كشف الكثير عن كذب الدبلوماسية الإيرانية

حديث ظريف المسجل يحتم على بايدن عدم العودة إلى «الاتفاق النووي» مع إيران

صورة

على الرغم من أنه لم يتم التحقق من صحة التسجيل المنسوب لوزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، الذي تسرب الأسبوع الماضي، إلا أن اعتذاره عنه يوم الأحد الماضي كان بمثابة التأكيد على صحته. وجرى كتابة الكثير حول ما إذا كان وزير الخارجية الأميركي السابق، جون كيري، قد سرب في وقت سابق معلومات أميركية سرية لظريف، عن غارات إسرائيلية داخل سورية، على الرغم من أن كيري أنكر ذلك.

ولكن الأمر الأكثر أهمية هو تأكيد ظريف على أنه عرف معلومات إيرانية حساسة من كيري، وهو الدبلوماسي الإيراني الذي سيكون الممثل الرئيس لطهران في المفاوضات مع إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، في تحركاتها غير الرشيدة لإعادة إحياء الاتفاقية النووية، التي تم التوقيع عليها في فترة إدارة الرئيس باراك أوباما مع إيران.

ادعاءات

والأمر الغريب أن ظريف قال إنه لم يكن على علم بزيادة النشاطات العسكرية الإيرانية في سورية، التي دفعت إسرائيل إلى القيام بالغارات الجوية المذكورة. ووفق صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، وبعد الاستماع إلى ثلاث ساعات من أصل سبع ساعات من التسجيلات التي كان المقصود منها مشروع إيجاد تاريخ شفهي. وقالت الصحيفة «أبلغ كيري نظيره ظريف أن الرحلات الجوية الإيرانية إلى سورية، تزايدت بستة أضعاف ما كانت عليه، وهو مؤشر واضح على أنها كانت تستخدم من قبل الجيش لدعم حكومة دمشق في صراعها مع المنظمات المعارضة لها».

وعندما سأل ظريف قائد قوات فيلق القدس، الجنرال قاسم سليماني، عن هذه الرحلات، تجاهل سليماني سؤاله، قائلاً «إذا كانت الخطوط الجوية الإيرانية أكثر أمناً بـ2% من أي شركة أخرى، فيجب علينا استخدامها، ولو أدى ذلك إلى تكبيد الدبلوماسية خسائر بنسبة 200%».

وإضافة إلى سورية ومشكلاتها، تحدث ظريف عن سلسلة طويلة جداً من الشكاوى حول كيفية انعدام صلته باتخاذ قرارات أساسية تتعلق بالأمن القومي، دون مشاركته، أو حتى من دون علمه. وعرض العديد من الأمثلة المتعلقة بالجهود التي تبذلها قوات «الحرس الثوري الإيراني» من أجل تخريب الاتفاقية مع إدارة الرئيس أوباما، مثل الاستيلاء على زورقين للبحرية الأميركية عام 2016، والتدخل المباشر لسليماني مع موسكو في محاولة فاشلة لإقناع الروس برفض الاتفاقية.

إنهم يتجاهلونني!

وقال ظريف إنه لم يكن على علم بزيارة الرئيس السوري بشار الأسد لطهران في فبراير 2019، حتى شاهد الأسد في التلفزيون. وأدى هذا الإقصاء المشين عن زيارة رئيس دولة، إلى غضب ظريف، إلى درجة أنه قدم استقالته «بصورة مؤقتة». وأضاف غاضباً «إنهم يتجاهلونني بصورة شاملة». وقال ظريف أيضاً إن قوات حرس الثورة أنكروا في البداية أنهم أسقطوا الطائرة التجارية الأوكرانية عام 2020، على الرغم من أنه تعين في ما بعد الاعتراف بالحقيقة، ولهذا لا ينبغي أن يشعر أحد بالدهشة إذا ظهر مزيد من المفاجآت. وأضاف ظريف مختصراً كل سخطه في جملة واحدة «في الجمهورية الإيرانية الجيش هو الذي يحكم»، مضيفاً «لقد ضحيت بالدبلوماسية من أجل الجيش، بدلاً من أن يعمل الجيش في خدمة الدبلوماسية».

