باكستان سيكون لها دور حاسم في مستقبل أفغانستان

في مقامرة تضع الأمل في مواجهة التاريخ، يراهن الرئيس الأميركي، جو بايدن، وفريقه على أن حركة «طالبان» المتمردة ستوافق على اتفاق سلام متفاوض عليه في أفغانستان، وأن باكستان، التي ترعى الجماعة المسلحة منذ فترة طويلة، ستضغط عليها لتقاسم السلطة مع الحكومة الأفغانية. ولكن العديد من الخبراء يقولون إن مثل هذه الآمال وهمية، ومن المرجح أن ينتصر التاريخ في النهاية، إذ ستستمر باكستان وقيادة «طالبان» - التي لاتزال تتخذ من باكستان مقراً لها - في دعم بعضهما بعضاً في ساحة المعركة، وكذلك على طاولة المفاوضات.

باختصار، تريد باكستان انتصار «طالبان»، أو على الأقل هي غير مستعدة لفعل الكثير لمنع حدوث ذلك. كما أن إسلام آباد تدعم هجوم «طالبان». وفي ذلك يقول بروس ريدل، الذي شغل منصب كبير المستشارين لشؤون جنوب آسيا والشرق الأوسط لأربعة رؤساء أميركيين: «من دون الدعم اللوجستي الباكستاني، لن تتمكن (طالبان) من شن هجوم واسع النطاق، تسعى إليه»، متابعاً «وكالة الاستخبارات الباكستانية مسرورة بالفعل، لأنها طردت جميع القوات الأجنبية من أفغانستان؛ والهدف الآن هو إثارة الذعر في الحكومة الأفغانية والجيش الأفغاني». وحجة فريق بايدن هي أنه حتى مع انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، لا ترغب حركة «طالبان» ولا إسلام آباد في تكرار التاريخ الدموي الذي أدى إلى أحداث 11 سبتمبر.

وفي غضون ذلك، قال قادة «طالبان» والمسؤولون الباكستانيون ذلك بأنفسهم أخيراً، كما أكده كبير المفاوضين الأميركيين، زلماي خليل زاد، «قالت (طالبان) إنها لا تريد أن تكون دولة منبوذة»، موضحاً «يريدون أن يتم الاعتراف بهم، والحصول على المساعدة».

ولكن هذا الخطاب المعتدل لا يتوافق مع الحقائق على الأرض. وعلى الرغم من تقديم قياديي الحركة أنفسهم كدبلوماسيين، على المسرح العالمي، منذ بدء محادثات السلام مع الأميركيين، في عام 2020، فإن «طالبان» استأنفت ممارساتها الوحشية السابقة، بعد استيلائها على المدن الأفغانية الكبرى، مثل قندهار، ولشكر جاه، وهيرات.

وهذا الأسبوع، اعترفت حتى حكومة الولايات المتحدة بهذه الحقيقة، وكتبت السفارة الأميركية، في كابول، على «تويتر»، يوم الإثنين «في مدينتي سبين بولداك وقندهار، قتلت (طالبان) عشرات المدنيين في عمليات قتل انتقامية»، مضيفة «جرائم القتل، هذه، يمكن أن تشكل جرائم حرب، ويجب التحقيق ومحاسبة مقاتلي الحركة أو القادة المسؤولين».

نفوذ كبير

على مدار العقد الماضي، دعمت باكستان حركة «طالبان» حتى في مواجهة تحالف بقيادة الولايات المتحدة يضم 46 دولة. ومن غير المرجح أن تتغير هذه السياسة، الآن، مع مغادرة الجيش الأميركي وحلف شمال الأطلسي. وفي مواجهة الهند، فإن باكستان متحفزة أكثر من أي وقت مضى لدعم المتمردين، في أفغانستان، الذين يسعون لموازنة نفوذ نيودلهي في المنطقة. وتخشى إسلام آباد من قيام حكومة أفغانية قوية متحالفة مع الهند والغرب، الأمر الذي قد ينتهي بتطويق باكستان. وفي الوقت نفسه، يبدو أن محادثات السلام تراوح مكانها، في وقت لا تبدو «طالبان» أو الرئيس الأفغاني أشرف غني، مستعدين للتفاوض، إذ يدعي كل طرف الشرعية وأنه الحاكم الشرعي.

