أصبحت قوية بما فيه الكفاية لتشكل تهديداً اقتصادياً

فريق بايدن يحتاج استراتيجية مختلفة للتعامل الاقتصادي مع الصين «الجديدة»

صورة

فريق الأمن القومي الجديد للرئيس الأميركي المنتخب، جو بايدن، هو مجموعة متميزة من الرجال والنساء ذوي الخبرة الطويلة في الشؤون العالمية، ومع ذلك، يتساءل المرء عما إذا كانت هذه الخبرة ستساعدهم أو تعيقهم في استيعاب التحديات التي تفرضها الصين الجديدة الحازمة.

وتظهر التهديدات الأخيرة لهذه الدولة الشيوعية ضد حليفتنا طويلة الأمد، أستراليا، وكيف أن السلوك الصيني الجديد حيالها مختلف، ويشكل خطورة أكبر مما شهده أي حليف آخر من قبل.

الأسبوع الماضي، نشرت السفارة الصينية في أستراليا قائمة تضم 14 شكوى ترقى إلى حد تهديد هذا الحليف بالخضوع الكامل لأوامر الصين.

وأكد الدبلوماسيون الصينيون في أستراليا أن الحكومة الصينية «غاضبة» من قرار أستراليا بحظر شركة الاتصالات الصينية العملاقة، هواوي، من المشاركة في شبكة 5G الخاصة بها، وأيضاً من تقارير «غير ودية أو معادية» للصين نشرتها وسائل إعلام أسترالية. وبعبارة أخرى، هددت الصين بانتقام اقتصادي ضد أستراليا، كل ذلك لأنها تصرفت كدولة حرة.

خطورة التهديدات

جميع الأرقام على قائمة الشكاوى، وحتى الرقم «14»، تكشف عن خطورة التهديدات الصينية. وبقدر ما يعتبر الرقم 13 نذيراً لسوء الحظ في الولايات المتحدة، فإن أي رقم يتضمن الرقم «أربعة» يعتبر سوء حظ للغاية في الصين، لأن الرقم «أربعة» بلغة الماندرين يشبه إلى حد بعيد نذير «الموت». وفي الغالب الأعم لا تتكون المباني الصينية من «أربعة» طوابق، وغالباً لا تتضمن أنظمة الأسلحة الصينية الرقم أربعة في أسمائها. والرقم 14 أكثر سوءاً بالنسبة للصينيين، لأنهم يعتبرونه مثل «موت محتوم» أو «ميت» في الماندرين.

لا أحد يعتقد أن الصين ستهاجم أستراليا عسكرياً، لكن الحرب الاقتصادية تشغل حيزاً كبيراً في أذهان حلفائنا. وتستورد الصين ما يقرب من ثلث صادرات أستراليا، ونظراً لأن الصادرات تشكل ما يقرب من 20% من الناتج المحلي الإجمالي الأسترالي، فهذا يعني أن الحكومة الصينية يمكنها خنق ما يقرب من 7% من اقتصاد هذه الدولة. ولكن هذا أيضاً يؤثر في نفوذ الصين، لأن أستراليا هي أيضاً مقصد للسياح، وطلاب الجامعات، والاستثمار المباشر للصينيين، وهذا الاستثمار يدعم القطاعات الاقتصادية الأخرى. وإذا غضبت الصين حقاً، فستتعرض أستراليا لضربات قد تنجم عن صراع اقتصادي شامل.

بكين تتنمر

أيضاً تنمرت الصين على حلفاء آخرين مقربين من الولايات المتحدة. وهددت أمن الشركات والأفراد الكنديين في هونغ كونغ، بعد أن انتقدت الحكومة الكندية حملة الحكومة الشيوعية على الحريات الديمقراطية في هونغ كونغ، التي يُزعم أنها تتمتع بالحكم الذاتي. وكررت رئيسة الوزراء النيوزيلندية، جاسيندا أرديرن، انتقاد بلادها لسياسة الصين في هونغ كونغ، بعد أن هدد دبلوماسيون صينيون بـ«اقتلاع أعين» شبكة الاستخبارات (العيون الخمس) المتبجحة، وهي المجموعة الاستخباراتية التي تتشكل من خمس دول، ويشكل الأستراليون جزءاً منها. ومع ذلك، تتمتع نيوزيلندا أيضاً بعلاقات اقتصادية مهمة مع الصين، التي تعد ثاني أكبر شريك تجاري لها. وأدركت أرديرن ذلك في تعليقاتها، قائلة إن من الضروري «أن نبحر» بين كل من العلاقة التجارية والعلاقات السياسية الخارجية الشاملة.