وتظهر اعترافات ظريف لماذا يتعين على بايدن أن يتخلى عن حلمه في العودة إلى اتفاقية إيران النووية عام 2015، التي خرجت منها الولايات المتحدة في إدارة الرئيس دونالد ترامب. وفي إيران، ليس المفاوضون ولا حتى ما يقولونه يمثل أي أهمية، وإنما الحرس الثوري هو الذي يسيطر على الأسلحة النووية، وبرامج الصواريخ الباليستية، ويتحكم في النشاطات العسكرية التقليدية خارجياً، ويقدم الدعم للإرهابيين في شتى أنحاء العالم.

وإذا كانت إسرائيل تضرب الوحدات الإيرانية وحلفاءها في سورية، فإن ذلك ليس سراً بالنسبة لقوات فيلق القدس، وإنما الواقع يقول إنها سر على وزير الخارجية الإيراني، ومن المرجح أن موظفيه هم المسؤولون عن الدبلوماسية النووية. وفي واقع الأمر، فإن مقتل سليماني بصاروخ أطلقته طائرة درون عليه في مطار بغداد في يناير 2020، لم يغير أي شيء في الصورة، وإن شكل ذلك ضربة موجعة لإيران. وإذا كان لموت سليماني أي تأثير، فإنه عزز لدى قادة الحرس الثوري الاعتقاد الكامن في داخلهم، والذي مفاده أنهم الوحيدون القادرون على حماية ثورة 1979.

يُظهر مدى الخداع الداخلي في إيران أن «التزاماتها» بالقضايا النووية لا يمكن تصديقها بطبيعتها، وهي غير جديرة بالثقة، ومن السهل بالنسبة لأي مبعوث دبلوماسي إيراني نشر الأكاذيب الدبلوماسية، وهو يعتقد فعلاً أن ما يقوله هو الحقيقة، لأن من الصعب إخفاء الكذب الصريح. والحل الجاهز بالنسبة للحكام المستبدين هو إخفاء الحقائق عن الدبلوماسيين الذين يجرون المفاوضات، وفي الحقيقة فإن ذلك يجب ألا يكون مفاجئاً لأحد، لأنها مسألة معروفة. وحتى في واشنطن، لا يوجد أي تعاون يذكر بين وزارتي الدفاع والخارجية.

لا قاعدة للثقة

وبالنسبة لطهران، لا توجد حكومة تتعامل «بالثقة»، وإنما الأمر المنطقي فيها هو «التحقق»، وليس لدينا قاعدة «للثقة» في المقام الأول، ناهيك عن الثقة بأن إجراءات التحقق يمكن أن تكشف الانتهاكات الإيرانية الفعالة وحالات التستر.

ويروج أنصار الاتفاقية النووية الموقعة في عام 2015 لآليات التحقق «المعززة» المستخدمة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولكن هذه الآليات غير فعالة إلى حد كبير، ولطالما منعت إيران مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من ممارسة عملهم في منشآت نووية مهمة، وأعلنت أنها منشآت نووية أساسية ممنوع الدخول إليها، الأمر الذي يجعل من السخرية الاعتماد على جهود طهران.

وفي الحقيقة، فإن الضمان الحقيقي ليس المراقبة الدولية، وإنما في قدراتنا التجسسية. ولا تتجاوز ميزانية الوكالة الدولية للطاقة النووية في هذا المجال نحو 0.6% من نفقات أجهزة الاستخبارات الأميركية التي تصل إلى 85 مليار دولار سنوياً. وإذا كانت استخباراتنا غير كافية، فمن العبث التفكير في أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية يمكن أن تضمن لنا عدم قيام إيران بانتهاكات نووية.

إن تسجيلات الوزير ظريف تبلغنا الكثير عن كذب الدبلوماسية الإيرانية، ولكن لسوء الطالع، فإن إدارة بايدن لاتزال تضع أملها في ظريف ومفاوضيه النوويين.

• يُظهر مدى الخداع الداخلي في إيران أن «التزاماتها» بالقضايا النووية لا يمكن تصديقها بطبيعتها، وهي غير جديرة بالثقة.

جون بولتون - مستشار الأمن القومي لإدارة الرئيس دونالد ترامب

تويتر