بعد عامين من الشلل.. وأربعة انتخابات

إسرائيل تتقاسم «حكومة الرأسين» مجدداً

صورة

تحظى الحكومة الإسرائيلية، التي تشكّلت يوم الأحد الماضي، بكثير من الاهتمام، لسبب واحد تقريباً، إذ إنها تمثل نهاية حكم 12 عاماً لرئيس الحكومة السابق، بنيامين نتنياهو، لكن هذه الحكومة الجديدة ربما تكون مهمة لسبب آخر، يتمثل في أنها بداية عهد تكون فيه إسرائيل بلا رئيس حكومة حقيقي.

والرئيس الجديد للحكومة الإسرائيلية هو نفتالي بينيت، لكن بالنظر إلى أن حزبه اليميني الصغير المعروف باسم «يمينا»، يسيطر على ستة مقاعد في الكنيست الإسرائيلي، فإنه بحاجة إلى شركاء لتشكيل الحكومة، ويتضمن الائتلاف الحكومي الآن سبعة أحزاب أخرى من جميع الأطياف الأيديولوجية في إسرائيل، وهي متفقة جميعاً على القليل من القضايا. والأمر الذي اتفقت عليه هذه الأحزاب أن بينيت لن يمثلها لفترة حكومية كاملة، وإنما سيتنازل عن منصب رئيس الحكومة بعد عامين، إذ إنه من المفروض أن يسلم هذا المنصب إلى يائير لابيد، رئيس حزب «يش عتيد» من يسار الوسط، وهنا تكمن الثورة الدستورية الجديدة في إسرائيل.

رئيس لفترة جزئية

وبينيت الآن رئيس حكومة لفترة جزئية، ولابيد سيكون رئيس حكومة مماثلاً له أيضاً خلال عامين، وفي الواقع فإن كليهما سيكون عاجزاً عن القيام بأي شيء من دون الحصول على إجماع الآخرين، لوجود قانون يمنح كلا منهما حق الرفض، وبناء عليه فإن النتيجة ستكون شبيهة بنظام الرومان القدماء المشكل من قنصلين، كما أنه لن يشبه النظام الإسرائيلي التقليدي المعروف بوجود رئيس وزراء واحد.

ولا تعد حكومة الوحدة التي يترأسها رئيس حكومة بالتناوب فكرة أصلية، وفي ثمانينات القرن الماضي، كانت إسرائيل محكومة من قبل حكومة وحدة ناجحة برئاسة شيمون بيريز من حزب «العمل»، وإسحق شامير من حزب «الليكود»، لكن في ذلك الوقت لم يكن هناك تناوب على رئاسة الحكومة، كما هي الحال في حكومة بينيت - لابيد، وكان شامير وبيريز يستمران في شراكتهما الحكومية من دون ترتيبات قانونية تقلل من سلطة رئيس الحكومة في اتخاذ قراراته، وعندما أنهى بيريز فترته رئيس حكومة وقدم استقالته، تم تعيين شامير مكانه.

ومنذ عام تقريباً، شكّل نتنياهو حكومة مع منافسه بيني غانتس، بعد وعْد من نتنياهو بأنه سيأخذ مكانه بعد عامين، لكن نظراً إلى انعدام الثقة بين الاثنين، جرى تغيير دستوري، وأصبح غانتس رئيس حكومة بالتناوب، وبالطبع فإن هذا لم يعجب نتنياهو الذي لم يكن ينوي تسليم غانتس منصبه وفق ما وعده، ولم يتم الالتزام بهذه الترتيبات، ولذلك وصلت الحكومة إلى طريق مسدود.

شراكة ودية

وبدأ بينيت ولابيد شراكتهما الحكومية بصورة أكثر ودية، وكانا عازمين على نجاحها، ومع ذلك فقد قررا الحفاظ على نظام المشاركة في السلطة، الذي تطور من قبل أسلافهما، وبناء عليه فقد كانا بحاجة إلى إدخال إجراءات معينة، ونظراً إلى أن عدداً قليلاً من أعضاء البرلمان يؤيدون بينيت، فإن حصوله على سلطة الرفض يشكّل ضمانة له في حال تعرضه لتلاعب من شركائه، ويحتاج لابيد إلى سلطة الرفض كضمانة أيضاً تضمن أنه لن يسلم السلطة كاملة لمنافسيه، وإضافة إلى ذلك كان قيامهما بتشكيل ائتلاف عريض هو الذي ضمن لهما إخراج نتنياهو من السلطة.