ومع ذلك، فكلما استخدمت الصين اقتصادها كثقل لأهداف سياستها الخارجية الشاملة، كان هذا «الإبحار» يبدو لحلفائنا مثل الاختيار في العبور بين سيلا وشاريبدس. وكما تروي الأساطير الإغريقية، فإن سيلا وشاريبدس هما وحشان خالدان لا يمكن مقاومتهما، يحيطان بالمياه الضيقة التي اجتازها البطل أوديسيوس في رحلاته في ملحمة هوميروس، وعرفت هذه المياه الضحلة في ما بعد بمضيق ميسينا.

إرغام اقتصادي

جميع حلفائنا تقريباً عرضة للإرغام الاقتصادي الصيني، وهي حقيقة ستجعل من الصعب تحقيق وعود بايدن المتفائلة بأنه قادر على بناء جبهة متحالفة ضد الصين. وتتشابك ألمانيا أيضاً اقتصادياً مع الصين، التي تعتبر أكبر شريك تجاري لها، وكذلك الحال مع اليابان، التي يمثل تبادلها التجاري مع الصين 21% من تجارتها الخارجية. وسيكون من الصعب على الصين أن تشن حرباً اقتصادية ضد جبهة غربية موحدة حقاً، لكن الضغط المحموم من الشركات الغربية، التي تخشى فقدان المبيعات والأرباح، قد يؤدي إلى إحداث فوضى سياسية.

قبل 20 عاماً، كان رد الولايات المتحدة النموذجي في هذه الحالة هو أن تفتح لحلفائها الأسواق الأميركية تعويضاً عن الأسواق الصينية المفقودة، لكن هذا لم يعد خياراً حكيماً. فقد تضرر الأميركيون من الواردات الصينية في العقدين الماضيين، وسيؤدي تشجيع المزيد من واردات المواد الخام والسلع التامة الصنع من حلفائنا إلى عواقب سياسية محلية غير مقبولة.

ولم يعد الأميركيون يتمتعون بالرخاء القديم ليوافقوا على دعم اقتصادات حلفائنا بشكل غير مباشر، وهذا يعني أن فريق بايدن سيحتاج إلى التفكير خارج هذه المنطقة، لبناء تحالف فعال ضد الصين.

إن تشجيع المصانع على الانتقال إلى دول أكثر صداقة لن يكون سوى حل جزئي لهذه المشكلة، إذ لم تعد الشركات الغربية تستخدم الصين ببساطة كقاعدة تصنيعية لتصدير البضائع إلى الغرب، لأن المستهلكين في الصين أصبحوا الآن أثرياء بما يكفي، لدرجة أن الشركات الغربية تقوم بتسويق بضاعتها لهم مباشرة. هناك أمر آخر هو أن الحرب الاقتصادية العالمية الشاملة ستضر حتماً بالأعمال التجارية التي تزدهر في هذا النشاط، ويصعب تقديم أي جرعات إنقاذ قصيرة المدى لها. وسيستغرق الطلب في البلدان النامية الأخرى عقوداً لتعويض ما تبيعه العديد من الشركات حالياً في الصين.

الصين التي تشعر الآن بالقوة الكافية لتهديد حلفاء الولايات المتحدة هي بالفعل صين مختلفة عما كان عليه الحال في المواجهات التي حدثت إبان إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، والتعامل مع هذا الواقع هو أكبر مهمة سيواجهها فريق السياسة الخارجية لبايدن وأكثرها تعقيداً.


تستورد الصين ما يقرب من ثلث صادرات أستراليا، ونظراً لأن الصادرات تشكل ما يقرب من 20% من الناتج المحلي الإجمالي الأسترالي، فهذا يعني أن الحكومة الصينية يمكنها خنق ما يقرب من 7% من اقتصاد هذه الدولة.

الصين التي تشعر الآن بالقوة الكافية لتهديد حلفاء الولايات المتحدة هي بالفعل صين مختلفة عما كان عليه الحال في المواجهات التي حدثت إبان إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، والتعامل مع هذا الواقع هو أكبر مهمة سيواجهها فريق السياسة الخارجية لبايدن وأكثرها تعقيداً.

تويتر