بعد مقتل نائب طعناً

خوف في شوارع بريطانيا يطارد النواب البرلمانيين

صورة

وفاة النائب البريطاني المحافظ، ديفيد أميس، نتيجة تعرضه للطعن مرات عدة خلال لقائه مع ناخبيه في إسيكس، أحدثت صدمة بليغة في الأوساط السياسية البريطانية، وأعادت الى الأذهان مقتل النائبة جو كوكس قبل خمس سنوات، وأثارت المخاوف بشأن المخاطر الأمنية التي يتعرض لها أعضاء البرلمان البريطاني في عصر سياسي يزداد حقداً واستقطاباً.

نواب يتحدثون عن تهديدات

عندما اتّصل أعضاء البرلمان ببعضهم بعضاً لمناقشة الأخبار المروعة عن مقتل زميلهم أثناء قيامه بواجباته الأساسية، تدفقت قائمة تجاربهم المروعة على الفور وبشكل مطول. وقال وزير في مجلس الوزراء: «بالحديث مع الزملاء بعد ظهر هذا اليوم، أدركت أنه لا يوجد أحد منا لم يسرد قائمة بالتهديدات المقلقة التي حدثت له أو جرت في دائرته الانتخابية».

وقال عضو لجنة مجلس العموم التي تتولى أمن النواب، السير تشارلز ووكر، إنه شعر بالذهول من عدد النواب الذين أبلغوا سلطات مجلس العموم بالتهديدات والانتهاكات التي حدثت لهم. وقال: «أصبح العيش في خوف جزءاً روتينياً من حياة العديد من زملائي». وأضاف «يمتلك الكثيرون قدرة مذهلة على ضبط أنفسهم والتحلي بالشجاعة، ولكن لا ينبغي أن يستمر الأمر على هذا المنوال».

بعد الصدمة من وفاة السير ديفيد أميس، سرعان ما امتلأت مجموعات الـ«واتس أب» الخاصة بأعضاء البرلمان ببعض التصريحات العلنية التي تفيد بأنهم قد يخرجون من دوائرهم الانتخابية لأسباب تتعلق بالسلامة، بينما صرح آخرون بأنهم لا يعرفون ما إذا كان بإمكانهم الاستمرار في عملهم.

وزاد الإنفاق على الأمن بشكل كبير في أعقاب مقتل النائبة البريطانية، جو كوكس، ويبدو أن المشكلة آخذة في الازدياد، بعد أن كشف عدد كبير من النواب عن التهديدات التي تلقوها. ومن بين هذه التهديدات أن نائباً ذكر أن هناك شخصاً وصف طراز سيارته والمكان الذي كان يقودها فيه خلال عطلة نهاية الأسبوع، وآخر حذر نائبة من أنه يعرف المدرسة التي يدرس بها أطفالها، واضطر عضو برلماني على التصرف كحارس أمن في دائرته الانتخابية.

وقال بعض النواب إنهم غيروا بالفعل مواعيد خروجهم فقط للحد من المخاطر التي قد يتعرضون لها وانتقالهم إلى أماكن أكثر أماناً. وقال وزير سابق: «نحاول وندير لقاءاتنا عبر الهاتف هذه الأيام، وإذا اجتمعنا، فإننا نفعل ذلك في المكتب الآن، وليس في القاعات الفارغة». ويضيف «قال الجميع إن الإساءة عبر الإنترنت ظلت شائعة، في حين أن الاضطرار إلى إبلاغ الشرطة بتهديد أو سلوك عدواني هو أمر يحدث عادة».

تدابير أمنية متراخية

في حين أن مقتل كوكس في عام 2016 أدى إلى تشديد الإجراءات الأمنية ومركزية شكاوى الإساءة ضد النواب، إلا أن هناك تبايناً كبيراً بين أعضاء البرلمان حول كيفية إدارة أعمالهم في دوائرهم الانتخابية، وأن هناك اتفاقاً ضئيلاً بينهم على كيفية جعل الحياة أكثر أماناً لهم في الوقت الراهن.

