خطوة أراحت الأهالي وقلّلت العنف ضد النساء

حكايات سياسية.. قرية في كشمير تُعفي عائلات العرائس من دفع المهور

صورة

في صباح يوم مشمس، بدأت العروس الكشميرية، (ألطاف)، عملها بنشر الغسيل خارج المنزل الخرساني، حيث تعيش مع زوجها. وتطل نوافذ البيت، ذات الإطارات البيضاء، على حقول الأرز الخضراء المورقة، وخط من الأشجار الخضراء الطويلة. وتزوجت (ألطاف) من زوجها إشراق أحمد شاه، في يوليو الماضي. ويعيش الاثنان في القرية نفسها، في كشمير، الخاضعة للحكم الهندي، بعد أن وافقت عائلتاهما على زواجهما. ولكن على عكس معظم الزيجات في الهند، لم تدفع عائلة العروس أي أموال أو سلع للعريس وعائلته. وبدلاً من ذلك، هو الذي أعطى مبلغاً متواضعاً لـ(ألطاف). لقد ألغت هذه قرية بابواييل المهور التي تدفعها عائلات الفتيات.

في جميع أنحاء الهند، غذت تكاليف المهور والخلافات حول المدفوعات، التحرش بالنساء، منذ فترة طويلة. ويُلقى اللوم على العنف المرتبط بإعطاء المهر أو تلقيه، لوفاة امرأة كل ساعة تقريباً، وفقاً لتقرير صادر عن مكتب الجريمة الوطني في الهند عام 2019. وفي حين أن المهر بدأ كعرف هندوسي، إذ يقوم الوالدان بتعويض الزوج وعائلته عن أخذ ابنتهم إلى منزل العريس، فقد أصبح الدعامة الأساسية للزيجات الإسلامية في جنوب آسيا، بما في ذلك كشمير، وهي الولاية الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة في الهند.

تعتبر حفلات الزفاف الكبيرة والفخمة علامة على المكانة الاجتماعية في الهند، مثلها مثل مهور الذهب والسيارات والمنازل. ولكن كلفة حفلات الزفاف والمهور يمكن أن تكون باهظة بالنسبة للكثيرين، ما يؤدي بالنساء إلى تأخير الزواج. وكان هذا هو الحال في بابواييل، وهي قرية مسلمة يبلغ عدد سكانها نحو 1000 شخص؛ حتى بدأ قادة المجتمع في التشكيك في هذه الممارسة في عام 1980. وطلبوا من القرويين التعهد بعدم إعطاء أو استلام مهر، وألصقوا وثيقة على حائط المسجد. وذهبت نسخة من الوثيقة إلى عمدة القرية، والأخرى لمفوض المقاطعة. وتمت مراجعة وثيقة «حظر المهور»، في عامي 2004 و2021.

تغيّر الوضع

وتحظر الوثيقة أيّ هدايا من عائلة العروس، وتضع حداً قدره 53 ألف روبية (720 دولاراً) للمدفوعات من قبل العريس، بما في ذلك كلفة ملابس زفاف العروس. وعقوبة الأسر التي تخرق قواعد المجتمع هي الاستبعاد من الصلاة في المسجد، والاستبعاد من الدفن في المقبرة. ويقول القرويون إن هذه القواعد تتبعها جميع العائلات، سواء الغنية أو الفقيرة، وأن النتيجة كانت غياب الخلافات والعنف المتعلقين بالمهر.

