عدم توفير اللقاح للفقراء وتردّد الكثيرين فاقما المشكلة

الدول الغنية تبدأ التعافي.. بينما يجتاح الفيروس البلدان النامية

صورة

على الرغم من الوعود المتكررة، لم يفعل العالم المتقدم سوى القليل لتعزيز التلقيح العالمي، فيما يسميه المحللون فشلاً أخلاقياً ووبائياً. وفي كثير من أنحاء العالم المتقدم، ارتفعت طلبات اللقاحات إلى مليارات الجرعات، في ظل تراجع حالات «كوفيد-19»، واستعداد الاقتصادات لاستعادة الحياة، وانشغال الناس بالإجازات الصيفية، ومع ذلك، في العديد من الدول الأقل تقدماً، ينتشر الفيروس وأحياناً يكون خارج نطاق السيطرة، في حين أن التطعيمات تجري ببطء شديد.

لم يكن من المفترض أن يكون هذا الانقسام بهذا الشكل الصارخ، إذ يُعاد فتح النوادي والمطاعم في الولايات المتحدة وأوروبا، بينما يكافح الناس للحصول على الأوكسجين في الهند، ووقّعت 192 دولة، العام الماضي، على «كوفاكس»، وهي شراكة لتقاسم اللقاحات، وضخت مؤسسة «غيتس» 300 مليون دولار في مصنع هندي، لتوفير جرعات لفقراء العالم، وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون ديلاين، أمام قمة عالمية، في يونيو الماضي: «التطعيم حق إنساني عالمي»، لكن الفيروس ينتشر بسرعة أكبر من أي وقت مضى، خصوصاً في أميركا الجنوبية والهند، بينما تتعثر حملة التطعيم في العالم.

وأوقفت الهند، التي تعد مصدراً مهماً للقاحات في الأوقات العادية، الصادرات لأنها تكافح ارتفاعاً قياسياً في عدد الإصابات، وتعاني أزمة إنسانية متزايدة، وقد أدى ذلك إلى تأخير الشحنات الحرجة، حيث تقدم الهند معظم إمدادات «كوفاكس». وفي البرازيل، حيث يموت الآلاف يومياً، لم يتلقّ المسؤولون سوى عُشر جرعات «أسترازينيكا» التي وُعدوا بها بحلول منتصف العام. وفي بلدين مثل غانا وبنغلاديش، حيث نفدت إمدادات اللقاح الأولية، لم يكن المحظوظون القلائل الذين حصلوا على الجرعة الأولى متأكدين من موعد تلقيهم الثانية.

وبينما تكافح الدول الفقيرة مع ارتفاع قياسي في انتشار الفيروس، يحتفل الناس في الدول الأكثر ثراءً بتحررهم من الوباء.

أمد الأزمة

يترتب على بدء التشغيل العالمي المتعثر عواقب وخيمة، فالدول غير الملقحة تتعرض للفيروس، ويمكن أن تظهر سلالات جديدة في مستودعات العدوى، ما يطيل أمد الوباء في الدول الغنية والفقيرة على حد سواء. ومن المتوقع أن يعاني الاقتصاد العالمي خسائر تقدر بتريليونات الدولارات، وعلى الرغم من تصميم زعماء العالم على تصحيح أخطاء الماضي، فإن الصعوبات التي تواجه حملة التلقيح الحالية شديدة، وعندما تفشى الوباء العام الماضي، كانت «كوفاكس» تفتقر إلى التمويل، ما جعل من المستحيل التنافس مع الدول الأكثر ثراءً في إبرام عقود اللقاحات.

وفي الآونة الأخيرة، أوقفت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والهند، على الأقل، بعض الصادرات المتعلقة باللقاحات، تاركة المناطق التي لا تعتمد على جرعاتها الخاصة في وضع سيئ، وفي الآونة الأخيرة بدأت الدول الغربية تقديم لقاحات للعالم النامي، وجاءت 60 مليون جرعة من الولايات المتحدة، بينما تبرعت السويد بمليون جرعة من لقاح «أسترازينيكا». لكن هذه «التبرعات» هي قطرة في بحر، وفي بعض الحالات تم التخطيط لها بشكل عشوائي، ما يترك للبلدان وقتاً ضيقاً للغاية لإدارة الجرعات.

