المكسيك تنظّم «يانصيب» لتوزيع ممتلكات «المافيا»

إيطاليا تصادر قصور بارونات المخدّرات وممتلكاتهم

صورة

خارج مدينة باليرمو القديمة، تتشبث هياكل منازل كبيرة بتلة «مونتي غالو»، على ساحل صقلية، ولكن لا يوجد أحد في المنازل ما عدا الطيور والجرذان. وبدأت شركة مرتبطة بزعيم «المافيا» ميشيل جريكو، البناء في المكان، في أواخر السبعينات، وبحلول الوقت الذي أوقف فيه المسؤولون العموميون المشروع، كان 170 قصراً قيد الإنشاء بالفعل. واليوم، تُعرف مجموعة الهياكل الخرسانية لفيلات «المافيا»، باسم «بيتزو سيلا» أو «تل العار».

وفي بلدان مثل إيطاليا والمكسيك، حيث تتمتع عصابات الجريمة بنفوذ كبير، غالباً ما يلعب رجال العصابات وزعماء الكارتلات، دوراً مهماً في المدن، حيث ولدوا. وهم يشاركون في مشروعات بناء كبيرة كوسيلة للربح من عقود العطاءات أو لغسل الأموال، ويقومون ببناء قصور فاخرة كرموز للمكانة لأنفسهم ولعائلاتهم. وحتى إن بعض هذه القصور لديها مخابئ وأنفاق معقدة تحت الأرض، تم بناؤها للمساعدة في التهريب أو لتكون بمثابة وسيلة للهروب الطارئ، أو للعيش تحت الأرض بالكامل، إذا اقتضت الضرورة.

ويقول المصور الصقلي، أليسيو مامو: «لسوء الحظ، توجد في معظم مدن جنوب إيطاليا بقايا هياكل منازل (المافيا)، والتي غيرت طابع هذه الأماكن». وقام بتوثيق فيلات وأطلال «المافيا» بكاميرته، ما أدى إلى إنشاء سجل فوتوغرافي لمدى قوة تغيير «المافيا» في مظهر الأماكن العامة، في المنطقة. ويوافق المهندس المعماري المكسيكي ومخطط المدن، إيلوي مينديز، الذي يبحث في «هندسة المخدرات» في جامعة بويبلا، على أن «الهندسة المعمارية وتجارة المخدرات مرتبطان ارتباطاً وثيقاً».

ويقول إن الاستثمارات العقارية من الجريمة المنظمة أوجدت مناظر مدن جديدة تماماً في أميركا اللاتينية. والهياكل الفخمة تشبه «لغتهم الخاصة، التي يريدون التباهي بها وتمييز أنفسهم عن غيرهم». ويضيف مينديز، أن الهياكل غالباً ما تكون عديمة الذوق ومُفرطة. ومن الأمثلة البارزة على ذلك مقبرة «غاردين ديل هومايا» في كولياكان، مهد كارتل «سينالوا».

أضرحة فاخرة

ويتنافس زعماء المخدرات وعائلاتهم لبناء أكثر الأضرحة تفاخراً هناك، وهي هياكل تذكّر بالمعابد والقصور ذات الطراز الاستعماري. وهي تشمل عناصر مثل القباب والأقواس والأعمدة. والهياكل هي، أيضاً، رموز للسلطة، ووجودها يساعد «المافيا» والكارتلات على السيطرة على الفضاء العام والسيطرة على المناطق المحيطة. ولكن الحكومات والمجتمع المدني يحاولان استعادة المدن.

ومنذ عام 1982، صادرت إيطاليا أكثر من 36 ألف عقار مملوك لـ«المافيا». وتقول الباحثة في شؤون «المافيا» في جامعة أكسفورد، زورا هاوزر: «المصادرة هي إحدى أكثر الأدوات فاعلية في مكافحة الجريمة المنظمة»، موضحة أن «حرمانهم من الأصول يعرقل عملياتهم ويعمل كرادع».

