بالنظر إلى التظاهرات والاحتجاجات

التدخل الروسي في كازاخستان لن يخلو من مشكلات

صورة

في مقالة لمجلة فورين بوليسي، وضعتُ إطاراً حول عملية اتخاذ القرار من أجل تدخلات الجيش الروسي في دول ما بعد الاتحاد السوفييتي. وضمن ذلك الإطار، حددت خمسة متغيرات يجب أن توجد أمام موسكو كي تقرر إرسال قواتها العسكرية، وهي: الدافع المحدد، ودعم من عناصر محلية في منطقة التدخل، وردود فعل معارضة عسكرية متوقعة، والجدوى الفنية من التدخل، والتكاليف السياسية والاقتصادية المتوقعة للتدخل، كالعقوبات مثلاً. وباستخدام هذا الإطار، توقعت أن قيام روسيا بغزو شامل أوكرانيا من غير المرجح وقوعه في المستقبل المتوسط، على الرغم من حشد القوات العسكرية، والخطاب العدائي الذي يطلقه القادة الروس.

التدخل في دول صديقة

ولكني لاحظت أيضاً أن ثمة احتمال حشد القوات الروسية ونشرها في مناطق أخرى، خصوصاً في «دول صديقة لموسكو»، وفي هذا الأسبوع، حدث تدخلت في كازاخستان، التي ترتبط مع روسيا بـ«منظمة الأمن الجماعي»، حيث نشرت قواتها هناك لقمع حالة الاضطرابات التي بدأت نتيجة ارتفاع أسعار الوقود في الثاني من يناير الجاري، وانتشرت سريعاً، وتحولت إلى أعمال عنف في شتى أنحاء الدولة. وفي الوقت الذي تستمر فيه الاضطرابات، ويبدو مسار الأمور الأمنية والسياسية غير واضح إلى حين كتابة هذه السطور، فإن توقيت وأسلوب التدخل الروسي في هذه الدولة يقدم فكرة عن حسابات موسكو الاستراتيجية، وأدلة على ما يمكن توقعه في المنطقة الأوسع. دول معاهدة الأمن الجماعي

ويعتبر التدخل الروسي في كازاخستان فريداً، مقارنة بعمليات موسكو العسكرية السابقة في دول الاتحاد السوفييتي السابق، كما كان الحال في جورجيا عام 2008، وأوكرانيا عام 2014. وإحدى السمات الفريدة هي مشاركة دول منظمة الأمن الجماعي، وهي عبارة عن حلف يتألف من روسيا وأقوى حلفائها الأمنيين من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، بما فيها أرمينيا، وبيلاروسيا، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان. وبخلاف العمليات الروسية في جورجيا وأوكرانيا، فإن نشر جنود دول منظمة الأمن الجماعي (معظمها تأتي من روسيا، إضافة إلى كتائب صغيرة من أعضاء اتفاقية الأمن الجماعي، مثل أرمينيا، وبيلاروسيا، وطاجيكستان)، التي طلب مجيئها الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف، ومع خروج الأمور عن السيطرة، شعر توكاييف بالحاجة إلى مساعدة الحلفاء في اتفاقية الأمن المشترك، لضمان أمن المواقع الاستراتيجية، مثل المنشآت، بما فيها المباني الحكومية، والمطارات، في المدن الرئيسة، مثل ألماتي، في الوقت الذي تركز فيه القوات الأمنية الكازاخية على معالجة التظاهرات بصورة مباشرة. وفي الواقع، فإن طبيعة التدخل المتعدد الدول مسألة مهمة جداً، لأنه يقدم أول نشر مشترك لقوات دول اتفاقية الأمن الجماعي خلال 30 عاماً من تاريخ تشكيل هذه الكتلة الأمنية.

تدخلات روسيا لحماية نفسها

ولكن المنطق من نشر القوات التي تقودها روسيا في كازاخستان له تشابه مهم مع الأعمال العسكرية الروسية في أوكرانيا وجورجيا. وفي نهاية المطاف، فإن أي تدخل روسي في دول الاتحاد السوفييتي السابقة له جذور في الضرورات الجيوسياسية لروسيا، وبعبارة أوضح أي للحفاظ على التضامن السياسي المحلي، وحماية نفسها من الجيران المعادين لها أو القوى الخارجية، وتعميق نفوذها في المنطقة، في الوقت الذي تعمل فيه على تقليل نفوذ اللاعبين المنافسين. وبينما قامت روسيا بغزو جورجيا وأوكرانيا، من أجل تقويض الحكومات المدعومة من الغرب والمعادية لمصالحها، فإن تدخل موسكو ودول اتفاقية الأمن الجماعي في كازاخستان هو على العكس، يهدف إلى دعم حكومة مدعومة من روسيا، وهي حليف استراتيجي لموسكو. وثمة مسألة أخرى لا تقل أهمية، مفادها أن روسيا تريد أن تبعث رسالة، مفادها أنها مستعدة للعمل من أجل منع خطر هذه الاضطرابات العنيفة، إضافة إلى الاضطرابات السياسية، من الاندلاع والانتشار في دول أخرى صديقة لموسكو، إضافة إلى احتمال وقوعها في الأراضي الروسية نفسها.

