سبعيني يقاوم أطماع الاحتلال لتهجيره ومصادرة أرضه

5 دونمات في الأغوار مقابل رحلة إلى باريس ومليوني دولار

صورة

منذ 42 عاماً مضت، يقيم الفلسطيني هايل بشارات (76 عاماً) على أعلى تلة مرتفعة في خربة حمصة التحتا بالأغوار الفلسطينية بالقرب من الحدود الأردنية، مكملاً مشوار والده في زراعة الأشجار والمحاصيل الزراعية، ورعي رؤوس الماشية والأغنام، ولكن لم يتسن لبشارات أن يواصل مسيرة الآباء والأجداد، فقد باغته الاحتلال بعمليات هدم للمنازل التي يبنيها، ومصادرة الأراضي التي يمتلكها منذ عام 1996 حتى هذه اللحظة.

حصار ثلاثي

اليوم يعيش هذا السبعيني أعلى التلة البالغة مساحتها خمسة دونمات، برفقة عشرة أفراد من عائلته فقط، بعد أن هجر الاحتلال 38 فرداً من أولاده وعائلاتهم، والذين أجبروا على الرحيل، والانتقال للسكن في قرى مجاورة، بفعل ارتفاع وتيرة الهدم والمصادرة ضد أرض الحاج بشارات وممتلكاته، إذ يمتلك أيضاً 15 دونماً من إجمالي مساحة خربة حمصة التحتا البالغة 2000 دونم، حيث يستخدمها كأراضٍ زراعية، ومراعٍ لرؤوس الماشية والأغنام التي يمتلكها.

من تبقى من عائلة الحاج بشارات يعيشون محاصرين على القمة الجبلية من ثلاث جهات، تحيطها مستوطنة الحمرا، ومعسكر لتدريب قوات الاحتلال، وحاجز الحمرا العسكري الإسرائيلي، إلى جانب استمرار بناء البؤر الاستيطانية على أجزاء من أراضي حمصة المصادرة، ويتعرض السكان لاعتداءات متواصلة من قبل المستوطنين.

هذا الحصار الإسرائيلي الذي يهدف للسيطرة على منطقة سكن هذا الفلسطيني وصل إلى حد الترغيب المالي، حيث يواصل الاحتلال تقديم عروض مغرية بمبالغ طائلة، مقابل تفريط عائلة بشارات بالتلة التي تسكنها منذ عشرات السنين، وهو ما يرفضه هذا الرجل.

رحلة سياحية ومبالغ طائلة

انتقلت «الإمارات اليوم» إلى خربة حمصة التحتا حيث يسكن بشارات برفقة زوجته وابنه محمود وأسرته، واثنتين من بناته (من ذوات الهمم)، حيث كان يتكئ على شجرة زيتون تجاورها حظائر الأغنام والماشية التي تعد مصدر دخله.

ويقول بشارات: «قبل ثلاث سنوات كان يتواجد بشكل دائم على حاجز الحمرا العسكري الذي يبعد عن أرضنا مسافة 250 متراً فقط، قوات جهاز الارتباط الإسرائيلي، وفي الأيام ذاتها فوجئت باقتحام ثلاثة ضباط التلة التي أقيم فوقها، وعرفوا أنفسهم بأنهم من هذا الجهاز، وقدموا عرضاً بمليوني دولار أميركي مقابل الخروج من هذه التلة، وكان ردي أن هذه الأموال لا تساوي شجرة زيتون زرعتها في أرض أجدادي».

كما تلقى المسن الفلسطيني عرضاً آخر من قبل الاحتلال، لترغيبه في الرحيل من أرضه، وعن ذلك يقول: «جاءني في أحد الأيام ضابط الإدارة المدنية الإسرائيلية، وقال لي خذ هذا المبلغ وغادر هذه المنطقة إلى باريس للسياحة فترة ما، ولكن الرد الذي أمتلكه دائماً مقابل هذه المحاولات هو الرفض المطلق، حيث أخبرته بأن هذا المبلغ لا يقدر بثمن حبة زيتون على غصن إحدى الشجرات التي زرعتها على مدار سنوات طوال».

هذا الرفض قابله الاحتلال بمزيد من تشديد الخناق على عائلة المسن بشارات، من خلال إصدار المزيد من قرارات هدم منازلها، وإزالة حظائر الأغنام التي تمتلكها، إلى جانب تصاعد وتيرة اعتداءات المستوطنين على ممتلكات العائلة الفلسطينية، ومحاصيلها الزراعية ذات المساحات الشاسعة، وذلك بحسب الرجل السبعيني.

