الاحتلال يُصدر أحكاماً باحتجازها سنوات لتُحرم مئات العائلات من قوت يومها

«مقبرة القوارب».. مصدر رزق الصيادين الفلسطينيين رهن الاعتقال

صورة

«منذ ما يقارب أسبوعين وأكثر لم نُبحر في عرض البحر، وسوف نبقى هكذا سنوات عدة، حتى يفرج الاحتلال عن قاربنا الذي يحتجزه داخل ميناء مدينة (أسدود)».. يصف الصياد الفلسطيني الشاب نور الهسي معاناته جراء حرمانه وأفراد عائلته العمل في مهنة الصيد، بعد أن احتجز الاحتلال قارب الصيد الذي يعيل أكثر من 27 أسرة من عائلة الهسي، التي تعد من أبرز العائلات الفلسطينية العاملة في مجال الصيد البحري.

يقف نور على مقربة من مرفأ الصيادين غرب مدينة غزة، يرقب عن كثب حركة دخول قوارب الصيادين مياه البحر، في رحلة عمل البحث عن الرزق في عمق البحر الأبيض المتوسط، بينما يحرم هو حالياً العمل في مهنة الصيد التي تتوارثها عائلته منذ عشرات السنين.

ويقول الصياد الهسي: «إن الاحتلال يعتقل عشرات المراكب والقوارب، ويصدر حكماً بالاحتجاز عليها فترة تمتد من عام إلى خمسة أعوام، وبعد أن يفرج عن القارب ويعيده لنا بشق الأنفس، يكون الصدأ قد نهشه، والأخشاب تهالكت، إلى جانب سرقة الاحتلال لمحرك القارب حتى لا نتمكن من تشغيله بعد الإفراج عنه فوراً».

ويمضي الصياد الشاب بالقول مشتكياً: «في هذه الحالة سنبقى نعاني فترات طويلة في إطار حرب الأرزاق التي يشنها الاحتلال ضد الصيادين الفلسطينيين، فأنا أعيل أبي وأمي وأشقائي، وهي تماماًالمعاناة ذاتها التي يواجهها بقية من يعمل معنا في السفينة من أبناء عمومتي، والتي تعد مصدر رزقهم الوحيد وعائلاتهم».

ويشير إلى أن عائلته أنفقت ما بحوزتها من أجل إنشاء سفينة الصيد (لانش الجر)، الذي بدأ العمل به في مهنة صيد الأسماك منذ سبعة أشهر، مبيناً أن طوله يبلغ تسعة أمتار، ويتسع لعشرات الصيادين، وعشرات الأطنان من الأسماك.

وكانت الزوارق الحربية البحرية الإسرائيلية قد دهمت في يوم الجمعة 26 نوفمبر الماضي سفينة صيد (لانش الجر) تعود لعائلة الهسي، واعتقلت جميع من كان على متنها من العائلة، وهم: جمال جهاد الهسي، ومحمد رشاد الهسي، ونور رجب الهسي، ومحمد نهرو الهسي، وأحمد رشاد الهسي، لتفرج عنهم بعد ساعات طويلة من الاعتقال.

فيما أبقت قوات الاحتلال السفينة رهن الاعتقال، لتحرم عائلات الصيادين قوت يومهم، وتزداد مأساتهم سوءاً، حيث تعيل هذه السفينة التي تعد من أضخم وأجود أنواع سفن الصيد في قطاع غزة ما يقارب 250 فرداً، جميعهم من عائلة واحدة.

تفاصيل الاعتقال

بينما كان يشق صيادو قطاع غزة عُباب البحر، ويسابقون الشمس قبل شروقها، للوصول إلى البر، بعد رحلة صيد امتدت على مدار 12 ساعة متواصلة، كان الشاب نور والصياد الفلسطيني جمال الهسي قبطان سفينة الصيد المحتجزة يحيكان من جديد شباك الصيد التي مزقتها رصاصات الاحتلال، وألقت بها قوات البحرية الإسرائيلية في عرض البحر، بينما ظهرت على عينيهما ملامح الحسرة والحزن على حرمانهما وبقية أفراد السفينة الأسيرة البالغ عددهم 27 صياداً مباشرة البحث عن الرزق في عرض البحر.

ويسرد الصياد جمال الهسي تفاصيل حادثة اعتقاله وأفراد عائلته، واحتجاز سفينتهم من قبل قوات البحرية الإسرائيلية، حيث يقول: «في ساعات الفجر الأولى ليوم الجمعة نهاية شهر نوفمبر الماضي، وبينما كنا نصطاد الأسماك على بعد كيلومتر ونصف من شاطئ بحر غزة (ميل بحري واحد)، دهمتنا ثلاثة زوارق بحرية إسرائيلية، واقتربت بشكل مباشر من قاربنا».

ويضيف: «أطلقت قوات الاحتلال عبر الزوارق البحرية الحربية الرصاص المطاط تجاهنا مباشرة، وقد أصبت في يدي، وسقطت أرضاً وإلى جانبي بقية الصيادين، تحسست الجرح الذي أصابني، ثم نهضت ثانية، ليفاجئني 30 جندياً إسرائيلياً يعتلون سطح القارب، ويسيطرون عليه بقوة السلاح».