واستغرقت استعدادات زفاف (ألطاف) ثمانية أيام فقط، وتقول إن عائلتها ميسورة الحال - والدها هو عمدة القرية - لكنها فضلت الزواج البسيط. وتتابع

السيدة البالغة من العمر 23 عاماً، التي درست إدارة الأعمال في جامعة كشمير في سرينيجار، وتدير حالياً شركة ملابس «الزفاف هو حدث لا يُنسى ويصبح جزءاً أبدياً في حياة الإنسان، وبحمد الله، سيبقى حفل زفافي ذكرى لا تُنسى». وتلقت (ألطاف) ما يعادل 30 دولاراً كمهر، وهي دفعة مباشرة من عائلة العريس. وهذا أقل بكثير من الحد الأقصى الحالي للمدفوعات، والذي تم تعديله على مر السنين ليعكس التضخم. ولم تحصل على أي زينة فضية أو ذهبية، وهو أمر شائع في الأعراس الهندية. وتقول: «الوثيقة التي تمت صياغتها في عام 2004، نصت على تقديم أقراط ذهبية للعروس، لكن في الوثيقة الأخيرة تم التخلص من هذا الشرط، أيضاً، نظراً للتضخم وارتفاع أسعار الذهب».

وتعتبر مدفوعات المهور غير قانونية في الهند، بموجب قانون عام 1961، ويعاقب عليها بالغرامات والسجن. ولكن هذا الحظر يتم تجاهله على نطاق واسع من قبل العائلات، ونادراً ما يتم فرضه بقوة القانون، ما يجعل الجهود التي يقودها المجتمع في بابواييل استثناءً جديراً بالملاحظة.

حملة مبكرة

ويقول غلام النبي شاه، وهو ضابط متقاعد في قسم الغابات: «كنت في الخامسة والعشرين من عمري عندما بدأ شيوخ هذه القرية هذه الحملة»، متابعاً «الفكرة أثارتني»، وبعد أن رأى كيف أنفق الكشميريون الكثير على حفلات الزفاف، تطوّع ضمن الحملة ولايزال يساعد في الترويج لرسالتها. وينتمي سكان بابواييل إلى طبقة الشاه وتعود جذورهم إلى قرون عدة. وتحدث جميع الزيجات تقريباً بين أفراد هذه الطبقة. ويقول محمد أشرف شاه، وهو من سكان بابواييل، ولديه ابنتان، إنه غير قلق بشأن كيفية تغطية نفقات زفافهما «لم أدخر شيئاً من أجل زفافهما؛ وأنا أنفق على تعليمهما والمسائل الأخرى المتعلقة بالدراسة، لأنني لا أشعر بأي ضغوط بشأن المهر».

حتى في كشمير، لا يعرف معظم الناس الخطوات التي اتخذتها قرية بابواييل ضد المهور. ويحبط هذا نشطاء حقوقيين مثل روب ريكا فيرما، وهو أكاديمي متقاعد، اقترح على الحكومة الهندية أن تدعم حملة وطنية، على المنوال نفسه.

وقال فيرما: «إذا رأينا معدل جرائم المهر ضد النساء، فهذه القرية تفعل شيئاً ثورياً. إن رسالة هذه القرية جميلة جداً، ويجب علينا جميعاً أن نتبعها».

مهمة شاقة

إن الكفاح في جميع أنحاء الهند لإنهاء دفع المهور يشير إلى أن هذه المهمة ستكون شاقة. ويقول أستاذ الرعاية الاجتماعية بجامعة كشمير، جافيد رشيد، إن حفلات الزفاف باهظة الثمن، تفرض عبئاً مالياً ونفسياً على العائلات في كشمير. وأشاد بنهج قرية «بابواييل»، الذي يقوده المجتمع باعتباره نهجاً يجب تسليط الضوء عليه، حتى تتمكن المجتمعات الأخرى من الاستفادة منه. ويقول رشيد: «لن يغير أي قانون أو تشريع أي بنية اجتماعية حتى يكون الناس مستعدين للتغيير، وهذه القرية وأهلها قدوة لهم».

وثيقة محفوظة

تم الإبلاغ عن ثماني حالات وفاة مرتبطة بالمهور في عام 2019. وبسبب القيود المالية الناجمة عن جائحة «كورونا»، كانت النساء في كشمير أكثر المتضررين. وذكرت تقارير صحافية تعرض العرائس للتعذيب والحرق، من قبل الأصهار، وأن هذه الحالات قد زادت بشكل كبير، إذ لم تكن أسرهم قادرة على تلبية التوقعات والمطالب من قبل عائلة العريس.

