تخلت عائلاتهن عنهن بغرض التبني

فتيات صينيات في بريطانيا يبحثن عن أسرهن البيولوجية

صورة

خلال مرحلة سياسة الطفل الواحد، والتي فرضتها الحكومة الصينية خلال الفترة من 1980 إلى 2015 تخلت أسر عدة عن عشرات الآلاف من بناتهن الصغيرات لتتبناهن أسر في دول أخرى، كما أجهضت الحوامل الكثير من الأجنة الإناث، وذلك للالتفاف على سياسة الطفل الواحد. وتقول فو ليان دوبلي، التي هي ضحية لمثل هذه المحنة «هناك قول مأثور قديم في الصين يعتقد أن ولادة صبي تمثل سعادة كبيرة، لكن ولادة فتاة هي مجرد سعادة صغيرة». وهي تعرف معنى هذه الكلمات جيداً.

بسبب التفضيل الثقافي المتأصل في الصين للأبناء على البنات، كانت فو ليان واحدة من بين عشرات الآلاف من الفتيات الصغيرات اللاتي تخلت أسرهن عنهن، أو تم عرضهن للتبني أو حتى أجهضتهن أمهاتهن خلال تلك الفترة قبل أن يرين النور.

فوليان تبحث عن جذورها

العديدات من الجيل نفسه يبحثن الآن عن حقيقتهن وتراثهن وأنسابهن عندما يبلغن سن الرشد، وكذلك فعلت فو ليان التي تبناها زوجان بريطانيان، مثلها مثل الآلاف من بني جنسها، ونشأت في المملكة المتحدة. فقد تم تبنيها عندما كان عمرها 13 شهراً، وتعتقد أن أبويها البيولوجيين تخليا عنها رغماً عنهما وعرضاها للتنبي. هذه الفتاة البالغة من العمر 21 عاماً، والتي تدرس اللغة الصينية في جامعة مانشستر، كلفت المجموعة الطوعية، التحالف الدولي للبحث عن الأطفال المتبنين، للبحث عن أصولها في مسقط رأسها تشانغنينغ بمقاطعة هونان لتتقصى لها عن حقيقة أصلها، كما يفعل الكثير من أمثالها.

وتحدثت فو ليان عن طريقة البحث عن أصولها، واصفة أنها «عملية طويلة حقاً، ليس لديك سوى القليل من الإثباتات الورقية، ولا توجد شهادة ميلاد، والأوراق الوحيدة التي أمتلكها تتعلق بتخلي عائلتي البيولوجية عني».

ثم اكتشفت في ما بعد أن مدير دار الأيتام التي كانت تقيم فيها عندما كانت صغيرة، كان زعيم عصابة في مجموعة لتهريب الأطفال في عام 2006. وتقول: «هذا أمر أجد صعوبة في التعامل معه». وتضيف «تعتمد حياتك كلها على بضع قطع من الأوراق يمكن أن تكون مزيفة».

الفتاة روزي لا تكترث بأصولها

ويستمر بحث فو ليان، على عكس أختها الصغرى مي مي، التي تبنتها أيضاً أسرة بريطانية، ولكن هذه الفتاة لا تريد حتى مناقشة تراثها، ناهيك عن تعقب عائلتها البيولوجية. وأخبرت التحالف أنها قد تفكر في الأمر في المستقبل، لكنها لم تشعر أبداً أنها بحاجة شديدة للقيام بذلك.

تبلغ روزي، 27 عاماً من العمر، تعيش في لندن وتعمل في وكالة بيئية، تم تبنيها طفلة رضيعة وترعرعت في إسيكس. وتقول إن والديها بالتبني، اللذين تبنيا طفلة أخرى عندما كانت روزي في الثالثة من عمرها، شجعاهما على الاهتمام بتراثيهما والفخر به والاهتمام بالثقافة الصينية.

وكتبت على مدونتها: «يأخذنا أبوانا بالتبني إلى مدارس خاصة لنتعلم لغة الماندرين، ونحتفل برأس السنة الصينية مع متبنين آخرين، ونذهب لزيارة الحي الصيني ومعارض عن الفن والتاريخ الصيني في لندن».

لكن روزي تقول إنها على الرغم من نشأتها في منطقة يغلب عليها السكان البيض، لا تهتم أبداً بالبحث عن هويتها الصينية. وتقول «سأكون بالتأكيد مهتمة بإجراء اختبار الحمض النووي فقط لفهم المزيد عن خلفيتي البيولوجية». وتسترسل «لا أعرف أي شيء عن انتمائي العرقي، ولست منزعجة من ذلك».

بيكي تعثر على قريبتها الأميركية

تبنت بيبا، 59 عاماً، الطفلة بيكي التي تبلغ الآن 18 عاماً، وتدرس في إحدى الجامعات الإنجليزية. كانت بدايات بيكي مختلفة قليلاً عن فو ليان وروزي. أمضت الأشهر الخمسة الأولى من حياتها في منزل للأطفال، ولكن بعد ذلك استقبلتها أسرة حاضنة قبل أن تتبناها بيبا بعد 10 أشهر من ذلك.

تقول بيبا: «لقد ظلت بيكي محبوبة لي للغاية وسعيدة، لكنني أشعر أن مسؤوليتي تقتضي مني العثور على أبويها البيولوجيين، لذلك لجأت إلى قاعدة بيانات الحمض النووي واكتشفت أن بيكي لديها ابنة عم ثانية (جايد ستير) أكبر من بيكي بسبع سنوات وتعيش في ولاية واشنطن بالولايات المتحدة، وولدت في غوانجدونغ، المقاطعة المجاورة غوانغكسي، حيث ولدت بيكي».