وقال وزير سابق: «كل اللقاءات الجماهيرية التي نجريها لا نعلن عن مكانها وزمانها مقدماً»، ويضيف «أظن أنه يجب أن يكون الأمر على هذا النحو». وقال عضو برلماني آخر من حزب المحافظين: «أقوم بلقاء أفراد دائرتي خلال لقاء تقليدي فقط مرة واحدة في الشهر في الوقت الراهن، ولكن في معظم صباحات السبت التقي بهم في وسط الشوارع الرئيسة وأسواق المزارعين، حيث يستطيع أي ناخب الاقتراب مني ومن المستشارين، وهذا مهم جداً بالنسبة لهذه اللقاءات».

بعض التحدي

كان البعض حريصاً على إظهار التحدي يوم السبت، وكان النائب المحافظ عن منطقة إلميت وروثويل، أليك شيلبروك، من بين أولئك الذين أصروا على لقاءات ناخبي الدائرة الانتخابية، وقال: «لا يمكننا أن ندع مثل هذه الأحداث تقوض العلاقة العميقة بين النواب وناخبيهم»، ويضيف «أريد من ناخبي دائرتي، بغض النظر عما إذا كانوا قد صوتوا لي أم لا، أن يكونوا قادرين على الاقتراب مني في الشارع أو في الحانة أو في السوبر ماركت أو في أي مكان خاص بي». كما مضى النائب المحافظ عن منطقة هاي بيك، روبرت لارجان، في اجتماعاته، وقال إنه يريد «الدفاع عن الديمقراطية».

تزايد التهديدات

ومع ذلك، كانت هناك منذ بعض الوقت أدلة على تصاعد موجة سوء المعاملة والعدوان ضد النواب. وشهد الإنفاق على أمن النواب توسعاً هائلاً في السنوات الأخيرة. في عامي 2015 و2016، وصل المبلغ الذي تم إنفاقه على أمن النواب 171 ألف جنيه إسترليني فقط. وبحلول عام 2017-2018، ارتفع هذا المبلغ ليصل إلى 4.2 ملايين جنيه إسترليني. وتم تركيب أزرار الانذار وتقوية أبواب مكاتب الدوائر وتحسين أنظمة الإنذار. ووفقاً لبيانات شرطة العاصمة، أبلغ أعضاء البرلمان عن 151 جريمة مزعومة للشرطة في عام 2017، وارتفعت إلى 342 في عام 2018، بزيادة قدرها 126٪. وكشف استطلاع أجرته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في عام 2019 أن أكثر من 60٪ ممن شملهم الاستجواب اتصلوا بالشرطة بشأن التهديدات التي تلقوها في العام السابق.

وقالت الباحثة في معهد الحكومة، أليس ليلي: «عندما تم استطلاع آراء أعضاء البرلمان حول نوع ومستوى التهديدات والإساءات التي يتلقونها، نرى أن السنوات الخمس أو الست الماضية قد شهدت وضعاً سيئاً للغاية في هذا الخصوص». وتضيف «أعتقد أن النقاش من المرجح أن يدور حول ما إذا كان ينبغي اتخاذ مزيد من التدابير العملية، وهل يجب أن يكون هناك تقليص للاجتماعات وجهاً لوجه؟ أعتقد أن هذا شيء يحجم الكثير من النواب عن القيام به».

وقال النواب إن عدد الانتهاكات التي يواجهونها هم وموظفوهم يومياً عبر الإنترنت والتهديدات بالقتل، تتزايد باستمرار. وقال أحد كبار النواب «إنه وباء بلاشك»، واسترسل «إن أعداد الأشخاص المسجونين الآن أو الذين يواجهون المحاكمة بتهمة الإساءة أو تهديد النواب هائلة جداً، إنه مرض بريطاني».

