انتقال السلطة ضمن العائلة يواجه تحديات تقدم المتمردين نحو العاصمة

مقتل الرئيس التشادي يثير الفوضى في منطقة الساحل الإفريقي

صورة

دفع مقتل رئيس تشاد إدريس ديبّي، الأسبوع الماضي، منطقة الساحل الإفريقي إلى الأجندة السياسية والإعلامية الغربية، ومن غير المرجح استمرار هذا الاندفاع المفاجئ في الاهتمام بها. وعلى الرغم من أن فترة اهتمام العالم بهذه المنطقة الفقيرة واليائسة، وغير المستقرة، والتي تعاني سوء الحكم، عادة ما تكون قصيرة تاريخياً، فإنها عاجلاً ما ستمثل مشكلة للجميع.

والساحل هو منطقة شبه صحراوية إفريقية، وتتألف من خمس دول هي: مالي، والنيجر، وتشاد، وموريتانيا، وبوركينا فاسو، إضافة إلى أجزاء من الدول المجاورة. وهي تمثل المنطقة التي تتصادم فيها أصعب تحديات العالم. ويعتبر انتشار التطرف الذي يؤدي إلى مقتل أعداد كبيرة من الأشخاص، وربما يشكل تهديداً محتملاً لأوروبا، هو الظاهرة التي تحظى باهتمام أكثر وانتباه في العالم.

جزء من الجحيم

ويسهم كل من الحكم الفاسد والقمعي والمستبد، ومخلفات عصر الاستعمار، والتدخلات الخارجية، والتدهور في البيئة وتغير المناخ، وجائحة كورونا غير الخاضعة للاهتمام، والفقر وسوء التغذية، ونتائج الصراعات المستمرة، وحالات اللجوء الطارئة والهجرة العشوائية نحو الشمال.. كل ذلك، في منح منطقة الساحل سمعتها بأنها جزء من الجحيم.

وفي مناشدة يائسة صدرت في يناير الماضي، دعت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إلى القيام بتحرك دولي لإنهاء «حالة العنف الطاحن» التي أدت وفق التقديرات إلى هروب نحو مليوني شخص من منازلهم في منطقة الساحل للمرة الأولى. وقالت الأمم المتحدة: «تتزايد الحاجات في شتى أنحاء المنطقة، حيث يجتمع العديد من الأزمات، ويكون الرد البشري عليها فوق طاقته على نحو خطير»، ولكن هل هناك من يستمع إلى هذه المناشدات؟

ويلخص الاضطراب التشادي كيف يؤدي اندماج الإهمال مع القيادة المستبدة إلى تقويض الاستقرار السياسي والتنمية المستدامة. واستولى ديبّي على الرئاسة في انقلاب قام به عام 1990، وكان مدعوماً من جهات خارجية. وأسهمت الانتخابات المزورة والتواطؤ الغربي في منح الغطاء لدكتاتورية فاسدة عملت على ترسيخ التمييز، كما أنها سرقت ثورة تشاد النفطية.

ومن غير الواضح تماماً حتى الآن كيف لقي ديبّي حتفه، ولكن المؤكد أن ابنه ماهامات تخلى عن حزنه على أبيه وتقلد السلطة سريعاً، ولكن انتقال السلطة ضمن العائلة يواجه الآن تحديات نتيجة تقدم القوات المتمردة، التي يقال إنها حظيت بالتدريب والتسليح في ليبيا على يد مرتزقة روس، إضافة إلى المجموعات المعارضة التشادية التي عانت طويلاً من الاضطهاد، إضافة إلى ضباط الجيش الساخطين.

المستقبل مجهول

ولكن كيف ستجري الأمور على المدى البعيد، يبدو ذلك في علم الغيب، ولكن يبدو أن فرنسا تفضل رجلاً قوياً آخر مثل ديبّي الابن على المخاطرة بحرب أهلية، أو عملية فوضوية لانتخاب قائد وطني بديل. والتقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع ديبي الابن خلال جنازة والده يوم الجمعة الماضي.

وهذا أمر مهم لأن فرنسا التي تعتبر الممثل الرئيس لأوروبا والولايات المتحدة في المنطقة، لاتزال تحتل الصدارة في تشاد ومنطقة الساحل بشكل عام في ما يتعلق بموضوع الأمن ومحاربة الإرهاب. ويواجه نفوذها المتواصل معارضة قوية من العديد من دول الساحل، ولكن وجود 5100 جندي فرنسي وقاعدة عسكرية ضخمة في عاصمة تشاد نجامينا، يجعل هذا النفوذ أقوى من أي معارضة.

