بعد انحسار صدقيتها وسط شعبها

السلطة الفلسطينية تواجه أوضاعاً احتجاجية غير مسبوقة

صورة

تعد عملية قتل أو «اغتيال» الناشط الفلسطيني، نزار بنات، كما تسميها بعض مجموعات الحقوق الفلسطينية، سلوكاً شائعاً لأمن السلطة الفلسطينية، وكذلك التعذيب في سجون السلطة، فهو طريقة مألوفة لانتزاع الاعترافات من الفلسطينيين، وعادة ما يُقسم السجناء السياسيين الفلسطينيين لدى السلطة الفلسطينية إلى مجموعتين رئيستين: الناشطون الذين تشتبه إسرائيل في تورطهم بأنشطة ضدها، وآخرون يتم اعتقالهم لأنهم ينتقدون فساد السلطة الفلسطينية.

وفي عام 2018 تحدثت منظمة «هيومان رايتس ووتش» عن اعتقال العشرات من الفلسطينيين على يد السلطة الفلسطينية، نتيجة قيام هؤلاء بتوجيه انتقادات لاذعة لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكان (بنات) أحدهم، حيث أدت التسجيلات والانتقادات التي نشرها عبر التواصل الاجتماعي، إلى فضح وإحراج قيادة الرئيس محمود عباس للسلطة الفلسطينية، وقيادته لحركة «فتح»، وبخلاف الآخرين قام (بنات) بذكر الأسماء، ودعا إلى القيام بإجراءات قوية ضد من يبددون أموال الشعب الفلسطيني ويخونون قضاياه، وقامت شرطة السلطة الفلسطينية باعتقال (بنات) مرات عدة في السابق.

آخر الحملات

وكانت آخر حملاته على التواصل الاجتماعي تتعلق بلقاح ضد «كورونا» منتهي الصلاحية، اشترته السلطة من إسرائيل في 18 يونيو الماضي، ونتيجة الضغوط من ناشطين أمثال (بنات)، اضطرت السلطة إلى إعادة اللقاح إلى إسرائيل.

وعندما دخل رجال السلطة منزل (بنات) عنوة في 24 يونيو، استخدموا عنفاً غير مسبوق من قبل، حيث قام 25 رجل أمن باقتحام المنزل، وانهالوا على (بنات) ضرباً بهراوات من الحديد والخشب، وبعد أن جردوه من جميع ملابسه اقتادوه إلى الخارج، وبعد نحو ساعة ونصف الساعة علمت أسرته أنه توفي من خلال رسالة عبر «واتس أب».

وعلى الرغم من رفضها في البداية، إلا أن السلطة اعترفت تحت ضغط آلاف المحتجين في الضفة الغربية، أن (بنات) توفي بصورة «غير طبيعية»، وقال وزير العدل الفلسطيني، محمد الشلالدة، إنه توفي نتيجة تعرضه لعنف جسدي.

ويظهر هذا الاعتراف أن السلطة الفلسطينية مستعدة لتحمل المسؤولية عن أفعالها، لكن هذا غير صحيح، لأن السلطة ببساطة لم تعترف أولاً بمسؤوليتها عن أعمال عنف سابقة، وثانياً العنف هو العمود الفقري لوجود السلطة نفسها، وتعد الاعتقالات العشوائية والتعذيب والقمع للمتظاهرين المسالمين، مرادفة لأمن السلطة، كما أظهر ذلك العديد من التقارير التي نشرتها منظمات حقوق الإنسان، سواء في فلسطين أو العالم.

وبناء عليه، فهل صحيح أن أيام السلطة الفلسطينية أصبحت معدودة؟ للنظر في هذا السؤال من المهم دراسة الأساس المنطقي وراء وجود السلطة، ومقارنته بما حدث في السنوات التالية.

تم إنشاء السلطة الفلسطينية عام 1994، كسلطة وطنية انتقالية تهدف إلى قيادة الشعب الفلسطيني نحو مرحلة الدولة بحلول عام 1999، لكن ذلك لم يتحقق، بل ظلت السلطة تعمل على التنسيق الأمني مع الإسرائيليين، ومنذ الاحتجاجات الكبيرة في مايو الماضي، أصبح الخطاب الرسمي للسلطة في حالة تخبّط، وحاول قادة السلطة، بمن فيهم عباس، تقديم أنفسهم كقادة ثوريين، حيث تحدثوا عن المقاومة والشهادة، وفي الوقت ذاته كانوا يجددون التزامهم بعملية السلام الميتة، وبالأجندة الأميركية في فلسطين.

عنف

وعندما استأنفت واشنطن تقديم المساعدة للسلطة، بعد التوقف خلال إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، فضّلت السلطة الحفاظ على الوضع الراهن، حيث الاستقرار النسبي وتوافر الأموال، لكن الشعب الفلسطيني قام بتظاهرات كبيرة، ما دفع السلطة إلى مواجهته بالعنف في شتى أنحاء الضفة الغربية.

وحتى الشعارات التي أطلقها الفلسطينيون تغيرت، فإثر مقتل (بنات) دعا المتظاهرون في الضفة عباس (85 عاماً) لترك منصبه، ووصفوا سياسته الأمنية بـ«بالبلطجة» و«التشبيح».

ويشير هذا التغير في خطاب المتظاهرين الفلسطينيين إلى تغير في العلاقة بين الفلسطينيين العاديين وقيادتهم الفاسدة، ومن المهم الملاحظة أن هذه السلطة الفلسطينية، لا تتمتع بذرة من الصدقية الديمقراطية، وفي 30 أبريل الماضي، ألغى عباس الانتخابات العامة التي كان من المقرر إجراؤها بفلسطين في مايو، معتمداً على أعذار واهية.

وأثبتت السلطة الفلسطينية في هذه المرحلة أنها أصبحت عقبة في وجه حرية الشعب الفلسطيني، ولا تحظى بأي صدقية بين الفلسطينيين، وهي متمسكة بالسلطة لأن الولايات المتحدة وإسرائيل تدعمانها، وسواء كانت أيام هذه السلطة أصبحت معدودة أو لا، فذلك يعتمد على مدى إثبات الشعب الفلسطيني أن إرادته الجماعية أقوى من السلطة، وعلمتنا التجربة التاريخية أن الشعب الفلسطيني هو الذي سينتصر في نهاية المطاف.

• بخلاف الآخرين، قام نزار بنات بذكر الأسماء، ودعا إلى القيام بإجراءات قوية ضد من يبددون أموال الشعب الفلسطيني ويخونون قضاياه، وقامت شرطة السلطة الفلسطينية باعتقاله مرات عدة في السابق.

• تعد الاعتقالات العشوائية والتعذيب والقمع للمتظاهرين المسالمين، مرادفة لأمن السلطة، كما أظهر ذلك العديد من التقارير التي نشرتها منظمات حقوق الإنسان، سواء في فلسطين أو العالم.

رمزي بارود -  رئيس تحرير صحيفة «فلسطيني كرونكل»

تويتر