صراع القرن الـ 21 يتواصل بسببها

القوى العظمى تتنافس على موارد إفريقيا وأسواقها سريعة النمو

صورة

خلال عهد الرئيس السابق، دونالد ترامب، سحبت الولايات المتحدة القوات والموارد من إفريقيا، جزءاً من تحوّل أوسع في استراتيجية مكافحة الإرهاب، التي أصبحت محل تنافس القوى العظمى، وفي عام 2018 استخدمت إدارة ترامب المصطلح الملطف «التحسين»، لكن المصطلح الأكثر دقة هو «فك الارتباط»، وقد قلصت الجهود المبذولة لمحاربة المسلحين في الكاميرون والنيجر ونيجيريا، ما قلّل من المشاركة العسكرية الأميركية في بعض المناطق، الأكثر اضطراباً في القارة، وفي الأشهر الأخيرة من رئاسة ترامب، سحبت إدارته جميع القوات الأميركية، تقريباً، من الصومال.

تحوّل

ويعكس التحول في استراتيجية الولايات المتحدة تجاه إفريقيا، الافتراض الذي يحظى بدعم الكثيرين في واشنطن، بأن مكافحة الإرهاب والأولويات الأميركية الأخرى طويلة الأمد في إفريقيا ستتضاءلان من حيث الأهمية، مع اشتداد المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، وقوى مهمة أخرى، لكن هذا الافتراض خاطئ، وفي الواقع ستصبح إفريقيا واحدة من المناطق المهمة لأميركا، والمنافسة بين القوى العظمى ستزيد من حاجة الولايات المتحدة إلى محاربة الإرهابيين، وحماية الديمقراطية والتجارة، والمشروعات الحرة في إفريقيا، لكن يتعين القيام بذلك مع إيلاء اهتمام خاص للحد من تأثير روسيا والصين، وتحتاج إدارة الرئيس، جو بايدن، إلى استراتيجية جديدة، لتحقيق هذه الغايات معاً وبصورة مستدامة وبكلفة مقبولة.

ولطالما كان لدى الولايات المتحدة سياسة تجاه القارة السمراء، إذ إنها تدير عمليات يومية من خلال سفرائها، وتكيف نهجها مع كل دولة من دول القارة، البالغ عددها 54 دولة، لكن القضايا الأكثر إلحاحاً، اليوم، بما في ذلك الإرهاب، وتغير المناخ، والأوبئة، والهجرة غير النظامية، يمكن أن تخضع للمنسقين الإقليميين، الذين تتجاوز سلطتهم الحدود الوطنية. ولحماية مصالحها في القارة، والحد من نفوذ منافسيها، يجب على الولايات المتحدة أن تبدأ التفكير على المستوى الإقليمي، بدلاً من التفكير على المستوى الوطني.

إن وضع مثل هذه السياسة مسألة ملحّة إلى حد ما، وبصفتنا ضباطاً عسكريين حاليين وسابقين، فإن أحدنا تولى قيادة العمليات الخاصة الأميركية في إفريقيا، من 2017 إلى 2019، ونعتقد أنه يجب على الولايات المتحدة أن تضع نفسها شريكاً مفضلاً للدول الإفريقية، في عصر المنافسة بين القوى العظمى، وسيؤدي عدم القيام بذلك إلى تعريض المصالح الأميركية في القارة للخطر، وربما أمن الولايات المتحدة في الداخل.

الشريك المفضل

سواء أحببنا ذلك أم لا، فإن «صراع القرن الـ21 من أجل إفريقيا» يتواصل، وتعمل روسيا والصين، على وجه الخصوص، على تكثيف النشاطين الاقتصادي والعسكري في القارة، في الوقت الذي تتراجع الولايات المتحدة، ويرى كلا البلدين فرصاً لبناء علاقات اقتصادية، وتأمين الوصول إلى الموارد الطبيعية والأسواق سريعة النمو، وتشكيل تحالفات سياسية، وتعزيز نماذج الحكم غير الليبرالية الخاصة بهما. ووسعت روسيا بشكل كبير من وجودها في إفريقيا خلال السنوات الأخيرة، إذ وقّعت صفقات عسكرية مع 19 دولة، على الأقل، منذ عام 2014، وأصبحت أكبر مورّد للأسلحة في القارة. وبعد أيام قليلة من إعلان الولايات المتحدة عن خططها للانسحاب من الصومال، في ديسمبر 2020، قالت روسيا إنها توصلت إلى اتفاق لإنشاء قاعدة بحرية جديدة في بورتسودان، بينما تعمل الآن شركات المرتزقة التابعة لها في جميع أنحاء القارة، بما في ذلك مجموعة «فاغنر»، التي خاضت معركة دامية ضد قوات العمليات الخاصة الأميركية في سورية عام 2018، وتوجد في ليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى وموزمبيق وغيرها من البلدان.