وتعتقد هاوزر أن «الأكثر تأثيراً هو عودة الأصول والشركات والممتلكات والمباني إلى المجتمع»، متابعة «إنها علامة على استعادة الدولة والشعب السيطرة». وتقول الباحثة إنه في الواقع أكثر ما يخشاه رجال العصابات: فقدان السيطرة على أراضيهم. ووفقاً لمنظمة «لبيرا» المناهضة لـ«المافيا»، استلمت نحو 1000 بلدية إيطالية مباني أو ممتلكات مصادرة من الدولة لتحويلها إلى الاستخدام العام.

وبالإضافة إلى ذلك، هناك نحو 900 منظمة غير ربحية أو مجموعات تدير ممتلكات «المافيا» السابقة. وتستفيد مجموعة «غويل» التعاونية في كالابريا، أيضاً، من الاستراتيجية الإيطالية لإعادة توزيع ممتلكات «المافيا» السابقة. وتستخدم المجموعة، حالياً، ثلاثة مبانٍ سابقة لـ«المافيا»، لكنهم تعلموا أيضاً أن العصابات لا تتخلى عن ممتلكاتها دون قتال.

الرد على التهديدات

وفي كالابريا، التي تدير منها مافيا «ندرانجيتا» الوحشية إمبراطوريتها العالمية، انضم المزارعون وأصحاب الأعمال، وغيرهم لتشكيل تعاونية للوقوف في وجه «المافيا»، والرد على تهديداتهم، ومطالبهم بأموال الحماية. وتدير «غويل»، أيضاً، مبادرات اجتماعية عدة في مجالات مثل الزراعة العضوية والسياحة والأزياء المستدامة، ومستحضرات التجميل العضوية. وهكذا تمكنت المجموعة التعاونية من توفير فرص عمل لنحو 400 شخص، في واحدة من أفقر المناطق، وأكثرها فساداً في أوروبا، وهو المكان الذي تعتبر فيه «المافيا» أكبر صاحب عمل، وحيث فقدت الدولة سيطرتها إلى حد كبير.

ويضم أحد المباني التي كانت مملوكة لـ«المافيا» سابقاً، عمال «غويل»، بينما تعمل الخياطات في مبنى آخر، وينتجن ملابس لعلامة الأزياء العضوية. وأحدث إضافة هي فيلا سابقة كانت ملكاً لزعيم مافيا، حولتها المبادرة إلى فندق. ودفعت المدينة مقابل الأثاث الجديد، وضمنت عدم دفع إيجار لمدة 10 سنوات؛ كما يتم توفير الماء والكهرباء مجاناً.

ولكن بعد 10 أيام من فوز «غويل» بالمناقصة الخاصة بالمبنى، تحرك أعضاء «المافيا» بقوة، ما أدى إلى إتلاف وسرقة أجزاء من نظام إمداد المياه، وتسبب في أضرار بقيمة 50 ألف يورو.

ومنذ ذلك الحين، دأب فريق العمل في المجموعة على إقامة حفلات كلما ضربت «المافيا». وأي مبادرة مناهضة للعصابات يجب أن تشهد مثل هذه الهجمات. وفي إحدى المرات، قام أفراد العصابات بإحراق مزرعة وتدمير الجرارات وإتلاف مخزون المستودعات.

ويقول رئيس مجموعة «غويل»، فينسينزو ليناريلو: «عندما يصاب الناس باليأس ويفقدون الأمل، يكون من السهل السيطرة عليهم»، متابعاً «عندما يهاجمنا عناصر (المافيا)، نردّ بمهرجانات تمنح الناس الشجاعة».

على الجانب الآخر من الكرة الأرضية، ستُجري قريباً عملية سحب على الممتلكات المصادرة من السياسيين الفاسدين وأباطرة المخدرات، في المكسيك. وفي منتصف شهر سبتمبر، سيتم إجراء «يانصيب» خاص، يشمل منزل في كولياكان، استخدمه خواكين غوزمان، المعروف بلقب «إل تشابو»، في عام 2014. وكذلك فيلا بالقرب من مكسيكو سيتي، كانت مملوكة لأمادو كاريلو، الزعيم السابق لكارتل «خواريز». ومقابل 250 بيزو لكل تذكرة «يانصيب»، أي ما يعادل 11 يورو، ستتاح للمشاركين فرصة الفوز بـ«بيت مخدرات». وتخطط الحكومة لاستخدام عائدات «اليانصيب» لتعزيز حملة التطعيم ضد فيروس «كورونا». إلى ذلك، لا تبدو الخطة المكسيكية محل ترحيب من قبل الكثيرين.