هنا يكمل الشاب نور أحداث ليلة اعتقال سفينة عائلة الهسي وأفرادها، إذ يقول: «على الفور أشهر الجنود أسلحتهم تجاهنا مباشرة، فيما أحاط بي ثلاثة جنود، وكبلوا يدي، ثم أجبروا قبطان السفينة على قيادتها تجاه الغرب، وصولاً إلى حدود ستة أميال بحرية، ومن ثم الاتجاه شمالاً صوب ميناء مدينة أسدود».

ويمضي الصياد الهسي بالقول: «قبل الوصول إلى ميناء مدينة اسدود أنزلنا الجنود عن سفينتنا، واقتادونا بواسطة الزوارق إلى داخل الميناء، فيما أسروا سفينة الصيد داخل أسدود».

ويضيف: «احتجزتنا قوات الاحتلال على مدار 14 ساعة داخل غرف حديدية، وأخرى من الباطون، ثم اقتادونا داخل سيارة تجاه معبر بيت حانون (إيرز)، الفاصل بين قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، وأفرجوا عنا هناك دون الإفصاح عن أسباب ما جرى معنا».

ويشير الشاب الصياد إلى أن الاحتلال يزعم دوماً أن الصيادين في غزة يجتازون الحدود البحرية المحددة بشكل إجباري من قبل إسرائيل والبالغة 12 ميلاً بحرياً، مضيفاً: «نحن كنا نبحر للصيد في مسافة ميل بحري واحد، وهذا لا يعد تجاوزاً على الإطلاق، ولكن الاحتلال ينتهج هذه الممارسات التعسفية بحق جميع الصيادين داخل القطاع المحاصر».

تجدر الإشارة إلى أن اتفاقية أوسلو للسلام الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1993 نصت على أن المسافة القانونية التي يسمح للفلسطينيين بالتحرك داخلها بحرية دون أي اعتراضات إسرائيلية هي 20 ميلاً بحرياً.

احتجاز قوارب الرزق

تلك الحادثة تكررت بشكل دائم ومستمر بحق الصيادين وقواربهم، وتعتقل قوارب الصيد التي تعتاش منها عشرات العائلات، من بينها: أبوالصادق، وأبوعميرة، وبكر، والعامودي، وسعدالله، حيث مازالت قوات الاحتلال تُبقي قوارب رزقهم رهن الاحتجاز، فيما أضحت هذه العائلات بلا مصدر رزق يؤمّن احتياجات حياتهم اليومية الضرورية.

الصياد محمود بكر (34 عاماً)، وبينما كان يصطاد رزقه داخل مياه بحر قطاع غزة قبل عامين، دهمته قوات البحرية الإسرائيلية، واقتادته وقاربه إلى ميناء مدينة اسدود، ليقضي حكماً بالسجن لمدة عام كامل، أما قارب الصيد فمازال رهن الاعتقال لدى الاحتلال.

أما الصياد خضر الصعيدي (35 عاماً)، فقد حرمه الاحتلال بصره بعد إطلاق النار عليه أثناء عمله في عرض البحر، واعتقاله برفقه قاربه في عام 2019، ليحرم إلى الأبد من مصدر رزقه أطفاله وعائلته، فيما بقي مركب الرزق رهن الاعتقال لدى الاحتلال.

من جهة ثانية، يؤكد نقيب الصيادين الفلسطينيين في قطاع غزة نزار عياش أن الاحتلال يتعمد احتجاز قوارب الصيادين، وتدمير معدات الصيد الخاصة بهم، مبيناً أن الهدف من ذلك تدمير الاقتصاد الفلسطيني المحلي، حيث يشكل قطاع الصيد أهمية كبيرة لهذا الاقتصاد.

ويشير إلى أن الاحتلال يحتجز حالياً أكثر من 30 قارباً، و60 محركاً لتشغيل مراكب الصيادين الفلسطينيين، لافتاً إلى أن جميع المراكب التي يحتجزها الاحتلال تركت في ميناء أسدود حتى تلفت، وأن جزءاً منها أعيد وهو في حالة متردية.

وبحسب عياش، يبلغ عدد الصيادين الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر 4000 صياد، فيما يعمل ما يقارب 40 ألف فرد في غزة بصورة مباشرة أو غير مباشرة بالمهن المتصلة بمجال صيد الأسماك.

حرم الاحتلال الصياد خضر الصعيدي (35 عاماً) بصره، بعد إطلاق النار عليه أثناء عمله في عرض البحر، واعتقاله برفقة قاربه، في عام 2019، لتُحرم عائلته إلى الأبد من مصدر رزقها الوحيد، فيما بقي مركب الصيد رهن الاعتقال لدى الاحتلال.

الاحتلال يعتقل عشرات المراكب والقوارب، ويصدر حكماً بالاحتجاز عليها فترة تمتد من عام إلى خمسة أعوام، وبعد أن يفرج عن القارب ويعيده لأصحابه بشق الأنفس، يكون الصدأ قد نهشه، والأخشاب تهالكت، إلى جانب سرقة الاحتلال لمحرك القارب حتى لا يتمكنوا من تشغيله بعد الإفراج عنه.

• يؤكد نقيب الصيادين الفلسطينيين في قطاع غزة نزار عياش أن الاحتلال يتعمد احتجاز قوارب الصيادين، وتدمير معدات الصيد الخاصة بهم، مبيناً أن الهدف من ذلك تدمير الاقتصاد الفلسطيني المحلي، حيث يشكل قطاع الصيد أهمية كبيرة لهذا الاقتصاد.

تويتر