وحتى مع قيام الدول الغنية بتلقيح مواطنيها، فإنها قد تبدأ العمل على توفير الجرعات المعززة ضد السلالات الجديدة، وهي ضربة أخرى للدول التي تفتقر إلى بنية التصنيع.

صعوبات الإنتاج

لكن القومية وأرباح الشركات ليست سوى جزء من القصة، وهناك أيضاً صعوبة كبيرة في إنتاج كميات كبيرة من الجرعات، ويتزايد الضغط على إدارة الرئيس، جو بايدن، لتعليق حقوق الملكية للقاحات، من أجل توسيع التصنيع على نطاق أكبر، لكن في ضوء صعوبات الإنتاج قد تستغرق هذه الخطوة سنوات حتى تؤتي ثمارها، كما يقول الخبراء. وقال محللون إن الدول الغربية يجب أن تضغط أيضاً على صانعي اللقاحات، للمشاركة مع مواقع التصنيع العالمية، بغض النظر عن كلفتها ومهما استغرق ذلك.

ويمكن أن يكون تكثيف الإنتاج بهذه الطريقة وعراً، لكن دراسات أجريت العام الماضي، أشارت إلى وجود طاقة غير مستغلة، ويمكن أن يخفف التصنيع المحلي من المخاوف من اللقاحات الأجنبية الصنع، وقال رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسكيدي، إن تصنيع اللقاحات في إفريقيا سيخلق الثقة عند الناس «لأنهم يعرفون أنه لقاح صنعناه نحن من أجلنا».

وبالنسبة لـ«كوفاكس»، كان الاعتماد الشديد على الشحنات من الهند مكلفاً، وفي يناير توقعت تلقي 235 مليون جرعة بحلول أبريل، و325 مليوناً بحلول مايو، ليصل العدد إلى مليارَي جرعة هذا العام، وهو ما يكفي لتطعيم 20% من الناس في البلدان المتلقية، لكن بحلول مارس، تقلصت هذه التوقعات بنحو الثلث، حتى الأسبوع الماضي شحنت «كوفاكس» 54 مليون جرعة، أي أقل من ربع هدفها السابق في أبريل. وقال تحالف «جافي»، وهو شراكة صحية بين القطاعين العام والخاص، يتعاون مع «كوفاكس»، إنه يعطي الأولوية لتوصيل الجرعة الثانية، ويحث الدول الغنية على مشاركة اللقاحات.

وبينما تتدافع الدول الفقيرة للحصول على الإمدادات، يكافح العديد منها لاستخدام ما لديه من جرعات قليلة، وهذه الإخفاقات التشغيلية تركت مخزونات اللقاحات تتجه ببطء نحو تواريخ انتهاء الصلاحية، في البلدان التي لا تستطيع تحمل إهدار أي جرعات، والمشكلة حادة بشكل خاص في إفريقيا، حيث استخدمت نحو 20 دولة أقل من نصف لقاحاتها وفقاً للأرقام الصادرة عن منظمة «كير»، واحتفظت جمهورية الكونغو الديمقراطية بـ1.7 مليون جرعة من «أسترازينيكا»، وفرتها «كوفاكس»، لمدة شهرين، بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة، ومنذ بدء التطعيمات في أبريل، تم تلقيح 1888 شخصاً فقط، ما أجبر البلاد على إرسال معظم إمداداتها إلى الدول المجاورة حتى لا تنتهي صلاحيتها.