ويعتقد خبير الجريمة، إدجاردو بوسكاليا، أن السحب هو مجرد «عرض». ويقول إن «اليانصيب» لن يؤدي إلا إلى «إعادة بعض الأصول إلى الناس». ومع ذلك، يقول بوسكاليا، إن المكسيك تفتقر إلى استراتيجية وطنية، وقوانين تتطلب من القضاة إعادة توزيع جميع الأصول المصادرة على منظمات المجتمع المدني، التي يقودها ضحايا الجريمة المنظمة، والتي تساعد أولئك الذين تضرروا. ويقول إن عودة مثل هذه الممتلكات «ليست هدية». ويجب استخدامها لمساعدة الضحايا على إعادة الاندماج في عالم العمل والمجتمع.

جنون البناء

غيّرت العصابات شكل المدن الإيطالية، ودمّرت المناظر الطبيعية بالخرسانة لتأكيد سلطتها. وهندسة «المافيا» المعمارية، مثل جميع أنشطتها، لها تركيبها ومنطقها ووظيفتها.

وقد استبدلت «المافيا» منازل ومباني رائعة، تعود للقرن التاسع عشر، بكتل خرسانية. ويمكن ملاحظة ذلك في العشرات من المباني غير المكتملة والمتداعية على الشواطئ الرائعة، حيث سُمح للعصابات، التي تربطها صلات بالإداريين العامين، بإطلاق المشروعات العمرانية. ومن خلال النظر إلى الفيلات المثيرة والغريبة لزعماء الكارتلات، يتضح أن كل واحدة منها دليل على القوة، تماماً مثل الأنظمة الديكتاتورية. إن ذلك كان نتيجة جنون بناء في الستينات والسبعينات، عندما أمر فيتو سيانسيمينو، وهو أحد رجال العصابات من عشيرة كورليونيسي العنيفة، بهدم قصور عتيقة رائعة، لإفساح المجال للكتل الخرسانية الضخمة.

النموذج الإيطالي

تقيم مجموعة «غويل» الحفلات وتجمع التبرعات، وتنظم حملات دعائية لتسليط الضوء على الأساليب التي تستخدمها «المافيا». ويقول رئيس مجموعة «غويل»، فينسينزو ليناريلو إن التهديدات أصبحت قليلة «لقد فهموا على ما يبدو أنهم يجعلوننا أقوى مع كل هجوم». وسعت مناطق أخرى إلى محاكاة النموذج الإيطالي، مثل برلين. وفي العاصمة الألمانية، هناك خطط تتبلور بجدية، لمنح العقارات المصادرة إلى المبادرات غير الهادفة للربح.

وفي عام 2018، صادر المسؤولون 77 عقاراً تابعاً لعصابة «رمو»، بما في ذلك المباني السكنية والشقق، بالإضافة إلى فيلا وحديقة خاصة. وتدعو الخطط إلى تحويل الفيلا الواقعة في حي نويكولن، في برلين، إلى مركز للشباب. وعلى الرغم من ذلك، يجب على المسؤولين طرد المستأجرين الحاليين، وجميعهم أعضاء في عائلة العصابة.

36 ألف عقار مملوك لـ«المافيا» تمت مصادرتها في إيطاليا منذ عام 1982.

900 منظمة غير ربحية أو مجموعات تدير ممتلكات «المافيا» السابقة.

بعض هذه القصور لديها مخابئ وأنفاق معقدة تحت الأرض، تم بناؤها للمساعدة في التهريب أو لتكون بمثابة وسيلة للهروب الطارئ، أو للعيش تحت الأرض بالكامل، إذا اقتضت الضرورة.

تويتر