ويلفت المسن الفلسطيني إلى أن الاحتلال يهدف للسيطرة على أرضه التي يسكن عليها، تمهيداً لسلب دونماته الزراعية البالغ مساحتها 200 دونم، حيث يعتبرها مناطق استراتيجية، من أجل ضمها لمصلحة إقامة بؤر استيطانية جديدة تابعة لمستوطنة الحمرا.

ويمضي بشارات بالقول: «إن الاحتلال يتذرع بأن أراضينا تقع ضمن مناطق أثرية، ولكن في حقيقة الأمر هو يطمع في نهبها، لأنها تطل وتشرف على حاجز الحمرا العسكري ومستوطنة الحمرا ومعسكر جيش الاحتلال، إلى جانب استخدامها كمنطقة مراقبة لفرض سيطرته على القادمين من مدينة أريحا ومدن الضفة الغربية».

ورغم ذلك، لاتزال محاولات الاحتلال للسيطرة على أرض الرجل السبعيني من خلال الترغيب المادي مستمرة، من خلال الحصار والتضييق وعمليات وأوامر الهدم والمصادرة المتواصلة، فهذه وتلك وجهان لعملة واحدة، تتصلان بهدف واحد بأسلوب مغاير، وهو تهجير عائلة بشارات ومصادرة أرضها، وضمها لمشاريع التوسع الاستيطاني.

ويقول المسن الفلسطيني: «استلمت حديثاً أوامر هدم المنازل التي نعيش بداخلها، وإزالتها بالكامل، إلى جانب وقف البناء في حظائر الأغنام التي نشيدها خلال هذه الفترة، إلى جانب تعرض المحاصيل الزراعية للتجريف والسرقة والحرق من قبل المستوطنين بشكل شبه يومي».

مضايقات متصاعدة

وقف بشارات بجانب منزله القائم على التلة المرتفعة ليشير إلى مخلفات هدم منازله وحظائر الأغنام التي يمتلكها على يد قوات الاحتلال خلال الفترة الماضية. وعاد المسن الفلسطيني ثانية للجلوس بجانب شجرة الزيتون المُعمرة، ليواصل حديثه قائلاً: «تواجه عائلتي وجميع سكان خربة حمصة التحتا معاناة مضاعفة، جراء الممارسات التعسفية من قبل الشركات الاستيطانية، وجنود الاحتلال».

ويضيف: «أشد أوجه المعاناة التي تنغص حياتنا رفض شركة الكهرباء الإسرائيلية مد خطوط الكهرباء إلى منازلنا، إلى جانب منع الاحتلال استخدام مياه البئر الجوفية التي حفرتها منذ عشرات السنين، وإلى جانب ذلك تنهب شركة المياه الإسرائيلية (ميكروت) مصادر المياه في خربة حمصة التحتا، وترفض أيضاً بيعها لنا».

ويتابع بشارات حديثه بالقول: «نضطر لسير مسافات تتجاوز آلاف الأمتار تجاه قرى (عاطوف) و(عين شبلة)، لشراء صهاريج المياه، التي يبلغ ثمن الكوب الواحد منها 25 شيكلاً، لري الأشجار وسقاية رؤوس الماشية والأغنام، حيث نحتاج إلى خمسة أكواب يومياً». ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بحسب المسن بشارات، فقد أحضر الاحتلال أعداداً كبيرة من المستوطنين إلى مستوطنة الحمرا بعد إجراء عمليات توسع استيطاني داخلها، والذين يتصدرون حالياً مشهد الاعتداء ضد العائلة والسكان الفلسطينيين.

ويلفت الرجل الفلسطيني إلى أن الاحتلال سمح لمستوطن قدم خلال شهر يوليو الماضي إلى مستوطنة «الحمرا»، ببناء البؤر الاستيطانية والبيوت المتنقلة، في منطقة قريبة من منازل السكان، إلى جانب إطلاق مئات رؤوس الأغنام التي يمتلكها في المراعي الواسعة التابعة للعائلة الفلسطينية.

يقول بشارات: «قبل ثلاث سنوات كان يتواجد على حاجز الحمرا العسكري الذي يبعد عن أرضنا مسافة 250 متراً فقط، قوات جهاز الارتباط الإسرائيلي، وفي الأيام ذاتها فوجئت باقتحام ثلاثة ضباط التلة، وعرفوا أنفسهم بأنهم من هذا الجهاز، وقدموا عرضاً بمليوني دولار مقابل الخروج من هذه التلة، وكان ردي أن هذه الأموال لا تساوي شجرة زيتون زرعتها».

• الاحتلال سمح لمستوطن قدم خلال شهر يوليو الماضي إلى مستوطنة «الحمرا»، ببناء البؤر الاستيطانية والبيوت المتنقلة في منطقة قريبة من منازل السكان، إلى جانب إطلاق مئات رؤوس الأغنام التي يمتلكها في المراعي الواسعة التابعة للعائلة الفلسطينية.

تويتر