تضررت سمعتها إلى حد كبير

سقوط كابول يضع حداً للادعاءات البريطانية بالتفوق العالمي

صورة

بعد الإذلال الذي تعرضت له في أفغانستان، انتهت غطرسة وضلال «بريطانيا العظمى»، لا مزيد من التباهي السخيف، ولا مزيد من الادعاءات بشأن «التفوق على العالم» و«الريادة عالمياً»، ولكن حان الوقت لإجراء مراجعة صادقة لنحدد «من نحن، وما يمكننا القيام به، وما لا يمكننا القيام به بوضوح».

تسببت بريطانيا، «التي ينخر السوس أساسها»، في إلحاق ضرر لا يُحصى بسمعتها في السنوات الأخيرة. جون كاسون، السفير الذي عمل قبل فترة قصيرة في مصر، غرد بحزن مؤكداً فشل أهداف وزارة خارجية بلاده طويلة الأمد، والمتمثلة في الريادة في الاتحاد الأوروبي؛ وتأثيرها في تعاملاتها بشأن التنمية؛ ومساعدة أفغانستان لكي تصبح في حالة جيدة، تعرض كل ذلك للفشل.

«المراجعة المتكاملة» لفترة ما بعد أفغانستان، والتي أجرتها الحكومة أخيراً بشأن الدفاع والسياسة الخارجية تبدو جوفاء، حيث تتمثل المراجعة في: الميل نحو المحيط الهادئ، والتصعيد في إفريقيا، وقيادة حلف شمال الأطلسي (ناتو) في أوروبا، والتعامل بحذر مع الرئيس الصيني، شي جينبنغ، والوقوف في وجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والإنفاق، والانفاق، ثم الانفاق على رؤوس حربية نووية إضافية. حتى مع زيادة ميزانية وزارة الدفاع التي لا يمكن الدفاع عنها والبالغ قدرها 16 مليار جنيه إسترليني، لا يمكن لبريطانيا الاستمرار في التظاهر «بأنها تتحمل مسؤولية لا تستطيع تحملها في الواقع».

لنطرح هذا السؤال: ما الوزن الحقيقي للمملكة المتحدة؟ لننسى «انتصارها الماضي في الغزوات»، ولنحاول قياس الأشياء بذكاء أكثر. نحن نعلم ما نحن رديئون فيه، نعلم كل تلك الحماقات والإخفاقات البريطانية المألوفة - لذا علينا ان نفكر فيما نجيده حقاً: ينبغي أن تبني بريطانيا ما يسمى بـ«القوة الناعمة» على أن الا تعيد تكرار الأوهام الإمبريالية بوسائل أخرى: فكل بلد لديه قوة ناعمة في مجاله الخاص. الحكومات الجيدة ترعى تلك الأصول، لكن حكومتنا تفعل العكس.

ونشير في هذا الصدد لسياسات «الحرب الثقافية» الوحشية التي تشنها الحكومة، والتي هي في الواقع حرب على الثقافة. لماذا تلتهم هذه الحرب أفضل رموز بريطانيا؟ حيث تتعرض هيئة الإذاعة البريطانية، التي تم تخفيض تمويلها بنسبة 30٪ منذ عام 2010، لتهديد شديد، على الرغم من أنها ليست العلامة التجارية الإخبارية الأكثر موثوقية في المملكة المتحدة فحسب، بل أيضاً العلامة التجارية الأكثر ثقة في أميركا. كم هي ثمينة القناة الرابعة، والتي هي الآن معروضة للخصخصة، وتباع بثمن بخس، وهي شريان الحياة لكثير من الإبداع في المملكة المتحدة. لماذا نبيعها؟

كان أول عمل قام به وزير المالية السابق، جورج أوزبورن، في عام 2010، هو خفض ميزانية مجلس الفنون في إنجلترا بمقدار الثلث وميزانيات المتاحف بنسبة 15٪. الآن يكافأ برئاسة المتحف البريطاني، قد يتجول في قاعاته، ويتأمل كيف كانت ثقافة الدولة، وكل ما تبقى لها من الحضارات عندما نكون جميعاً في عداد الأموات.

المجلس الثقافي البريطاني، هو سفير عالمي لثقافتنا ولغتنا وتاريخنا، يشجع الطلاب الأجانب على القدوم إلى المملكة المتحدة، لكنه يكاد ينجو بالكاد - فمن المتوقع إلغاء 2000 وظيفة تابعة له وخروجه من 20 دولة. ومع ذلك، فإن خبراءنا يفهمون التفاصيل الدقيقة للتأثير الدولي لهذا المجلس، كما يقول التقرير الخاص بالمجلس عن التصورات العالمية للمملكة المتحدة: «عندما تسعى الحكومة إلى استغلال القوة الناعمة، ينتهي الأمر بها إلى ازدراء الجاذبية والثقة التي تولدها أصول مثل الفنون والمؤسسات التعليمية». وينصح التقرير الحكومة بأن «ترعى هذه الأصول» ولكن التقرير يقول أيضاً إنها بعد ذلك «تبتعد عن الطريق». الشيء نفسه يحدث في المدارس، فمع تخفيضات كبيرة في ميزانية الموسيقى والفنون والدراما، ومع تقليص أقسام الفنون بالجامعات بنسبة 50٪، فإن ذلك سيقضي على بذرة الإبداع في المستقبل.