وفي عام 2004، أعاد شيوخ قرية بابواييل صياغة وثيقة وقّعها الإمام وثلاثة أشخاص آخرين، لجعل القاعدة رسمية. والوثيقة محفوظة بأمان في منزل الإمام الحالي. ولا توجد حالة واحدة من العنف الأسري منذ عام 1985، وفقاً لأحد القرويين يدعى بشير أحمد شاه، الذي يؤكد أنه «لم تكن هناك حالة واحدة من العنف الأسري أو الانتحار أو الشجار بين الأصهار منذ إدخال قانون منع دفع المهر».

وقال جافيد شاه، وهو من سكان القرية: «لطالما حلمت بزفاف بسيط. لم أتلقَّ أي شيء من عائلة زوجتي. وإذا كان الأمر غير ذلك، لكانت الأمور قبيحة». ويتم تنفيذ جميع الطقوس بطريقة بسيطة للغاية. ويتحمل أفراد عائلة العريس والعروس معاً نفقات الزفاف. وقد تقدم عائلة العريس مبلغاً لا يتجاوز 50 ألف روبية للعروس، ويتم الاحتفاظ بـ 20 ألف روبية للمهر كوديعة، و20 ألف روبية للملابس، و10 آلاف روبية لتغطية نفقات إضافية أخرى. ويلتحق العديد من الشباب من القرية بالكليات والجامعات المرموقة في جميع أنحاء البلاد، بمعدل معرفة يزيد على 70%. ويعزو القرويون نجاح نظام مكافحة دفع المهور إلى الأهمية المتساوية التي تُعطى لتعليم الأولاد والبنات على حدٍ سواء. ويتم توعية السكان الذكور من قبل قادة المجتمعات بضرورة استئصال نظام المهر من المجتمع.

حالات انتحار

كان لمنع دفع المهر أثر عميق في حياة أهالي بدغر. ويقول سكان القرية إنه لم يتم الإبلاغ عن أي عنف أسري متعلق بالمهر في هذه القرية. كما يُعفى آباء الفتيات من عبء الإنفاق على زواج بناتهم. وقالت الناشطة البارزة في سريناغار، إيزابير علي: «تقديم الهدايا لابنة تتزوج، هو عادة أصبحت قبيحة على مدى فترة من الزمن». وتدير علي مؤسسة غير ربحية تسمى «إحساس»، تعمل من أجل التنمية الاقتصادية للمرأة في إقليم جامو وكشمير.

ولاحظت الناشطة أن تقديم عائلة العروس المهر أصبح «شراً اجتماعياً واتجاهاً خطيراً». وتقول علي إن النساء لا يتحدثن علانية، بشكل عام، عن المطالب التي يطلبها منهن أصهارهن. وظهرت حالات عدة استسلمت فيها المرأة للضغوط، وحاولت الانتحار أو إنهاء مشروع الزواج. وتواجه الفتيات مشكلات جسدية ونفسية نتيجة المهر. وقالت علي: «قرية بدغر مصدر إلهام للآخرين».

وغالباً ما يرتبط المهر بالعنف المنزلي. ووفقاً للمسح الوطني لصحة الأسرة (2019-2020)، الذي أجرته وزارة الصحة ورعاية الأسرة، فإن 9.6% من النساء في الفئة العمرية 18-49 عاماً، قد تعرضن للعنف المنزلي في إقليم جامو وكشمير. كما أفادت الدراسة الاستقصائية أن العنف المنزلي والتحرش الجنسي كان أكثر انتشاراً في المناطق الريفية من إقليم الاتحاد بالمقارنة مع المناطق الحضرية.

720 دولاراً هو الحد الأقصى للمدفوعات من قبل العريس، وتحظر الوثيقة أيّ هدايا من عائلة العروس.

30 دولاراً هو مهر السيدة (ألطاف)، وهذا أقل بكثير من الحد الأقصى الحالي للمدفوعات.

تويتر