لغة تحريضية

هناك قضية أخرى ذكرها النواب مراراً وتكراراً، يوم السبت، وهي اللغة التحريضية التي يستخدمها زملاؤهم، بما في ذلك رئيس الوزراء، بوريس جونسون، وكبار الشخصيات العمالية، مثل نائبة زعيم حزب العمال، أنغيلا راينر، التي تعرضت لانتقادات لوصفها حزب المحافظين بـ«حثالة» خلال مؤتمرها الحزبي.

وانتقدت النائبة السابقة بولا شريف خطاب جونسون في عام 2019، محذرة من أن كلمات مثل «استسلام» ترفع درجة الحرارة وتذكره بما حدث لكوكس. ولكن رئيس الوزراء تجاهل نداءها باعتباره «هراء».

وأشار العديد من النواب إلى أن رغبة اميس في الوصول إلى الجمهور هو ما أنهى حياته. وقال أحد الوزراء: «نحاول بصفتنا نواباً، أن نكون معروفين ومتاحين للجميع»، ويسترسل «عضو البرلمان الناجح هو الشخص الذي يشعر الناس أنهم يمكنهم الذهاب إليه في الحانة أو في بعض الأحيان عندما يتسوق»، ويضيف «لا نريد أن نتحدث إلى الناس من خلال ألواح زجاجية أو أن يكون لدينا حارسان قويّا البنية، ربما انتهت أيام اللقاءات في الأماكن المكشوفة، وأن الشخص الذي ألحق بنا الضرر سيجد طريقة أخرى لإيذائنا».

• بعد الصدمة من وفاة السير ديفيد أميس، سرعان ما امتلأت مجموعات الـ«واتس أب» الخاصة بأعضاء البرلمان ببعض التصريحات العلنية التي تفيد بأنهم قد يخرجون من دوائرهم الانتخابية لأسباب تتعلق بالسلامة.

• قالت موظفة سابقة كانت تعمل لدى النائبة السابقة، بولا شريف، التي وجدت صليباً معقوفاً على عتبة مكتبها، إن الشرطة سخرت من رسالة تركها الجاني تحمل تهديداً لها.


انتقادات ضد الشرطة

أشار عدد من النواب إلى تقاعس الشرطة عن التعامل مع التهديدات الموجهة ضدهم بجدية أكبر. وبينما كان لدى البعض تجارب جيدة، قال آخرون إن الشرطة لا تتصل بهم إلا في لحظات الخطر الشديد، مثل هجوم الأسبوع الماضي، وغالباً ما يسألهم الضباط ببساطة: «ما الإجراء الذي تريدون منا اتخاذه؟».

وقالت إحدى البرلمانيات إنها توقفت عن الإبلاغ بعد أن شعرت بالإحباط من رد الشرطة: «غالباً ما تكون الشرطة البرلمانية والشرطة المحلية على خلاف، وليس هناك اتساق بينهما في تقييم المخاطر نتيجة لذلك»، وأضافت «لقد تخليت عن الإبلاغ عن أي تهديدات، لأن الشرطة تعتقد أنك لست في خطر ما لم يهاجمك شخص ما بالفعل».

وقالت موظفة سابقة كانت تعمل لدى النائبة السابقة بولا شريف، التي وجدت صليباً معقوفاً على عتبة مكتبها، إن الشرطة سخرت من رسالة تركها الجاني تحمل تهديداً لها. وقالت شريف: «في الوقت الحالي، نعبر عن حزننا على صديقنا المحبوب ديفيد أميس، لكن من الواضح أن أجهزة الشرطة المختلفة تتبنى نهجاً غير متسق في التعامل مع التهديدات التي يتعرض لها النواب، ويجب ان يتغير هذا». وقال العديد من النواب إن التهديدات التي يتعرض لها موظفوهم كانت في كثير من الأحيان تحمل الخطورة نفسها التي يواجهونها هم أنفسهم.

تويتر