معاناتهم أخذت أبعاداً جديدة خلال العام الجاري

أوضاع الأطفال في بؤر الصراع بالشرق الأوسط تتفاقم

صورة

فرضت التطورات التي شهدتها بؤر الصراعات المسلحة بدول الشرق الأوسط خلال عام 2020، تداعيات مباشرة على أوضاع الأطفال، من زوايا مختلفة، أبرزها الاعتداء على المنشآت التعليمية، وحرمان الأطفال من التعليم فيها، والتشوه نتيجة انفجار الألغام والمقذوفات العشوائية في الأحياء السكنية المكتظة بالأطفال، والتعرض للعنف الجنسي والتجنيد القسري، وهو ما يمكن تفسيره استناداً إلى عوامل عدة، هي: انهيار مستوى الخدمات الصحية والتعليمية، نظراً لاستهدافها من قبل أطراف الصراع، وتزايد تداعيات جائحة «كوفيد-19»، وانتهاك الميليشيات المسلحة حقوق الأطفال، ومعاناة الأطفال الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وضعف التأهيل النفسي لاحتواء تداعيات ما بعد الصراع.

الأجيال الضائعة

بدأت العديد من المنظمات الدولية واللجان الوطنية في رصد وتحليل مشكلات الأطفال في مناطق جغرافية منها، وبالذات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خلال الفترة الماضية، وهو ما يتزامن مع الاحتفالات باليوم العالمي للطفل، الذي يوافق الـ20 من شهر ديسمبر. وعلى الرغم من أن مشكلات الأطفال في البؤر الصراعية بالإقليم ليست ظاهرة جديدة، إلا أن لها أبعاداً جديدة وكثافة متزايدة في عام 2020 مقارنة بأعوام سابقة.

وتتمثل أبعاد تأثر الأطفال في بؤر الصراعات بالإقليم، وفقاً لما تشير إليه تقارير أممية ودولية وإقليمية ووطنية، في ما يلي:

1انهيار مستوى الخدمات الصحية والتعليمية

تعاني كل بؤر الصراعات المسلحة في ليبيا واليمن وسورية انهيار منظومة الخدمات، خصوصاً بالنسبة للأطفال، إذ انهارت المباني والمؤسسات التعليمية، ولا تتوافر الأدوية والتطعيمات في المستشفيات والمراكز الصحية، ما قد يؤثر في صحة وسلامة الأطفال، خصوصاً من الناحية النفسية، حيث تشير بعض الكتابات إلى أن الوضع الميداني الصراعي انعكس على الأطفال لمحاكاة مشاهد العنف، وتجسيد شخصيات «أمراء الحرب»، خصوصاً في ظل النزاعات الجهوية والقبلية والمناطقية والعرقية.

وهنا تجدر الإشارة إلى التأثيرات المتعددة التي يعاني منها المدنيون في بؤر الصراعات، ومنهم الأطفال، وإن كانت الحالة اليمنية أكثر حدة، بسبب الممارسات التي تقوم بها ميليشيات المتمردين الحوثيين.

وقد قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في 20 نوفمبر الماضي، إن «اليمن صار في خطر وشيك من أسوأ مجاعة يشهدها العالم منذ عقود»، محذراً من أنه «في حال عدم اتخاذ إجراء فوري، فمن الممكن أن تزهق ملايين الأرواح»، وبصفة خاصة الأطفال.

2تزايد تداعيات جائحة «كوفيد-19»

ازدادت الأوضاع سوءاً بالنسبة للأطفال في بؤر الصراعات المسلحة بعد الانتشار السريع للجائحة، وتعطل المدارس وإغلاق الحضانات، ما تسبب في تراجع الصحة النفسية لهم، بل نشوء جيل ضائع. وفي هذا السياق، حذر تقرير حديث لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) ــ الذي جاء تحت عنوان «مستقبل جيل بأكمله في خطر» في 18 نوفمبر الجاري، واستند إلى استطلاعات من 140 دولة ــ من التداعيات التي تفرضها الموجة الثانية لـ«كوفيد-19»، في ما يخص أبعاداً أربعة، هي: العواقب المباشرة للمرض نفسه، وانقطاع الخدمات الأساسية، وزيادة الفقر، وعدم المساواة.

وفي هذا السياق، تشير مدير منظمة «اليونيسيف»، هنريتا فور، إلى «خرافة مستمرة منذ انتشار (كوفيد-19)، مفادها أن الأطفال هم أقل الفئات العمرية تأثراً بالوباء، غير أن ذلك غير صحيح، بل يمكن أن ينقل هؤلاء الأطفال عدوى الفيروس إلى الفئات العمرية الأكبر سناً، لاسيما في ظل تراجع خدمات الرعاية الصحية، وسوء التغذية الحاد في بعض الدول، ومنها بؤر الصراعات ونقاط الحروب في الشرق الأوسط ومناطق إفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا».

وهنا تجدر الإشارة إلى البيان الصادر عن الأمم المتحدة في 15 يونيو 2020، الذي نبه إلى خطر احتمال وفاة أكثر من 51 ألف طفل إضافي دون الخامسة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نهاية 2020، بسبب مشكلات على أكثر من مستوى، أفرزتها مواجهة فيروس «كورونا»، حيث أدت إلى اختلالات في الرعاية الصحية والغذائية الموجهة إلى الأطفال.

