انتخاب رئيسي الحلقة الأخيرة في عملية بدأت بعد «انتصار الثورة»

باحث ألماني: «المجتمع السياسي» في إيران انكمش على مـدار عقود

صورة

رصد الباحث الألماني من أصل إيراني، هوشانغ الشهابي، ما يراه انكماشاً لـ«المجتمع السياسي» في إيران، موضحاً أن فوز رئيس السلطة القضائية في الجمهورية الإسلامية، إبراهيم رئيسي، بالانتخابات الرئاسية الأخيرة، يشكل الحلقة الأخيرة في عملية بدأت على الفور بعد انتصار الثورة الإسلامية عام 1979.

وفي تحليل نشره معهد ويلسون الأميركي للأبحاث، يقول الشهابي، وهو باحث في الدراسات الإيرانية بكلية فريدريك إس باردي للدراسات العالمية في جامعة بوسطن، حيث يعمل أستاذاً للعلاقات الدولية والتاريخ، إنه يعني بـ«المجتمع السياسي» الحيز المؤسسي الذي يتنافس فيه الفاعلون السياسيون على الحق الشرعي في ممارسة السيطرة على السلطة العامة، وعلى جهاز الدولة. وبالنظر إلى الطبيعة الثورية التي تم بها تغيير النظام في عام 1979، جرى من البداية استبعاد مؤيدي الشاه، وهؤلاء الذين ربما ساورتهم مخاوف منه، لكنهم كانوا مؤيدين لدستور 1906، من «المجتمع السياسي» في إيران.

انحسار الائتلاف الثوري

ولكن سرعان ما بدأ الائتلاف الثوري نفسه يضيق، حيث تم أولاً استبعاد أتباع نهج رئيس الوزراء الراحل محمد مصدق من العلمانيين، ثم اليسار، وأخيراً أتباع مصدق من المتدينين، من حلبة المنافسة السياسية.

وبحلول منتصف ثمانينات القرن الماضي، كان «المجتمع السياسي» في إيران يضم ثلاثة فصائل: الراديكاليين الذين اعتزموا إعادة توزيع الثروة، والمحافظين الذين يدافعون عن الالتزام الصارم بالشريعة، وكان بين هؤلاء وهؤلاء، البراغماتيون الوسطيون الذين دافعوا عن التحرر الاقتصادي والاجتماعي.

وعلى مدار نحو عقدين، نافست الفصائل الثلاثة بعضها بعضاً في الانتخابات، وبحلول منتصف التسعينات بدا أن المنافسة الانتخابية الحقيقية قد تقود تدريجياً إلى الديمقراطية، خصوصاً منذ أن صار الراديكاليون السابقون أكثر اعتدالاً، وسمَّوا أنفسهم إصلاحيين.

ويقول الشهابي إنه خلال الفترة من عام 1997 حتى عام 2001، خسر المحافظون جميع الانتخابات، وبهامش كبير في معظم الأحيان. ورغم ذلك، تجاهل المراقبون المتفائلون الدستور الإيراني، الذي ينص على إجراء انتخابات تنافسية، إلا أنه لا يضمن حصول المسؤولين المنتخبين على كثير من السلطة، بل يمنح السلطة الحقيقية لهيئات غير منتخبة يسيطر عليها رجال الدين من الطائفة الشيعية الإثنا عشرية، وفي الصدارة منهم المرشد الأعلى.

قلق المحافظين

ومع ذلك، أثارت التطورات المحدودة التي حدثت باتجاه مجتمع أكثر انفتاحاً قلق المحافظين، الذين أدركوا أنه لإحباط الإصلاح، عليهم العودة إلى المؤسسات غير الديمقراطية التي سيطروا عليها. وكان أحد السبل التي فعلوا من خلالها ذلك، الفحص والتدقيق بالنسبة للمرشحين للمناصب التي تحتاج إلى انتخاب من يتولاها. وبداية من عام 2004، تمكنوا بشكل منهجي من منع معظم الإصلاحيين من خوض الانتخابات.

وصار «المجتمع السياسي» بذلك مقتصراً على الفصائل المحافظة، وقليل من الوسطيين، وفاز واحد من هذه الفئة الأخيرة، الرئيس حسن روحاني، بالانتخابات الرئاسية في عام 2013، ثم مرة أخرى في عام 2017.

وفي وقت سابق من هذا العام، توصل المحافظون إلى أنه من أجل تحقيق هدفهم، يتعين السماح لعدد قليل فقط من المحافظين بخوض السباق الانتخابي، واستبعاد حتى بعض المحافظين البارزين، الذين خاضوا الانتخابات في الماضي. وكان الاستثناء الوحيد مرشح وسطي غير معروف إلى حد بعيد، هو عبدالناصر همتي. ولكن رئيسي هو من فاز هذه المرة وكان هذا متوقعاً.