لم يلتقيا بعد ولكن بالنسبة لبيبا، فإنها اطمأنت بأن ابنتها ارتبطت بعلاقة إيجابية مع أحد أفراد عائلتها البيولوجيين. وتقول بيبا: «أعرف عائلة بالتبني وجدت الأسرة البيولوجية، ولكن الأم البيولوجية وجدت ذلك صعباً للغاية»، وتضيف «اكتشفت طفلة متبناة أخرى أن عائلتها البيولوجية واصلت إنجاب المزيد من الأطفال الذين احتفظت بهم، وسبب ذلك لها صدمة»، وتعتقد بيبا أن العثور على العائلة البيولوجية يمكن أن يخفف من الاهتمام بالبحث عن الأصول، ولكنه قد يؤدي أيضاً إلى صدمة قوية.

تقدمت روزي بأطروحتها حول سياسة الطفل الواحد لنيل درجة جامعية في السياسة والعلاقات الدولية، ووصفت تلك السياسة بأنها «انتهاك جسيم لحقوق الإنسان والإنجاب». وأضافت: «إنه لمن القسوة أن نفرض مثل هذه السياسة، لا سيما عندما أفكر في والدي، اللذين أفترض أنهما كانا مجبرين على التخلي عن طفلهما، الذي هو أنا»

وتعبر فو ليان عن تلك السياسة بقولها «لدي ردّ فعل سلبي للغاية على تلك السياسة، لا أحب حقيقة أنها استمرت في التمييز ضد الفتيات الصغيرات». وتضيف «عندما أعلنوا عن إلغائها وأصبح بإمكان العائلات الآن أن تنجب طفلين، أزعجني ذلك - لماذا اعتمدوها في ذلك الوقت؟».

وتختتم بقولها «الأطفال الصغار لا يعرفون مدى التضحيات التي قدمناها، اللوم نفسه ينطبق على كبار السن من الصينيين، لأنهم لم يفكروا في عواقب التخلي عن أبنائهم، ويجعلني كل ذلك أتساءل عما إذا كان الأمر يستحق ذلك حقاً في النهاية».

إلغاء سياسة الطفل الواحد

عندما تم إلغاء سياسة الطفل الواحد في الصين في عام 2015، شجعت الحكومة الأزواج على إنجاب طفل ثانٍ، لكن الكثير من الأسر كانت مترددة، ليس فقط بسبب الكُلفة، وعدم التوازن بين الجنسين، ولكن أيضاً لأن الأم والأب اعتادا على النشأة من دون أشقاء، وظلت الأسرة المكونة من طفل واحد هي المعيار لدى المجتمع.

في مايو 2021، تبنت الصين سياسة ثلاثة أطفال بعد نتائج تعداد 2020، والتي أظهرت أن 12 مليون طفل فقط ولدوا في ذلك العام، بانخفاض من 14.65 مليوناً عن عام 2019، وهو ما يمثل انخفاضاً بنسبة 18% على أساس سنوي ويمثل الانخفاض الرابع على التوالي في معدل المواليد السنوي.

ويقول المكتب الوطني للإحصاء في الصين إن معدل الخصوبة في البلاد كان 1.3 طفل لكل امرأة - أقل من مستوى الإحلال البالغ 2.1 المطلوب لاستقرار السكان.

بعد فترة وجيزة من الإعلان عن سياسة الأطفال الثلاثة، وجدت دراسة استقصائية عبر الإنترنت أجرتها وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) أن 90% من المستجيبين قالوا إنهم «لن يفكروا» في إنجاب ثلاثة أطفال. ومن بين 31 ألف شخص شملهم الاستطلاع، كان 1443 منهم فقط «مستعدين» لإنجاب طفل ثالث، و828 كانوا «مترددين»، و213 قالوا إن ذلك «على جدول أعمالهم». ومع ذلك، اختفى الاستطلاع بعد وقت قصير من نشر النتائج.

التحالف الدولي للبحث عن الأطفال بالتبني

التحالف الدولي للبحث عن الأطفال هو مجموعة دولية متطوعة بالكامل من المتبنين والآباء بالتبني، تمثل مصدراً مركزياً لجميع المعلومات للمتبنين الصينيين الذين يرغبون في البحث عن أصولهم. ويتضمن ذلك قائمة بالباحثين المقيمين في الصين ويتعاونون مع عائلات في جميع أنحاء العالم ويتقاضون رواتبهم مقابل وقتهم ونفقات سفرهم. ويمكن أن تختلف التكاليف اعتماداً على المسافة التي يتعين على الباحث السفر إليها، وعلى سبيل المثال، دفعت عائلة واحدة ما يقرب من 500 جنيه إسترليني للبحث لمدة ثلاثة أيام عن أحد أبنائها.

ويتعاون المتبنون من المنطقة نفسها أيضاً لتوظيف باحث نيابة عن مجموعتهم بأكملها. وتعتقد المنظمة أن جمع عينات الحمض النووي من الآباء المفترضين قد تكون فعالة للغاية لأن مطابقة الحمض النووي الخاص بهم في قواعد البيانات نفسها التي يستخدمها المتبنون هي المفتاح للعثور على معظم التطابقات.

• التحالف الدولي للبحث عن الأطفال هو مجموعة دولية تمثل مصدراً مركزياً لجميع المعلومات للمتبنين الصينيين الذين يرغبون في البحث عن أصولهم.

تويتر