وتسعى الصين أيضاً للحصول على النفوذ في إفريقيا، إذ أنشأت أول قاعدة عسكرية خارجية لها في جيبوتي عام 2017، وتنفق مبالغ طائلة على مشروعات البنية التحتية لتأمين الوصول إلى الموارد، ولشراء النيات الحسنة والأصوات في المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة. وروج قادة الصين لنظامهم نموذجاً يحتذى للقادة الأفارقة، الذين يسعون لتوسيع اقتصاداتهم من دون السماح بإصلاحات ديمقراطية. وممارسات الإقراض الجذابة، وسياسة عدم التدخل في ما يتعلق بحقوق الإنسان وتحرير السوق، والفساد، كلها عوامل تمنح الصينيين تأثيراً إضافياً في الحكومات الإفريقية الفقيرة.

ويعمل النشاطان الروسي والصيني المتزايدان على تحويل إفريقيا إلى مسرح للمنافسة مع الولايات المتحدة، تماماً كما جعلت المناورات السوفييتية والأميركية القارة مكاناً للتنافس في الحرب الباردة، وفي النصف الثاني من القرن الـ20، قدمت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي والصين وإيران وكوريا الشمالية مساعدات عسكرية للحكومات والمتمردين في جميع أنحاء إفريقيا، وانخرطت هذه البلدان في حروب بالوكالة، وفي بعض الأحيان أرسلت قواتها إلى القتال، وأرسلت روسيا وكوبا، على سبيل المثال، عشرات الآلاف من الجنود للقتال في حرب أوغادين بين إثيوبيا والصومال، وفي الحرب الأهلية الأنغولية.

ولحسن الحظ، تتقاطع الولايات المتحدة مع الدول الإفريقية في مصلحة مشتركة، تتمثل في مواجهة الجماعات المسلحة، ومن خلال تقديم مساعدة مستدامة وفعالة لمكافحة الإرهاب، يمكن للولايات المتحدة أن تصبح الشريك المفضل للدول الإفريقية، وتشجعها على تطوير اقتصاداتها وأنظمتها السياسية وفقاً للمعايير الغربية، وتعتمد المنافسة الناجحة بين القوى العظمى في إفريقيا على قدرة الولايات المتحدة على كسب الحكومات الإفريقية، من خلال استراتيجية شاملة لمكافحة التمرد، وذلك بمعالجة الأسباب الجذرية للإرهاب، وتضع الأساس السياسي والاقتصادي والتنموي للاستقرار والازدهار في المستقبل.

التركيز على الدولة

يعتمد نهج الولايات المتحدة تجاه إفريقيا على السفراء ليكونوا صانعي القرار الأساسيين، وتمنح المكاتب الإقليمية التابعة لوزارة الخارجية، السفراء درجات متفاوتة من الدعم والتوجيه، لكن رؤساء البعثات ينسقون بشكل وثيق مع الحكومات المضيفة لهم، ويتمتع هذا النهج بميزة وضع المحترفين الدبلوماسيين المهنيين في وضع القيادة، عند التعامل مع المشكلات والأزمات الخاصة بكل بلد، ولسوء الحظ لا يملك السفراء لا الموظفين ولا الحافز للنظر خارج حدود البلدان المضيفة لهم، للانخراط مع المنظمات الإقليمية، أو معالجة المشكلات العابرة للحدود، مثل حركات التمرد المسلحة. ولا يفشل نهج «كل بلد على حدة» في معالجة قضايا التنسيق فحسب، بل يمكن أن يعمل أيضاً على ترسيخ هذه القضايا، وعلى سبيل المثال، يوافق الكونغرس على تمويل الأنشطة العسكرية بناءً على تقييمه للبلدان الشريكة الفردية، وليس بناءً على الديناميكيات الإقليمية للتهديد، ونتيجة لذلك قد يوافق المشرّعون على برنامج لتدريب وتجهيز قوة في دولة ما لمواجهة تهديد إقليمي، لكن مع تقييد استخدام المعدات الأميركية، وأنشطة المستشارين الأميركيين داخل حدود ذلك البلد.