3 انتهاك الميليشيات المسلحة حقوق الأطفال

أفاد مكتب حقوق الإنسان بالعاصمة اليمنية صنعاء في 21 نوفمبر الجاري، بأن ميليشيات المتمردين الحوثيين ارتكبت 24 ألفاً و488 انتهاكاً ضد أطفال العاصمة خلال الفترة من نوفمبر 2019 إلى نوفمبر 2020. وأضاف أن «انتهاكات الميليشيات بحق الأطفال شملت حالات قتل واختطاف واعتداء جسدي وتجنيد إجباري، ونهب واقتحام المؤسسات الصحية والتعليمية، وإقامة أنشطة وفعاليات طائفية»، على نحو ما ظهر خلال جلسات الاستماع «المغلقة» للأطفال ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان خلال الصراع المسلح.

4 معاناة الأطفال الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي

لايزال الأطفال الفلسطينيون يعانون ممارسات قوات الاحتلال، وهو ما عبّر عنه وزير التنمية الاجتماعية الفلسطيني، الدكتور أحمد مجدلاني، في 21 نوفمبر الماضي، قائلاً: «إن يوم الطفل العالمي يشهد على معاناة أطفال فلسطين تحت الاحتلال، الذي مازال، ورغم جميع الظروف التي يمر بها العالم، يعتقل نحو 170 طفلاً في سجونه»، وحمّل مجدلاني الاحتلال المسؤولية عن حياتهم في ظل انتشار «كوفيد-19».

وأضاف: «إن يوم الطفل العالمي يذكرنا بمسؤولية المجتمع الدولي والمنظمات الدولية لمناصرة أطفال فلسطين، وصيانة حقوقهم، والضغط بشكل فاعل وحقيقي على حكومة الاحتلال الإسرائيلي لكي تلتزم بالمواثيق الدولية الداعية لاحترام حقوق الأطفال، والإفراج الفوري عن جميع الأطفال الفلسطينيين المعتقلين في سجونها، ووقف الممارسات العنصرية والانتهاكات المتكررة بحق الطفولة في الأراضي الفلسطينية»، داعياً المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته أيضاً تجاه أطفال القدس، وما يتعرضون له من انتهاكات، سواء من الاحتلال الإسرائيلي أو من المستوطنين.

5 ضعف التأهيل النفسي لاحتواء تداعيات ما بعد الصراع

يعد الأطفال أكثر الفئات التي تعاني الصراعات التي شهدتها دول الإقليم، على نحو يجعلهم أكثر حاجة للتأهيل والتعافي في مرحلة ما بعد سكوت المدافع. فقد طالبت اللجنة الليبية لحقوق الإنسان في بيان لها، نشرته صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية في 23 نوفمبر الماضي، بـ«الالتفات إلى ملف الصحة النفسية، وأثر الحرب والنزاعات المسلحة والنزوح على الأطفال»، وشددت على ضرورة توفير مراكز تأهيل وبرامج تعالج أزمات ما بعد الصراع.

وطالبت اللجنة أيضاً وزارة الشؤون الاجتماعية بالاهتمام بالأطفال، بغض النظر عن وضعهم القانوني، وكذلك ضرورة أن يبحث جهاز مكافحة الهجرة غير المشروعة عن حل لاحتجاز الأطفال المهاجرين، خصوصاً غير المصحوبين بذويهم، والعمل على إيجاد بدائل عاجلة، مثل نقلهم إلى دور الرعاية الاجتماعية للأطفال، والتعاون مع المنظمات المحلية والدولية العاملة من أجل جمعهم بذويهم.

في سياق متصل، قالت منظمة «اليونيسيف» في 21 نوفمبر الماضي: «إن 348 ألف طفل في ليبيا يحتاجون إلى مساعدة إنسانية عاجلة بسبب تداعيات النزاع المسلح، والأزمات السياسية والاقتصادية، وجائحة كوفيد-19»، لافتة إلى أنهم «يتعرضون بشدة للعنف والاستغلال والاتجار والعنف القائم على النوع الاجتماعي والتجنيد من قبل الجماعات المسلحة والاحتجاز غير القانوني».

انتهاكات متعددة

الأطفال يمثلون الحلقة الأضعف في بؤر الصراعات بإقليم الشرق الأوسط، وتعرضوا لانتهاكات متعددة، نتيجة قتلهم في المواجهات العسكرية، وتشوههم بسبب الضربات العشوائية في المناطق السكنية المكتظة بهم، وتضررهم من نقص الرعاية الصحية والتعليمية، خصوصاً بعد انتشار «كوفيد-19»، ونزوحهم إلى بيئات جغرافية أكثر أمناً نسبياً، فضلاً عن الحرمان من وصول المساعدات الإنسانية المقدمة من الوكالات الإغاثية، يضاف إلى ذلك التحدي الأكبر المتعلق بغياب وضع الأطفال في قلب عمليات حل وتسوية الصراعات.

غير أن هناك أدواراً إيجابية وفعّالة تقوم بها بعض الدول في الإقليم، على نحو ما عبّر عنه الوفد الإماراتي عبر تقنية الاتصال المرئي أمام المناقشة السنوية التي عقدها مجلس الأمن في 24 يونيو الماضي حول «الأطفال والنزاع المسلح»، حيث قال البيان الصادر عن الوفد: «لقد عانى الأطفال طويلاً للحصول على الخدمات الصحية وتلبية احتياجاتهم الأساسية، بما في ذلك الحصول على التعليم، كما أن ضعف نظم الحماية الاجتماعية للأطفال يُشجع الجماعات المسلحة على تجنيد الأطفال واستغلالهم جنسياً».


يعد الأطفال أكثر الفئات التي تعاني في الصراعات التي شهدتها دول الإقليم على نحو يجعلهم أكثر حاجة للتأهيل والتعافي.

ازدادت الأوضاع سوءاً بالنسبة للأطفال في بؤر الصراعات المسلحة بعد الانتشار السريع للجائحة، وتعطل المدارس وإغلاق الحضانات، ما تسبب في تراجع الصحة النفسية لهم، بل نشوء جيل ضائع.

تويتر