كلٌّ على طريقته

الانتخابات الإسرائيلية والفلسطينية تنتهك الأعراف الديمقراطية

المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية يقطنها نحو 650 إلى 750 ألف مستوطن. أ.ف.ب

للمرة الأولى، منذ عقود، ستعقد السلطة الفلسطينية وإسرائيل انتخابات برلمانية متقاربة من حيث الزمن، يفصل بينها بضعة أشهر. وسيرى كثيرون في المجتمع الدولي ووسائل الإعلام ذلك باعتباره تمريناً مشتركاً على ممارسة الديمقراطية، لكن في حقيقة الأمر ما سيحدث هو نافذة على حقيقة نظام يحرم الفلسطينيين الحرية والحقوق الأساسية، التي تعتبر من المسلّمات في شتى أنحاء العالم.

وعند عبور شوارع الضفة الغربية، خلال هذا الربيع، سيرى المرء ملصقات انتخابية تسيء للمنظر الطبيعي الجميل لأشجار الزيتون واللوز. لكنه سيدرك، بعد مزيد من التمعن، أن هذه الملصقات ليست لفلسطيني يقوم بحملة لدخول البرلمان، وإنما لمرشح إسرائيلي للبرلمان الإسرائيلي. وهو الأمر الذي يطرح سؤالاً مشروعاً، مفاده: لماذا يقوم الإسرائيليون بحملاتهم الانتخابية في الضفة الغربية، وهي المنطقة التي حددها القانون، والإجماع الدوليان، لأن تكون جزءاً من الدولة الفلسطينية المستقبلية؟

سياسة لا تتوقف عند الخط الأخضر

تحتل إسرائيل وتسيطر على كامل أراضي الضفة الغربية، وقامت بضم أجزاء كبيرة منها، من خلال استيطان ما بين 650 إلى 750 ألف إسرائيلي في الأراضي الفلسطينية. وبموجب قانون محكمة الجزاء الدولية في روما، فإن طبيعة هذه المستوطنات ليست غير شرعية فقط، وإنما تعتبر جريمة حرب. ومع ذلك، فإن المستوطنين غير الشرعيين قادرون على ترشيح أنفسهم، والقيام بحملة انتخابية، والتصويت للانتخابات الإسرائيلية، وشغل منصب صانع الملك في الائتلاف السياسي الإسرائيلي.

و«ديمقراطية» إسرائيل الشهيرة، مثل سياساتها التوسعية لا تتوقف عند الخط الأخضر ولا تعترف به، بل إنها جرفته إلى عالم النسيان. ومن الناحية العملية، إن إسرائيل تمارس سيطرة كاملة على الأراضي الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط.

ولا يسمح للفلسطينيين القاطنين في الضفة الغربية، ولا في غزة، ولا القدس الشرقية، بالتصويت للنظام الذي يتحكم بجميع جوانب حياتهم، مع أن الإسرائيليين الذين يعيشون معهم في الأرض ذاتها يمتلكون حق التصويت. ويصوت الملايين الخمسة الذين يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة للسلطة الفلسطينية، وهي هيئة إدارية تسيطر جزئياً هذه الأيام على نحو 40% من الضفة الغربية وتعتمد على إسرائيل من أجل بقائها. وكان من المفروض أن تبقى السلطة الفلسطينية لمدة خمس سنوات، بعدها ينتقل الفلسطينيون إلى مرحلة الدولة، لكن هذه الدولة لم تظهر حتى الآن. وعملت العديد من الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على عدم قيام هذه الدولة، عن طريق بناء المستوطنات وضم الأراضي الفلسطينية، لتحويل الضفة الغربية وقطاع غزة إلى أرخبيل من المراكز السكانية الفلسطينية المنفصلة عن بعضها بعضاً.

سنوات من القمع السياسي

تأتي انتخابات السلطة الفلسطينية في 22 مايو المقبل، بعد سنوات من القمع السياسي، والموجة الأخيرة من القوانين المناهضة للديمقراطية التي أقرتها القرارات الرئاسية، واستهدفت استقلال القضاء والمجتمع المدني. وينظر البعض إلى الانتخابات المقبلة باعتبارها اتفاقاً على تقاسم السلطة بين الحزبين الحاكمين الرئيسين «فتح» و«حماس»، حيث يستطيعان من خلالها تعزيز المكتسبات التي تم تحقيقها من الانتخابات البرلمانية الأخيرة عام 2006. والواقع أنه في مجتمع متوسط عمر أفراده هو 21 عاماً، فإن معظم، إذا لم نقل جميع مناصب القيادة، يشغلها أشخاص معدل أعمارهم 70 عاماً.

