كوريا الشمالية وأفغانستان وبورما

الأزمات الثلاثية على حدود الصين ستشكل هويتها العالمية

صورة

في البداية كانت كوريا الشمالية، ومن ثم جاءت ميانمار، والآن أفغانستان، وهذه هي الأزمات الثلاث المستمرة على الحدود الصينية، ويبدو أنها لا تحمل الكثير من العوامل المشتركة في ما بينها. ولكن بالنسبة لبكين فإنها تعني السؤال ذاته، والذي مفاده: كيف يجب التعامل مع دول مهمة استراتيجياً، ولكنها فاشلة وتقع على حدودها؟ وكيف يجب أن يكون رد الصين لتحديد هويتها كقوة عالمية؟

ولسنوات عدة كان مراقبو الصين في العالم الغربي يبحثون عن أدلة حول كيفية قيام قوة صاعدة بممارسة نفوذها على المسرح العالمي من خلال ترسيخ وجودها في إفريقيا وعلاقاتها مع الولايات المتحدة. ولكن الطريقة التي تتعامل بها الصين مع الدول الثلاث المجاورة لها ربما تقدم صورة أكثر وضوحاً. وقال المؤرخ البورمي الشهير، والمستشار الرئاسي السابق ثانت مينت يو: «تعتبر ميانمار، وأفغانستان، وكوريا الشمالية بمثابة اختبارات للصين باعتبارها قوة عظمى صاعدة، وما إذا كانت قادرة على سد الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة بمهارة»، وأضاف «شاهدنا الأسلوب الغربي في التعامل مع الدول الفاشلة، والذي يعتمد أساساً على أفكار مرتبطة بالانتخابات الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولكننا لم نرَ حتى الان ما الذي ستقوم بها الصين، التي رفضت في العقود الماضية تصدير نموذجها إلى العالم».

وحتى الآن لايزال الأسلوب الصيني يتسم بالحذر والتقليدية. وبالنسبة لأفغانستان دعت بكين المجتمع الدولي إلى «الإرشاد النشيط» لـ«طالبان». وفي ميانمار فإنها تعرض تقديم تنمية اقتصادية، بعد أن عرقلت إدانة صريحة للانقلاب في مارس الماضي من قبل مجلس الأمن الدولي. وبالنسبة لكوريا الشمالية، فقد تعهدت الدولتان في شهر يوليو الماضي تعزيز التعاون في الذكرى السنوية الـ60 لتوقيع اتفاقية الصداقة والتعاون والمشترك في ما بينهما.

ويختلف النفوذ الصيني في هذه الدول من حيث الطبيعة. وبخلاف أفغانستان التي تتشارك معها الصين بحدود صغيرة، فإن المنطقة الحدودية مع كوريا الشمالية وميانمار تتسم بتاريخ طويل من التفاعل. وقال ثانت مينت يو، الذي ألّف كتاب «التاريخ المخفي لبورما»: «في ميانمار تهدف المصالح العليا الصينية إلى ضمان درجة من الاستقرار، وعدم تدخل أي دولة عظمى، وتعتبر الطموحات الصينية الجيوسياسية الهادفة إلى جعل ميانمار جسراً إلى المحيط الهندي، ثانوية مقارنة بالممارسات التي يزيد عمرها على 1000 عام، والمتمثلة في إدارة الصراعات الهمجية على طول حدودها الجنوبية الغربية».

وتوافق مديرة برنامج الصين في مركز ستيمسون للأبحاث، يون صان، على هذا الطرح. وهي تقول إن الهدف الأساسي للصين كان الأمن على حدودها، والخوف من أزمة لاجئين محتملة. وفي عام 2009 دفع الصراع الدامي في كوكانغ، في ميانمار نحو 30 ألف لاجئ إلى الهروب إلى الصين. وقالت يون صان: «ستراقب الصين عن كثب خلال الأشهر المقبلة إمكانية تدهور الأوضاع في الدول الثلاث».

وفي حالة أفغانستان، فإن بكين لاتزال تدرس إلى أي مدى يمكن أن تمضي في علاقتها مع نظام «طالبان». ويقول النقاد بالنظر إلى أن «طالبان» قوة مهمة في أفغانستان فستواجه الصين معضلات دبلوماسية مع أفغانستان خلال الفترة المقبلة. وقال الباحث رافائيلو بانتشوي من مدرسة راجارنتام للدراسات الدولية في سنغافورة: «أصبحت الصين دولة عظمى الآن، ويتوقع العالم منها التصرف على هذا الأساس».

وحتى الآن ليس هناك من الإشارات التي توحي بأن نهج بكين مع أفغانستان سيكون مشابهاً لما فعلته واشنطن. ففي الأسبوع الجاري قال السناتور الجمهوري، ليندسي غراهام، إنه يعتقد بأن الجنود الأميركيين «سيعودون إلى أفغانستان» في المستقبل. وقال لمحطة «بي بي سي»: «سنعود إلى أفغانستان لأن التهديد سيكون كبيراً».

وقال إنزي هان من جامعة هونغ كونغ، إذا حدث هذا فعلاً، فسيكون ملائماً تماماً للصين التي ترغب في رؤية الولايات المتحدة متورطة عسكرياً مرة أخرى في أفغانستان. وأضاف «وفي أسوأ الحالات فإننا لن نرى الصين متورطة عسكرياً في أفغانستان مثل الولايات المتحدة».

إن مبدأ بكين براغماتي في السياسة الخارجية، ولن يتغير في المنظور القريب، وسيقود ردها على الأحداث في هذه الدول الفاشلة الثلاث، المعلقين الغربيين إلى التوصل إلى استنتاجات حول سلوك الصين، وهي ترسخ هويتها الجديدة باعتبارها لاعباً عالمياً لا يمكن الاستغناء عنه.

• فنسنت ني : مراسل «الغارديان» للشؤون الصينية

تويتر