تفاقم المخاوف

تلقت ساحل العاج 504 آلاف جرعة من «كوفاكس»، أواخر فبراير، وحتى الآن تم إعطاء 155 ألف جرعة فقط، وفي مواقع التلقيح في أبيدجان، أكبر مدينة في البلاد، ظلت كراسي الانتظار فارغة، وقال الطبيب في أبيدجان، أرسين أديبو، إن التحذيرات الغربية بشأن الآثار الجانبية النادرة للقاحات انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي. وأدى ذلك إلى تفاقم المخاوف لدى الأفارقة. ومع ذلك انهارت الثقة باللقاح جزئياً، لأن الحكومة لم تفعل شيئاً يذكر لبناء الثقة في المقام الأول.

وقال منسق لقاحات «كوفيد-19» في منظمة «يونيسف»، بنجامين شرايبر: «يمكن معالجة الكثير من مشكلات التردد في أخذ اللقاح، على الرغم من عدم التغلب عليها جميعاً، من خلال توفير التمويل التشغيلي في الوقت المناسب»، ومن بين 92 دولة فقيرة تم توفير اللقاحات لها من قبل «كوفاكس»، خفضت ثماني دول ميزانياتها الصحية، بسبب الخسائر الاقتصادية المرتبطة بالفيروس، والعديد من الدول الأخرى تكافح لتمويل أنظمتها الصحية جزئياً، لأنها غير مؤهلة للحصول على منح أو قروض أكثر سخاءً، وفقاً لمنسق «يونيسف».

انتهاء الصلاحية

إلى ذلك، وعد البنك الدولي بمبلغ 12 مليار دولار لتوفير اللقاحات، لكنه وافق حتى الآن على مليارَي دولار فقط في المشروعات المتعلقة. وفي منتصف شهر مارس، وجد البنك أن أقل من ثلث الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، أبلغ عن وجود خطط لتدريب عدد كافٍ من القائمين بالتطعيم أو حملات لمكافحة التردد في أخذ اللقاح، كما أوضحت نائبة رئيس البنك للتنمية البشرية، ماميتا مورثي.

واحتياجات العديد من البلدان بسيطة، كما أن البعض لا يستطيع الدفع لطباعة بطاقات التطعيم، ومالاوي، التي تخطط لإتلاف 16 ألف جرعة، وصلت قبل وقت قصير من انتهاء صلاحيتها، تكافح لتغطية بدل الغداء للعاملين الصحيين، الذين يسافرون من منشأة إلى أخرى لإعطاء اللقاحات.

وقال المدير الفرعي في جمهورية الكونغو الديمقراطية لمؤسسة «فليدج ريتش» وهي منظمة صحية غير ربحية، فريدي نكوسي، إن «المزيد من الجرعات سيولد المزيد من الثقة في اللقاحات»، لكن إذا استمر تفشي المرض في الهند، يقول معهد «سيروم الهند»: «سنضطر إلى الاستمرار في الإمداد للهند، وليس في أي مكان آخر».

من جهتها، أوضحت مديرة «فليدج ريتش»، في موزمبيق، روث بكتل، أن توسيع حملة التطعيم مع وصول المزيد من الجرعات، سيخلق عقبات لوجستية جديدة، واستخدمت الدولة ما يقرب من ربع الجرعات التي تلقتها، وقالت بكتل إن مديري سلسلة التوريد بحاجة إلى أن يكونوا قادرين على مراقبة المخزون في مواقع التطعيم المختلفة، ويحتاج المزيد من العاملين الصحيين إلى تعلم كيفية إعطاء الحقن.

جني أرباح

يجني صانعو اللقاحات الكثير من المبيعات لأثرياء العالم، وحققت «فايزر» أرباحاً بقيمة 3.5 مليارات دولار من لقاحها، في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2021، بينما وعدت «كوفاكس» بأقل من 2% من جرعات هذا العام، ووافقت شركة «موديرنا»، التي تتوقع مبيعات بقيمة 18 مليار دولار في عام 2021، هذا الأسبوع، على تزويد «كوفاكس»، باللقاحات، على الرغم من اتفاق مبكر في يناير الماضي.

• التحذيرات الغربية بشأن الآثار الجانبية النادرة للقاحات انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، وأدى ذلك إلى تفاقم المخاوف.

تويتر