ولهذا ثمة أسباب جيدة للعودة إلى ترتيبات كان المفروض أن تكون لمرة واحدة، والمشكلة أن من الصعب الآن رؤية ائتلاف مستقبلي لا يوظف ترتيبات مماثلة.

دولة منقسمة

وتتميز إسرائيل، التي أجرت أربعة انتخابات خلال عامين لعجزها عن تشكيل حكومة، بأنها دولة منقسمة على نفسها، إضافة إلى الاستقطاب الحاد داخلها، إذ إنها لا تستطيع تشكيل حكومة أغلبية طبيعية، ويبدو أنه ثمة ضرورة إلى ائتلافات معقدة لتشكيل الحكومة خلال السنوات المقبلة، وفي مثل هذا الوضع سيكون هناك دائماً حزب يستطيع تشكيل الحكومة أو إسقاطها، وبالطبع فإن قائد هذا الحزب سيطالب دائماً بمزيد من السلطة، وإذا تمكن غانتس - الذي كان يملك نصف المقاعد التي كانت لدى حزب نتنياهو «الليكود» - من تأمين هذا المطلب، وإذا كان بينيت الذي يملك ثلث مقاعد حزب «يش عتيد»، يمكنه أن يقدم مثل هذا المطلب أيضاً، فإن اتفاقات اقتسام السلطة هي التي ستسود في المستقبل، وبدلاً من وجود رئيس حكومة واحد قوي لإسرائيل، وفق التقاليد السياسية الإسرائيلية، سيكون هناك اثنان.

لكن ألن يؤدي ذلك إلى طريق مسدود بينهما، بحيث لن يكون أي رئيس حكومة جزئي قادراً على اتخاذ قرارات شجاعة وضرورية؟ ربما سيكون الأمر كذلك أحياناً، وإذا أخذنا قضية سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية، ففي حكومة تتشارك في السلطة، فمن يعتقدون أن إسرائيل يجب أن تخلي مستوطناتها هناك لن ينالوا مرادهم، ومن يعتقدون أن إسرائيل يجب أن تضم أجزاء من الأراضي الفلسطينية لن ينالوا مرادهم أيضاً. ولنأخذ أيضاً قضية الزواج المدني، التي تعد مثيرة للجدل في إسرائيل، ولن يتمكن أنصار هذا الزواج من إصدار قوانين لمصلحتهم، حتى لو كان لديهم ما يكفي من الأصوات، لأنه في مثل هذه الحكومة ليس لديهم سلطة أكبر من سلطة المجموعات الصغيرة، التي تكون عادة الأحزاب الدينية التي تعارض الزواج المدني.

من الواضح أن التردد والجمود يمثلان مخاطر حقيقية لمستقبل تقاسم السلطة السياسية، لكن هناك فوائد محتملة، وفي الوقت الذي تكون قضايا كبيرة، مثل مصير الضفة الغربية ودور الدين في المجتمع، يعتبر حلها صعباً في ظل هذه الظروف، فإن من الممكن حل مشكلات أخرى، بما فيها القضايا الواضحة مثل إصدار الميزانية بعد عامين من دون ميزانية، والسماح لبعض وسائل النقل العام بالعمل يوم السبت، لتكريس الموارد الضرورية للتعامل مع ارتفاع الجريمة في الوسط العربي بإسرائيل.

• الحكومة الإسرائيلية الجديدة حظيت بكثير من الاهتمام، لأنها تمثل نهاية حكم 12 عاماً لبنيامين نتنياهو.

• تتميز إسرائيل، التي أجرت أربعة انتخابات خلال عامين لعجزها عن تشكيل حكومة، بأنها دولة منقسمة على نفسها، إضافة إلى الاستقطاب الحاد داخلها، إذ إنها لا تستطيع تشكيل حكومة أغلبية طبيعية، ويبدو أنه ثمة ضرورة إلى ائتلافات معقدة لتشكيل الحكومة خلال السنوات المقبلة.

تويتر