ولا يؤدي هذا التناقض إلى إعاقة جهود مكافحة التمرد فحسب، بل يغذي أيضاً فكرة أن الجيش الأميركي شريك غير موثوق به، وفي هذا السياق دعا منتقدو النهج الحالي لـ«كل دولة على حدة»، إلى استراتيجية قارية شاملة، والتفكير على المستوى الإقليمي، وبالفعل نشرت إدارتا باراك أوباما وترامب استراتيجيات للمشاركة على مستوى القارة، لكن لم تحدد أي منهما الغايات أو الوسائل، ونتيجة لذلك كان لدى مسؤولي الحكومة، بمختلف مستوياتهم، الحرية في تفسير الاستراتيجيات على النحو الذي يرونه مناسباً، واستمر نهج «كل بلد على حدة» في الممارسة العملية.

وثائق مفيدة

وكانت وثائق إدارتي أوباما وترامب مفيدة من حيث أنها قدمت أُطراً واسعة للمشاركة، لكن الحقيقة أن احتياجات إفريقيا متنوعة للغاية ومعقدة للغاية بحيث لا تمكن معالجتها من خلال استراتيجية واحدة، إلا على مستوى سطحي للغاية، وما تحتاج إليه الولايات المتحدة ليس استراتيجية قارية شاملة، بل استراتيجية مصممة خصيصاً لمناطق معينة، وقد بدأت البلدان الإفريقية بنفسها في اتباع هذا النهج.

وعلى سبيل المثال، رداً على الأنشطة المسلحة المرتبطة بتنظيمَي «القاعدة» و«داعش» الإرهابيين، عبر منطقة الساحل، أنشأت خمس دول إفريقية «مجموعة الساحل الخمس»، لتنسيق الأنشطة العسكرية، وتمكين العمليات المشتركة عبر الحدود، وطلب المساعدة من الداعمين الدوليين، وبالمثل فإن فرقة العمل المشتركة متعددة الجنسيات، في حوض بحيرة تشاد، تنسق الأنشطة العسكرية بين الكاميرون وتشاد والنيجر ونيجيريا، لمواجهة «بوكو حرام»، كما تنسق بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال جهود بوروندي وإثيوبيا وكينيا وأوغندا، ودول أخرى، لمحاربة «حركة الشباب».

العودة إلى تنافس القوى العظمى لا يعني أن يبتعد اهتمام الولايات المتحدة عن إفريقيا، وعلى العكس من ذلك فإن النشاط المتزايد لكل من الصين وروسيا في القارة، يتطلب من أميركا التزاما أكثر، وذلك من أجل تعزيز الاستقرار والحوكمة الجيدة، والانفتاح الاقتصادي في إفريقيا، بينما تواجه النفوذ غير الليبرالي للقوى المتنافسة، ولتحقيق ذلك فإن واشنطن بحاجة إلى استراتيجية إقليمية، يمكنها أن تتعامل مع التهديدات عبر حدود الدول، وفي حال أخفقت في ذلك سيستفيد خصوم الولايات المتحدة من الوضع في قارة من المتوقع أن تنمو فيها الفرص والمخاطر، على حد سواء، في العقود المقبلة.

• يعمل النشاطان الروسي والصيني المتزايدان على تحويل إفريقيا إلى مسرح للمنافسة مع الولايات المتحدة، تماماً كما جعلت المناورات السوفييتية والأميركية القارة مكاناً للتنافس في الحرب الباردة.

• نشرت إدارتا أوباما وترامب استراتيجيات للمشاركة على مستوى القارة، لكن لم تحدد أي منهما الغايات أو الوسائل، ونتيجة لذلك كان لدى مسؤولي الحكومة، بمختلف مستوياتهم، الحرية في تفسير الاستراتيجيات على النحو الذي يرونه مناسباً، واستمر نهج «كل بلد على حدة» في الممارسة العملية.

ماركوس هيكس - جنرال متقاعد من القوات الجوية، عمل قائداً للقيادة الأميركية للعمليات الخاصة، في إفريقيا

كايل أتويل - ضابط كبير في الجيش الأميركي وحائز على الدكتوراه في الشؤون الدولية

دان كوليني - ضابط سامٍ في الجيش الأميركي

تويتر