يزيد على 20% يذهبون للتصويت في الانتخابات. ولكن ظهرت، أيضاً، مجموعة كبيرة من الشركات، بما في ذلك «أو في إتش»، وهي شركة عالمية للبنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات، والتي حولت مصانع المنسوجات السابقة في المدينة إلى مراكز بيانات. ولطالما كانت «روبيه» مدينة جامعة للثقافات، انصهرت فيها موجات من المهاجرين البولنديين والبرتغاليين والإيطاليين، قبل موجة من العمال من شمال إفريقيا. واليوم، يُعتقد أن نحو 40% من السكان مسلمون. وقد أدى ذلك إلى إنشاء مساجد ومطاعم ومتاجر لتلبية احتياجات السكان المتزايدين.

ومن بين هذه المتاجر محل تم التركيز عليه في الفيلم الوثائقي. وقام مالك المحل سمير مزين (32 عاماً)، بتشغيل رسالة صوتية، أمام مراسل التلغراف، لتهديد تلقاه للتو على هاتفه. وتقول الرسالة «مساء الخير، أنا فرنسي عادي. نحن قادمون. سنأخذك بعيداً. لن ندعك تفسدنا. طاب مساؤك»، وتتابع الرسالة «أعتقد أن رقمي سيظهر على هاتفك، لكنني لست قلقاً حيال ذلك». وقال مزين: «أغلقت متجري لبضعة أيام، لأنني خائف بصراحة».

وأضاف «لا ينبغي تهديد أي شخص؛ لا الصحافيين ولا المحامين ولا أصحاب المتاجر، فالعنف لا يحل شيئاً» يقول الشاب الفرنسي، «أنا أحب الضحك والنكت، ولكن الآن يتم تصويري على أنني متطرف خطير. أنا أحترم القوانين الفرنسية ولا أؤمن بفرض الشريعة. والمشكلات الرئيسة هنا هي تجمع القمامة، وتجار المخدرات، وأزمة مواقف السيارات، وليس التطرف!».

من جهته، قال باسكال دلماس، 40 عاماً، الذي يدير متجراً للتحف مع زوجته الصينية، شاوبينغ، البالغة من العمر 32 عاماً، إنه يمكنه أن يشهد لمصلحة أصحاب المتاجر الذين تم التركيز عليهم في الفيلم، واصفاً إياهم بالأصدقاء، الذين كانوا أعضاء نشطين في مجموعته للترويج لبضائعه في الولايات المتحدة. وأضاف دلماس «لم أرَ أي دليل على التطرف هنا»، متابعاً «لكن لدينا العديد من المشكلات الأخرى».

المرض الحقيقي

وعلى بعد أمتار قليلة من الشارع، يدير دومينيك هوت، نادي الرماية المحلي، والعديد من أعضائه الـ400 هم من ضباط الشرطة المحليين. وقال هوت: «المرض الحقيقي هنا هو تجارة المخدرات والفقر»، متابعاً «هذه ليست أفغانستان أو مولينبيك (الحي البلجيكي)، والأمر يتعلق أكثر بالشباب الذين ربما لا يشعرون بأنهم في مكانهم: مسلمون دون أن يكونوا مسلمين، وفرنسيون دون أن يكونوا فرنسيين، وكراهية شديدة للشرطة».

وأحد رجال الشرطة المحليين خارج الخدمة، اشتكى من أن رجاله اعتقلوا شباناً محليين متورطين بالمخدرات ليتم الإفراج عنهم لاحقاً، دون ملاحقة قضائية. ولم يجزم ضابط الشرطة بأن هناك رابطاً بين التطرف الديني والانحراف. وقال: «كل شيء في هذا التقرير صحيح»، متابعاً «التدين موجود هنا، ولكن ليس فقط في (روبيه)، فالأمر نفسه ينطبق على جنوب مدينة ليل، وضواحي باريس، والعديد من المدن الكبرى».

وقال الشرطي، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، إنه مؤيد لليميني المتطرف إيريك زيمور، الذي من المقرر أن ينظم مسيرة حاشدة في ليل المجاورة، في الأيام المقبلة. ورفض دلماس مثل هذا الكلام ووصفه بأنه هراء وغير صحي، قائلاً: «نحن نعيش بشكل جيد للغاية معاً في (روبيه)، وهناك قدر هائل من التنوع – نحو 100 جنسية - والعديد من الكنائس، والمعابد، والمساجد، والأمور على ما يرام». واستدرك قائلاً: «لكن بعض الناس لا يحبون حقيقة أن الفرنسيين البيض، وأولئك المنحدرين من شمال إفريقيا، وغيرهم، يعيشون بسعادة جنباً إلى جنب. إنهم يفضلون الانغماس في الماضي بدلاً من التطلع إلى المستقبل».

• تعثرت «روبيه» في السبعينات، بسبب ظهور المصانع البحرية الأرخص ثمناً، وتوجت رسمياً بلقب «أفقر مدينة في فرنسا»، في مسح عام 2014.

• %40 من سكان «روبيه»، حالياً، مسلمون، ما أدى إلى إنشاء مساجد ومطاعم ومتاجر لتلبية احتياجات السكان المتزايدين.

• يزعم المرشح اليميني، إيريك زيمور، أن فرنسا في خضم «استبدال كبير» لسكانها الأصليين. بينما أظهر الفيلم الوثائقي أن أجزاء من البلاد أصبحت «شمولية» مثل أفغانستان.

• لطالما كانت «روبيه» مدينة جامعة للثقافات، انصهرت فيها موجات من المهاجرين البولنديين والبرتغاليين والإيطاليين، قبل موجة من العمال من شمال إفريقيا.

تويتر