وفي خضم ذلك كله، تجلس باكستان، التي لاتزال تتمتع بنفوذ كبير - وإن كان يتضاءل- على «طالبان»، إذ إنها تستضيف العديد من قادة الجماعة وعائلاتهم. وفي سلسلة من المحادثات، في واشنطن، الأسبوع الماضي، قال مستشار الأمن القومي الباكستاني، مؤيد يوسف، إنه توصل إلى «لقاء العقول» مع نظيره الأميركي، جيك سوليفان، بشأن الحاجة إلى تسوية سياسية. وأكد يوسف «لن نقبل استيلاءً بالقوة» على أفغانستان. ومع ذلك، فإن هذا هو ما تنوي «طالبان» فعله، كما يقول بعض المراقبين؛ ومن غير المرجح أن تقف إسلام آباد في طريقهم.

وقال سفير الولايات المتحدة السابق في أفغانستان، ريان كروكر: «من الغباء الاعتقاد بأن حركة (طالبان) أكثر ليونة ولطفاً مما كانت عليه عام 2001»، موضحاً، «إذا كان هناك أي تغيير فهو أن (طالبان) باتت أصعب وأقسى». وبعد 20 عاماً، استعادت الحركة، أخيراً، زمام الأمور، وهم «غير مهتمين بالتحدث إلى أي شخص إلا إذا كان الأمر يتعلق بشروط الاستسلام»، يضيف كروكر. ويبدو أن إدارة بايدن تعتقد أنه يمكنها تجنب هذه النتيجة من خلال المفاوضات. وغرد سوليفان بعد اجتماعه مع يوسف، في 29 يوليو، أن المسؤولين «ناقشا الحاجة الملحة للحد من العنف في أفغانستان، وتسوية سياسية تفاوضية للصراع».

ولم تقل إدارة بايدن سوى القليل عن مناقشاتها مع إسلام آباد. لكن المسؤولين الأميركيين لم ينفوا حجة يوسف، التي أدلى بها في اجتماع مع الصحافيين، بأن كل ما طلبه سوليفان هو مساعدة باكستان «لجمع طرفي النزاع في غرفة واحدة لإجراء محادثات صادقة»، على حد تعبير يوسف.

أسباب استراتيجية

ويعتقد خبراء ومراقبون أن إسلام آباد تفضل نتيجة توافق فيها «طالبان» على أن تصبح جزءاً من حكومة ائتلافية. وقال جيمس دوبينز، الذي عمل ممثلاً خاصاً للولايات المتحدة في أفغانستان وباكستان، إن الباكستانيين عملوا في الماضي على إيصال «طالبان» إلى طاولة السلام. ويشعر المسؤولون المدنيون الباكستانيون بقلق متزايد من أن «طالبان»، بعد إضفاء الشرعية عليها من قبل المفاوضين الأميركيين، لم تعد خاضعة للسيطرة، وقد تلهم المقاتلين المناهضين لإسلام آباد عبر الحدود. وأوضح دوبينز «أعتقد أنه لا يوجد سبب حقيقي للشك في أن الحل المفضل لديهم هو حكومة تضم (طالبان)، وكذلك موالية لباكستان؛ لكنها متوازنة بما يكفي بحيث تتمتع بالشرعية الدولية»، متابعاً «لكنهم ليسوا مستعدين لتسليح (طالبان) بقوة للحصول على هذا».

من جهته، قال كروكر إن أسباب دعم باكستان لـ«طالبان» واضحة واستراتيجية تعود إلى نهاية الحرب الباردة. وقد تحالفت باكستان والولايات المتحدة ضد الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، وساعدتا في تدريب المقاومة الأفغانية، التي كانت تتألف إلى حد كبير من مسلحين إسلاميين. وبعد انسحاب السوفييت، في عام 1989، غادرت الولايات المتحدة، أيضاً، تاركةً الباكستانيين يواجهون حرباً أهلية على حدودهم. وشعرت باكستان أنه ليس لديها خيار سوى دعم حركة «طالبان» التي كانت مهيمنة في ذلك الوقت، والتي اعتبرتها إسلام آباد، في نهاية المطاف، بمثابة توازن مع النفوذ الهندي.