روسيا تتصرف بسرعة وحسم

وهكذا، فإن المنطق الاستراتيجي الأوسع للتدخل الروسي في كازاخستان كان موجوداً، وهو يستند إلى العديد من العناصر التي تم تحديدها سابقاً في الإطار، وجاء سبب التدخل على شكل احتجاجات تقتحم المباني العامة، وجاء الدعم من العناصر المحلية من طلب توكاييف من دول اتفاقية الأمن الجماعي بالتدخل، وهو الأمر الذي يشير إلى الجدوى الفنية، وأنه لن يكون هناك رد عدائي من الجيش الكازاخي. وتدل الإشارات الصادرة عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على أنه لن تكون هناك تكاليف اقتصادية أو سياسية مهمة جراء ردة فعل الغرب على تدخل روسيا. ونتيجة لذلك، فقد تصرفت روسيا بسرعة وحسم لإرسال قوات دول حلف الأمن الجماعي في الحال، بعد طلب توكاييف للمساعدة. ومن دون هذه العوامل، فربما تقرر موسكو تأجيل التدخل قليلاً، أو أنها ستجعله أصغر حجماً أو حتى ربما تتجاهل طلب توكاييف بالكامل.

التدخل لن يخلو من مشكلات

وهذا لا يعني أن تدخل دول معاهدة الأمن الجماعي بقيادة روسيا في كازاخستان لن ينطوي على مشكلات، وأنه لا يضمن النجاح في إنجاز أهدافه، المتمثلة في استعادة النظام العام، ودعم نظام النظام الكازاخي. وفي الوقت الذي يكون فيه الدعم المحلي لتدخل روسيا موجوداً على الصعيد الحكومي، فمن المتوقع أن تكون هناك عناصر رافضة في كازاخستان، بمن فيها العديد من المتظاهرين، إضافة إلى الشخصيات المعارضة، التي انتقدت هذا التدخل، ويمكن أن تقرر القيام بمقاومته الآن أو في المستقبل. وإضافة إلى ذلك، فإن مشاركة جيوش دول معاهدة الأمن الجماعي، مثل بيلاروسيا، وقيرغيزستان، وأرمينيا، وجميعها تعاني اضطرابات اجتماعية وسياسية داخلية، يمكن أن يجعلها أكثر هشاشة في وجه الاضطرابات السياسية في المستقبل. وإذا لم تتمكن قوات معاهدة الأمن الجماعي، التي تقودها روسيا، من استعادة النظام والأمن في كازاخستان، وربما في أماكن ساخنة أخرى في جميع دول معاهدة الأمن الجماعي، فإن ذلك فستكون له تداعيات سيئة ومدمرة على سمعة الكرملين نفسه، على الصعيد الداخلي الروسي، وفي دول الاتحاد السوفييتي السابق.

 

عواقب كبيرة

وهناك العديد من القضايا الملحة في الوقت الحالي لدى حكومة كازاخستان وروسيا ودول معاهدة الأمن الجماعي، ناهيك عن أن الجمهور الكازاخي نفسه في حالة احتجاجات وتظاهرات. وعلى الرغم من أن موسكو أثبتت استعدادها لاستخدام القوة العسكرية لحماية مكانتها في الاتحاد السوفييتي السابق، إلا أن مثل هذا التدخل يمكن أن يؤدي إلى ظهور عواقب كبيرة.

• طبيعة التدخل المتعدد الدول مسألة مهمة جداً، لأنه يقدم أول نشر مشترك لقوات دول اتفاقية الأمن الجماعي خلال 30 عاماً من تاريخ تشكيل هذه الكتلة الأمنية.

• التدخل الروسي في كازاخستان يعتبر فريداً مقارنة بعمليات موسكو العسكرية السابقة في دول الاتحاد السوفييتي السابق، كما كان الحال في جورجيا عام 2008، وأوكرانيا عام 2014.

يوجين تشوزفسكي - باحث مستقل يركز على الوضع السياسي والاقتصادي في روسيا ويوراسيا والشرق الأوسط

تويتر