وكانت الاتفاقية الأساسية مع الرئيس ديبي الأب التي لاتزال نافذة منذ تدخل باريس عام 2012 عندما احتل المتطرفون أجزاء كبيرة من شمال مالي، بسيطة وسهلة، إذ مقابل قيام الرئيس ديبّي بتقديم المساعدة ضد تنظيم «القاعدة» والمتطرفين التابعين لـ«داعش»، ومرور الإمدادات إلى قوات حفظ السلام الدولية في مالي، والمساعدة على قتال «بوكو حرام» في منطقة بحيرة تشاد، فسيتم غض النظر عن أعماله في مجال الفساد والنهب. وأعاد ماكرون التأكيد على هذه الإجراءات بعد القمة الافتراضية التي عقدها مع دول منطقة الساحل الإفريقي الخمس، وأكد تصميمه على وجود الاستراتيجية العسكرية ضد المتطرفين، حيث تعهد بالحفاظ على القوات الفرنسية في المنطقة، مرحباً بمساهمة قوات من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، ومحذراً من العواقب الوخيمة الناجمة عن فشل المهمة الفرنسية. وقال ماكرون: «لدينا مصير مشترك مع دول الساحل الإفريقي، وإذا سقطت هذه الدول في أيدي التطرف والإرهاب فستسقط إفريقيا برمتها تدريحياً في أيدي المتطرفين والمنظمات الإرهابية، وستواجه أوروبا نتائج هذه الكارثة، وبناء عليه فأنا أعتقد أنه من واجبنا استمرار العمليات العسكرية، وزيادة حجمها وقوتها في عام 2021 كي نتمكن من قطع رأس المجموعات الإرهابية».

تهديد

ولكن الأزمة التي وقعت في تشاد تهدد هذه الاستراتيجية التي بالغ ماكرون في نجاحها، نظراً إلى أن تزايد معدل العنف يؤثر على هذه المنطقة، وتجلت عيوب هذه الاستراتيجية إثر مقتل 19 مدنياً خلال حفل زفاف في إحدى القرى بمالي في يناير الماضي. وألقى تحقيق أجرته الأمم المتحدة باللوم على غارة جوية فرنسية خاطئة، وهو الأمر الذي رفضته باريس. وتواجه فرنسا - على نطاق واسع - اتهامات بأنها تحتفظ بمواقف استعمارية قديمة، حيث تتجاهل رغبات الشعوب ذات السيادة، وتفاقم في تهديد المتطرفين عن طريق نشر الميليشيات المالية في شتى أنحاء المنطقة، الأمر الذي يزيد من المظالم لدى المدنيين.

وثمة انتقادات مفادها أنه يجري الكثير من التركيز على الحلول العسكرية، وليس هناك اهتمام كافٍ بالترويج للديمقراطية، وتخفيف الفقر، وإنشاء الدولة، والتي يتم توجيهها إلى الولايات المتحدة أيضاً، فهي تحتفظ بقاعدتين في النيجر، إحداهما تدار من قبل المخابرات المركزية الأميركية ومجهزة بطائرات بلا طيار، ومزودة بالأسلحة. ومن غير الواضح حتى الآن كيف سيكون أسلوب الرئيس الأميركي جو بايدن في التعامل مع المنطقة، وإن كان قد أمر بوقف غارات الطائرات بلا طيار مؤقتاً.

وأشارت المحللة السياسية البريطانية، ألكساندرا رضا، إلى أن الاستراتيجيات الغربية في منطقة الساحل الإفريقي فشلت في «معالجة التوترات المعقدة والمتجذرة عميقاً في المنطقة» مضيفة أن «ذلك ما أدى إلى ظهور حركات تمرد»، والتي تتضمن «تعرض سبل الرزق لدى المدنيين لهجمات، وظهور شبكات تهريب تديرها نخب سياسية اقتصادية، وفشل الدول في تأمين الأمن الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين»، وكانت الآثار الخلافية على الأراضي والمصادر هي عوامل زعزعة استقرار إضافية.

وثمة تقرير جديد مدمر صادر عن «مجموعة الأزمات الدولية» يتحدث عن العديد من هذه المخاوف، ويحذر من أنه تمت خسارة المعركة الهادفة إلى حماية دول الساحل. وقال تقرير المجموعة: «تعرضت استراتيجية استقرار دول الساحل التي تقودها فرنسا للانهيار وسط ارتفاع في حالات القتل المدنية وتزايد الميليشيات المتطرفة، إضافة إلى تآكل ثقة العامة في حكومات دول المنطقة». وأضاف التقرير أن دول الساحل تواجه «أزمة عميقة، ويجب على الاستراتيجية العمل على تهدئة المنطقة عن طريق توظيف الكثير من الاستثمارات في مجال الأمن، والتنمية، والحكم الرشيد، ولكن الأهم من كل ذلك أن الاستراتيجية انطوت على الكثير من التقصير»، ولهذا ثمة حاجة ماسة إلى برنامج تصحيحي يضع هذه الأهداف في قمة الأولويات.

وحتى لو كان صانعو السياسة الغربيون يعنيهم الموضوع، فقد تم كتابة هذه الكلمات قبل أن تنفجر المعارك في تشاد التي تعتبر العمود الرئيس للأمن في المنطقة. وإذا تمكنت القوات المتمردة من الدخول إلى نجامينا فسيكون إنقاذ منطقة الساحل أكثر صعوبة بكثير.

سايمون تيسدال : كاتب أميركي في الشؤون الخارجية لـ«الغارديان»


فرنسا تفضل رجلاً قوياً آخر مثل ديبّي الابن على المخاطرة بحرب أهلية، أو عملية فوضوية لانتخاب قائد وطني بديل في تشاد.

يسهم خليط من الحكم الفاسد، والقمعي، والمستبد، ومخلفات عصر الاستعمار، والتدخلات الخارجية، وجائحة «كورونا»، والفقر وسوء التغذية، في منح منطقة الساحل سمعتها بأنها جزء من الجحيم.

تويتر