وعلى الرغم من التعطش الحقيقي للشبان الفلسطينيين للمشاركة في العملية الديمقراطية واختيار ممثليهم، فإن التغيرات الأخيرة التي أجرتها السلطة الفلسطينية للقوانين الانتخابية، جعلت من المستحيل عملياً المنافسة، وكسر احتكار الفصائل الحاكمة في الضفة الغربية وقطاع غزة. وعلى سبيل المثال، فإن أعمار المرشحين يجب أن تزيد على 28 عاماً، وهي الأعلى في العالم، كما أنها تستبعد العديد من الفلسطينيين الراغبين في ترشيح أنفسهم. ويجب على المرشحين دفع رسوم تبلغ نحو 20 ألف دولار، من أجل تسجيل أسمائهم في القوائم الانتخابية، ويجب عليهم الاستقالة من عملهم، وهو الأمر البالغ الصعوبة في منطقة تعاني معدلات عالية جداً من البطالة. وفي النهاية، تم الإعلان عن الانتخابات قبل بضعة أشهر من موعد إجرائها، بموجب نظام انتخابي جديد، يعتمد على التمثيل النسبي الذي يميل لمصلحة الأحزاب القوية.

آثار الاحتلال الساحقة

وفوق كل هذه القيود الهيكلية، هناك أيضاً الآثار الساحقة للاحتلال العسكري في المشاركة السياسية الفلسطينية. ولطالما رفضت إسرائيل مشاركة الفلسطينيين المقيمين في القدس الشرقية بالانتخابات، واعتقلت أعضاء البرلمان منهم. ويعيش الفلسطينيون تحت الاحتلال بموجب القوانين العسكرية الإسرائيلية، لذلك فهم محرومون من الحقوق المدنية، ولا يتمتعون بحرية التجمع، أو تشكيل الجمعيات أو التعبير، ومن غير القانوني إنشاء أحزاب سياسية جديدة.

وحكاية الانتخابات لدى الطرفين الإسرائيلي، والسلطة الفلسطينية، لا تتعلق بالديمقراطية، وإنما بمنح الشرعية لنظام يضمن الحفاظ على التفوق والسيطرة على شعب على آخر. ومن خلال هذا الواقع، فإن الفلسطينيين مجردون من السيادة والقدرة على صنع مستقبلهم وحياتهم، والقدرة على مواجهة الاضطهاد. وهذا النظام لا يمكن أن يمنح الديمقراطية الحقيقية لهذا يجب تفكيكه. ويجب إيجاد عقد اجتماعي جديد، حيث يستطيع الجميع ممارسة تقرير المصير الحقيقي والحرية والمساواة.

ويحتاج الفلسطينيون إلى آلية مؤسساتية لتعزيز حركتهم الوطنية لتستطيع مواجهة الوضع الراهن. ويعتمد الطريق للتقدم والمضي إلى الأمام على نظام سياسي تم إخضاعه لإصلاحات جذرية ديمقراطية وتمثيلية، ويمكن أن يمنح التصويت لـ13 مليون فلسطيني، موزعين في شتى أنحاء العالم. وسيبدأ الطريق نحو الحرية بنا.

سالم البراهمة: المدير التنفيذي لمعهد فلسطين للدبلوماسية العامة


تحتل إسرائيل وتسيطر على كامل أراضي الضفة الغربية، وقامت بضم أجزاء كبيرة منها، من خلال استيطان ما بين 650 إلى 750 ألف إسرائيلي في الأراضي الفلسطينية. وبموجب قانون محكمة الجزاء الدولية في روما، فإن طبيعة هذه المستوطنات ليست غير شرعية فقط، وإنما تعتبر جريمة حرب. ومع ذلك، فإن المستوطنين غير الشرعيين قادرون على ترشيح أنفسهم، والقيام بحملة انتخابية، والتصويت للانتخابات الإسرائيلية، وشغل منصب صانع الملك في الائتلاف السياسي الإسرائيلي.

يجب على المرشحين الفلسطينيين دفع رسوم تبلغ نحو 20 ألف دولار، كرسوم لتسجيل أسمائهم في القوائم الانتخابية، وألا تقل أعمارهم عن 28 عاماً.

تويتر