وقال كاتب العمود الباكستاني، مشرف زيدي، إن العديد من المسؤولين الباكستانيين بدأوا في التعبير عن هذه المخاوف علناً. وعلى الرغم من أن باكستان ليست بريئة، إلا أن الأميركيين يميلون إلى المبالغة في درجة السيطرة التي يمارسها الجيش الباكستاني وجهاز المخابرات، وأوضح زيدي «لا يمكن لباكستان أن تسيطر على عاصمتها، ناهيك عن أفغانستان». ويتوقع العديد من الخبراء حرباً أهلية دامية واستهداف الأفغان، الذين يُعتبرون دمى أميركية؛ وحرمان النساء والفتيات من الحقوق التي مُنحت لهن في ظل الاحتلال الأميركي.

دعاية سيئة

هناك نزوح جماعي، بالفعل، للمترجمين وغيرهم من الأفغان المتعاونين مع الولايات المتحدة، الذين يسعون للحصول على تأشيرات هجرة خاصة. وعلاوة على ذلك، فإن «طالبان» لم تقطع علاقتها مع تنظيم «القاعدة»، على الرغم من وعودها بذلك، ومن المرجح أن تجد الجماعة الإرهابية ملاذاً جديداً في الأجزاء التي تسيطر عليها «طالبان» في أفغانستان. ومن المؤكد أن رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، لا يريد الدعاية السيئة المرتبطة بمثل هذه النتيجة، لكنه قال بنفسه إن تقليص تهديد الهند، أمر بالغ الأهمية في الاعتبارات الاستراتيجية لباكستان.

وطالما عُرفت باكستان بسلوك متقلب، لكن إحجام الولايات المتحدة عن الضغط على باكستان بقوة مفرطة متجذر في خوف واحد: باكستان دولة مسلحة نووياً. وعزل باكستان وتعريفها على أنها داعمة للإرهاب يمكن أن يخلق بسهولة كابوساً أسوأ بكثير ممّا حدث في أواخر التسعينات، عندما مكنت شبكة تهريب باكستانية ليبيا من الحصول على تصاميم أسلحة نووية.

وفي غضون ذلك، تواصل واشنطن وإسلام آباد التظاهر بالحنكة الدبلوماسية، أمام العالم؛ إلا أن كروكر يرى أن «تسوية يتم التفاوض عليها هي أفضل ما يمكن التوصل إليه، إلا أن ذلك لن يتحقق؛ لذا فإن الباكستانيين لا يشعرون بالحرج في إعلان ما يريدون تحقيقه».

مخاوف متزايدة

الأمر الأكثر إثارة للخوف بالنسبة لواشنطن هو احتمال انقسام باكستان غير المستقرة والمعزولة، وقد يسيطر المتطرفون على الأسلحة النووية للبلاد. وحتى نفوذ الولايات المتحدة، عند استخدامه، أثبت أنه محدود، وحتى أقل فاعلية الآن بعد أن زادت الصين الصاعدة من المساعدات والاستثمار في مواجهة العداء الأميركي لبكين. وبالنسبة للصين، يُعد «الممر الاقتصادي» مع باكستان أحد أكبر الأجزاء في مبادرة الحزام والطريق الضخمة. وبشكل عام، انخفضت المساعدات العسكرية الأميركية لباكستان بنسبة 60%، بين 2010 و2017، «دون تأثير كبير في سلوك باكستان»، وفقاً لدراسة أجرتها مؤسسة «بروكينغز»، عام 2018.

• تريد باكستان انتصار «طالبان»، أو على الأقل هي غير مستعدة لفعل الكثير لمنع حدوث ذلك.

• الخطاب المعتدل لا يتوافق مع الحقائق على الأرض. وعلى الرغم من تقديم قياديي الحركة أنفسهم كدبلوماسيين، على المسرح العالمي، فإن «طالبان» استأنفت ممارساتها الوحشية السابقة، بعد استيلائها على المدن الأفغانية الكبرى.

• يشعر المسؤولون المدنيون الباكستانيون بقلق متزايد من أن «طالبان»، بعد إضفاء الشرعية عليها من قبل المفاوضين الأميركيين، لم تعد خاضعة للسيطرة، وقد تلهم المقاتلين المناهضين لإسلام آباد عبر الحدود.

• حجة فريق بايدن هي أنه حتى مع انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، لا ترغب حركة «طالبان» ولا إسلام آباد في تكرار التاريخ الدموي الذي أدى إلى أحداث 11 سبتمبر.

الأكثر مشاركة