لا يمكن تبرير هذه الحرب الثقافية على الجامعات في هذا الوقت، حيث صرنا نشكو أن لدينا عدداً كبيراً جداً من الخريجين بدلاً من أن نتفاخر بأن أربع جامعات بريطانية تحتل المرتبة العاشرة في العالم، لانه بسبب هذه الجامعات تلقى ربع - نعم، ربع جميع قادة العالم تعليمهم في بريطانيا، وهو تأثير ذو قيمة ليس له حدود.

يتم دعم البحث العلمي، خصوصاً التكنولوجيا الحيوية من الدرجة الأولى في بريطانيا، من قبل الحكومة، على الرغم من أن المملكة المتحدة لاتزال تنفق على البحث والتطوير أقل من متوسط دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

نوعية التأثير الوطني هي قيمة غير ملموسة ولا يمكن وصفها أو قياسها. وتنال بعض الدول الإعجاب لروح الكرم التي تتمتع بها، مثل ألمانيا، التي نالت هذا الاعجاب بسبب استقبالها المهاجرين. كم هو غريب أن نسمع وزير الخارجية، دومينيك راب، الأسبوع الماضي، وهو يصف بريطانيا على نحو مخادع بأنها «أمة كبيرة القلب»، حتى في الوقت الذي تنفث فيه الوزارة النار على المهاجرين، وفي الوقت الذي تشرف فيه وزارة الخارجية على تخفيضات المساعدات الخارجية.

التأثير دائماً ينبع من مثال جيد. لكن بوريس جونسون سيكافح لقيادة محادثات المناخ القادمة حتى ولو افتتح منجم فحم، وحفر حقول نفط جديدة في بحر الشمال، وتأخر في اغلاق غلايات الغاز، وفشل في تركيب نقاط شحن للسيارات الكهربائية. «القيادة بالقدوة» هي قضية خاسرة بالنسبة لبريطانيا تحت قيادة زعيم لا يتمتع بالاحترام على نطاق واسع في الداخل أو في الخارج.

كرة القدم هي شيء آخر تبرز فيه بريطانيا بشكل جيد: في يانغون، ميانمار، سألني سائق سيارة أجرة على الفور عن فريق الدوري الإنجليزي الممتاز الذي أؤيده - تجربة مشتركة للبريطانيين في الخارج. ولكن مرة أخرى، ماتت البذرة عندما تم إغلاق 710 ملاعب كرة قدم منذ عام 2010.

حكومة جونسون هي مجموعة من مشجعي فريق «ميل وول» العالميين العنصريين، الذين يهتفون «لا أحد يحبنا، ونحن لا نهتم» بجميع جيراننا. وبعد أن هجرتهم الولايات المتحدة، فإن أكذوبة حزب المحافظين كـ«جسر» عبر الأطلسي قد تحطمت من كلا الطرفين. والسؤال هو لماذا يحتقر الحزب ويقلل من معظم الأشياء التي يمكن أن تكسب بريطانيا الاحترام.

لا تحتاج القوة البريطانية الناعمة إلى التباهي أو ادعاء التفوق على العالم - فقط علينا ان نكون جيدين بما يكفي، على أمل أن نتمكن من إصلاح الضرر. تنتشر القوة الناعمة على الأرجح بسبب الأشياء التي تقدمها الحكومات لإسعاد الناس، لكن المملكة المتحدة تراجعت للتو من المركز الـ13 إلى المركز الـ18 في تقرير السعادة العالمي الصادر عن الأمم المتحدة لهذا العام. وجاءت أفغانستان الفقيرة في المرتبة الأخيرة، وقد تم قياس ذلك قبل عودة «طالبان» إلى السلطة.

مثل حكاية «ايسوب» الخرافية عن المنافسة بين الشمس والريح، كان بإمكاننا أن نحقق أداءً أفضل في أفغانستان إذا تم استبدال كل القوة النارية التي تم إطلاقها خلال الغزو بتسليط القوة الناعمة. إذا كان هذا يبدو عاطفياً في أرض يسودها الرعب، فقط علينا أن نتذكر أن الحملة الغربية لن تكون سيئة في مهمتها المتناقضة، إذا جمعت بين القاسي والناعم، المتمثلة في هدم وبناء الأمة في وقت واحد.

كان أول عمل قام به أوزبورن، في عام 2010، هو خفض ميزانية مجلس الفنون في إنجلترا بمقدار الثلث وميزانيات المتاحف بنسبة 15٪. الآن يكافأ برئاسة المتحف البريطاني، قد يتجول في قاعاته، ويتأمل كيف كانت ثقافة الدولة، وكل ما تبقى لها من الحضارات عندما نكون جميعاً في عداد الأموات.

لا يمكن تبرير هذه الحرب الثقافية على الجامعات في هذا الوقت، حيث صرنا نشكو أن لدينا عدداً كبيراً جداً من الخريجين بدلاً من أن نتفاخر بأن أربع جامعات بريطانية تحتل المرتبة العاشرة في العالم. لأنه بسبب هذه الجامعات تلقى ربع - نعم، ربع جميع قادة العالم تعليمهم في بريطانيا، وهو تأثير ذو قيمة ليس له حدود.

• بولي توينبي..  كاتبة عمود في صحيفة «الغارديان»

تويتر