وكان معدل الإقبال على التصويت في الانتخابات الأخيرة منخفضاً، ونال المرشحون المحافظون الثلاثة تأييد 43% فقط من إجمالي الناخبين المسجلين. ويتجاوز السخط لدى المجتمع الإيراني الآن الطبقة الوسطى الحضرية، وحتى الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد دعا إلى مقاطعة الانتخابات.

الثلث يؤيدون المتشددين

ويقول الباحث الشهابي إنه يجب عدم إغفال أنه إذا كانت الإحصاءات الرسمية سليمة، فهذا يعني أنه مازال هناك أكثر من ثلث السكان يؤيدون المتشددين في إيران. وبالنظر إلى انقسام غير المؤيدين لهم، فإن ذلك كافٍ لبقاء المحافظين في السلطة، خصوصاً أنهم يحظون بدعم الجهاز القمعي في الدولة، وفي الصدارة منه الحرس الثوري الإيراني.

ويرى الباحث أن المجتمع السياسي في إيران حالياً أكثر تجانساً من أي وقت مضى، حيث إن جميع دعائم القوة في يد المحافظين المتشددين. وإذا ما كان المرء يميل إلى النظر إلى جانب إيجابي لأي إخفاق، فقد يرى أن التجانس الموجود في صفوف النخبة الحاكمة قد يسهل التفاعل مع الغرب بمزيد من العقلانية، لكن مع ذلك لن تمثل علاقات أفضل مع الغرب انتصاراً لأي فصيل أمام منافسيه.

وهذا السيناريو ممكن بالتأكيد، بحسب ما كتبه الشهابي، لكنه أكد أن المرء يجب أن يتذكر أن مثل هذا الجدل ثار عندما فاز أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية عام 2005. وعلى مدار سنوات حكمه الثماني، تدهورت العلاقات مع الغرب، بعدما كانت تحسنت إلى حد ما.

وكذلك لم يبشر فوز أحمدي نجاد على منافسه الوسطي في عام 2005، بعهد من السلام والانسجام بين حكام إيران، بل على النقيض، لم يتحدَّ أي رئيس إيراني المرشد الأعلى منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران كما فعل أحمدي نجاد، رغم أن المحللين اعتقدوا في البداية أنه يدين بالولاء التام للمرشد علي خامنئي.

توتر هيكلي

ورغم أن الدستور وضع تقسيماً واضحاً بين المرشد الأعلى، والرئيس، الذي يأتي في مرتبة أقل منه، فمن المعروف أن التوتر الذي اتسمت به العلاقة بين الطرفين منذ وفاة آية الله الخميني، هو توتر هيكلي. وإذا كان الحال هكذا، فقد تندلع مشكلات بين رئيسي وخامنئي، وربما يحدث هذا، وهو ما يعتقد على نطاق واسع، إذا طمح الرئيس المنتخب إلى أن يصبح هو نفسه مرشداً أعلى، حيث سيتعين عليه في هذه الحالة منافسة مجتبى خامنئي، نجل المرشد الحالي، والذي يتمتع بدعم واسع بين بطانة والده.

وعلى مدار العقدين الماضيين، انكمش المجتمع السياسي في إيران وصار أكثر تجانساً، حيث حشد المحافظون سيطرتهم في بطء، ووجدوا في الحرس الثوري الإيراني الحازم بشكل متزايد حليفاً، ورغم ذلك فإن العداوات الشخصية بين أعضائه المتبقين قوية، وستستمر المناورات السياسية على الأقل.

وفي ختام التحليل، يقول الشهابي إنه في أوائل عام 2011، لم يكن أحد ليتوقع الانتفاضات العربية، وبالمثل في بداية عام 2020، لم يكن أحد ليتوقع المدى الذي وصلت إليه أزمة وباء كورونا.

ويؤكد الباحث أن المرء يستطيع أن يتوقع مستقبل السياسة في إيران، ولكن من قبيل التهور التوصل إلى توقعات موثوقة، خصوصاً أن البلاد تواجه مشكلات وجودية أكبر بكثير من انكماش «المجتمع السياسي»، مثل الجفاف والأمراض والتلوث. وأورد الشهابي في ختام التحليل جملة بلاغية لحكيم قديم، قال فيها: «يعتمد التطور المستقبلي للأمور على كيف ستمضي هذه الأمور».

• يتجاوز السخط لدى المجتمع الإيراني الآن الطبقة الوسطى الحضرية، وحتى الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد دعا إلى مقاطعة الانتخابات.

• المجتمع السياسي في إيران حالياً أكثر تجانساً من أي وقت مضى، حيث إن جميع دعائم القوة في يد المحافظين المتشددين.

تويتر