لافتقارها لأي علاقة حقيقية ثقافية أو تاريخية مع الشعب الفلسطيني

الولايات المتحدة لا يمكنها البقاء في عملية السلام

صورة

خلال الصراع الذي اندلع بين حركة المقاومة الإسلامية «حماس» وإسرائيل، في مايو الماضي، كانت مصر، وليست الولايات المتحدة، هي التي توسّطت من أجل التوصل إلى هدنة بين الطرفين في 21 مايو الماضي. ونجح الدبلوماسيون المصريون في التوصل إلى إنهاء الصراع بالتفاوض عن طريق الاستفادة من علاقاتهم السياسية والثقافية مع «حماس»، وعلاقاتهم الدبلوماسية مع إسرائيل، على الرغم من أن الإعلام الأميركي سلّط الضوء على دور إدارة الرئيس جو بايدن، ولكن في واقع الأمر كانت مصر، وبدعم من حلفائها العرب، هي التي قامت بهذا الدور.

وعلى الرغم من مشاركة واشنطن في وقف الصراع، إلا أن ذلك تم بصورة جانبية وليست أساسية، إذ إنها ليست لها أي علاقات دبلوماسية مع «حماس» التي ترفض اتفاقات أوسلو والاعتراف بإسرائيل، وتعارض حل الدولتين. وقامت واشنطن بتصنيف «حماس» منظمة إرهابية منذ سنوات عدة.

تعقيد

وتمثل التعقيد المهم الذي طال عملية السلام في أن «حماس» أصبحت لاعباً رئيساً في عملية السلام، بعد أن سيطرت على غزة، إثر تصويت عام 2006، حيث يعيش نحو مليوني فلسطيني، ولكن ثمة علاقة دبلوماسية بين الولايات المتحدة ومنظمة التحرير الفلسطينية التي تسيطر على الضفة الغربية، حيث يعيش نحو 2.7 مليون شخص، ولكنها ليست قوية جداً، منذ اتفاق أوسلو عام 1993، ولكن هذا الاتفاق لم يؤد إلى نتائج مهمة. ووصلت هذه العلاقة إلى الحضيض خلال حكم إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، ولكن أخيراً التقى وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، لإصلاح العلاقات بين الطرفين. وبالتأكيد، فإن إدارة بايدن لن تستطيع العودة عن جميع الخطوات التي اتخذها ترامب في سعيها لإصلاح العلاقات مع منظمة التحرير.

وعلى الرغم من أن «فتح» ليست متشددة مثل «حماس»، إلا أنها تسيطر على الضفة الغربية، وتعاني مشكلة الفساد، وهي تواصل إحكام قبضتها على السلطة الفلسطينية بعد 15 عاماً من الانتخابات الأخيرة التي قادها محمود عباس، الذي يعتقد أنه تمكن من جمع ثروة تقدر بـ100 مليون دولار. وإضافة إلى كل ذلك، فإن «حماس» و«فتح» تتنافسان بشدة من أجل السيطرة على القرار الفلسطيني، وأحد الأسباب التي تمنع قيام انتخابات جديدة هو خوف «فتح» من فوز «حماس» بها.

نهج موحّد

ونكرر مرة أخرى أن مصر، التي عملت بهدوء خلال سنوات لتعزيز المصالحة بين «حماس» و«فتح»، تدرك جيداً أن السلام الدائم مع إسرائيل يتطلب نهجاً موحداً بين الفلسطينيين. ومرة أخرى نقول إن الولايات المتحدة ليس لها دور مركزي في اللعبة، ومصر في موقع أفضل من الولايات المتحدة من الناحية الثقافية والاستراتيجية للعب دور الوسيط النزيه بين هؤلاء الفرقاء العرب. واستضافت مصر في الثامن من يونيو الماضي لقاءات مع القادة الفلسطينيين، بهدف دعم هدنة غزة، ومواصلة إيجاد علاقة عمل متماسكة بين «فتح» و«حماس».

تغير الزمن

وفي الحقيقة، فقد تغير الزمن، فخلال الحرب الباردة ونهاية القرن الـ20، كانت الولايات المتحدة اللاعب الرئيس القادر على جمع الدول العربية وإسرائيل، وليس فرقاء عرباً متنافسين، وتقلصت الآن قدرة الولايات المتحدة على لعب هذا الدور. ومن الناحية الفعلية، فإن الولايات المتحدة لم تعترف بدولة فلسطين، وإنما بمنظمة التحرير كممثل وحيد للفلسطينيين، وتعترف بالسلطة الفلسطينية في حكم المناطق الفلسطينية، وليس لها أي علاقة مع «حماس». ويتفاقم التحدي خلال العمل عبر هذه العلاقات الدبلوماسية مع لاعبين غير دول، نتيجة حقيقة مفادها أن الدبلوماسيين الأميركيين ليس لديهم أي علاقة حقيقية ثقافية أو تاريخية أو لغوية مع الشعب الفلسطيني.

ابتلاع الكبرياء

ويتعين على الولايات المتحدة أن تبتلع كبرياءها كقوة عظمى، وتدرك أن مصر والدول العربية المعتدلة في وضع أفضل منها للعمل مع إسرائيل والفلسطينيين للتوصل إلى الحل النهائي.

وخلال النصف الأول من القرن الـ20، كانت الإمبراطورية البريطانية متورطة في الصراع الفلسطيني، ولكنها في نهاية المطاف انسحبت عنه، بعد اعترافها بتغير الزمن، وانحدار القوى والنفوذ. ويبدو أن الولايات المتحدة وصلت إلى منعطف تاريخي شبيه بذلك، ولو أنها لاتزال القوة العالمية الأولى. وعلى الرغم من صعوبة الاعتراف بذلك، إلا أنه يجب تسليم عصا القيادة لإيجاد السلام في هذا الجزء من العالم من واشنطن والعالم الغربي، إلى لاعبين كانوا يتعاملون مع بعضهم بعضاً منذ آلاف السنين، ويجب أن تتراجع الولايات المتحدة، وتكتفي بتقديم الدعم الدبلوماسي لأصدقائها في المنطقة، وتقبل بالتطور التاريخ أو الحقائق الثقافية.

• الولايات المتحدة لم تعترف بدولة فلسطين، وإنما بمنظمة التحرير كممثل وحيد للفلسطينيين. وتعترف بالسلطة في حكم المناطق الفلسطينية، وليس لها أي علاقة مع «حماس».

رامون ماركس ■ محامٍ دولي متقاعد في نيويورك

تويتر