الهجمــات السيـبـرانية ستتكثف بعد أزمة «كورونا»

خلال يونيو 2020، أعلن رئيس الوزراء الأسترالي، سكوت موريسون، أن الوكالات الحكومية، والشركات الخاصة، تواجه سلسلة هجمات إلكترونية، من «جهة تدعمها دولة». ومن الواضح أن فيروس «كورونا» لم يستطع إقناع الخصوم الجيوسياسيين بترك خلافاتهم جانباً، والعمل المشترك ضد عدو مشترك. ويتعين على أولئك العالقين في التوترات الجيوسياسية، خصوصاً الدول الصغرى، الاستعداد لفضاء إلكتروني أكثر تنازعاً.

وسلطت الأزمة الصحية الحالية الضوء على الترابط بين الدول والمجتمعات، في جميع أنحاء العالم. وفي الواقع، أشعل هذا الوباء نيران عدم الثقة، والشكوك التي تكمن وراء التنافسات الجيوسياسية.

وتُصر بعض الدول المتنافسة على القيام بحملات تأثير وأعمال عدائية ضد بعضها بعضاً، على الرغم من الكفاح لاحتواء تأثير الوباء. وتنظر هذه الدول إلى بعضها بعضاً على أنها تهديدات أكثر خطورة من «كوفيد-19». وعلى سبيل المثال، تعتقد الولايات المتحدة أن الصين تستغل الوباء لتقويض المصالح الاقتصادية الأميركية، وتخويف الدول الإقليمية التي لديها مطالبات في بحر الصين الجنوبي. وعلى العكس، تعتقد الصين أن واشنطن تستخدم الفيروس كأداة في حملتها العالمية، لحشد الدول الأخرى ضد صعود الصين.

وفي استعراض لعضلاتها، تطبق الدول المتنافسة أساليب «المنطقة الرمادية»، مثل: الإكراه الاقتصادي، والعنف المنخفض الشدة، والعمليات السيبرانية، ضد بعضها بعضاً. وبما أن هذه الأساليب الأقل ظهوراً وكثافة من النزاع التقليدي المسلح، فمن الصعب مواجهتها. ويخلق ضباب الحرب، الذي يرافق هذه الأساليب، خيارات للصراع أكثر من السلام. ويمكن أن يؤدي الاستخدام المستمر لهذه الأساليب إلى ترسيخ حالة العداء الدائم، بين الدول المتنافسة. وتعتبر الهجمات الإلكترونية مهمة كوسيلة وقوة مضاعفة، لترهيب أو التأثير في الدول المستهدفة. وتضمنت هذه العمليات الهجمات الإلكترونية التي تخترق البنية التحتية، والشبكات الرقمية، والهجمات المعرفية، التي تضخ المعلومات لاختراق قلوب وعقول الناس في الدول المستهدفة. وتُظهر الأحداث الأخيرة أن العمليات السيبرانية يمكن أن تُكمل الحملات الأوسع، لفرض ضغوط غير مباشرة على قادة الحكومات، ووكالات الدول المستهدفة.

وفي إيران، وقع العديد من الانفجارات الغامضة في مواقع حساسة، بما في ذلك منشأة «نطنز» النووية. وفي عام 2010، تعرضت هذه المنشأة لأضرار جسيمة بعد أن تعرضت أنظمة التحكم الصناعية في المنشأة، للهجوم الإلكتروني. ويُعتقد أن دودة كمبيوتر، من تصميم وكالات استخبارات إسرائيلية وأميركية، كانت أداة الهجوم. لذلك، لن يكون مفاجئاً إذا تسبب هجوم إلكتروني آخر في الانفجارات الأخيرة. ومما لاشك فيه أن هذه الانفجارات يمكن أن تضيف المزيد من المخاوف لبلد يعاني العقوبات الأميركية، وتفاقم أزمة «كورونا».

بالنظر إلى المستقبل، يمكن أن ترتفع الهجمات السيبرانية من حيث تواترها وكثافتها. وبما أنه من المتوقع أن يستمر «كوفيد-19»، وتأثيره الاجتماعي والاقتصادي لسنوات، فقد تضطر الدول إلى خفض الإنفاق الأمني. وقد تعيد توجيه المزيد من الموارد الوطنية لمعالجة المشكلات الاجتماعية الناشئة، وإحياء اقتصاداتها ورقمنتها. وقد تزيد الدول المتنافسة استغلال الفضاء السيبراني، بالنظر إلى ساحة الهجوم الموسعة، نتيجة زيادة رقمنة الاقتصادات والمجتمعات.

ويمكن أن ترتفع العمليات السيبرانية في واقع ما بعد «كورونا»، ويجب على الدول الصغيرة، على وجه الخصوص، أن تفعل المزيد للدفاع عن نفسها وسط توترات جيوسياسية راسخة. وتحقيقاً لهذه الغاية، ينبغي، أيضاً، النظر في أساليب «المنطقة الرمادية»، على الرغم من أنها تبدو معادية للقيم الديمقراطية. والفضاء الإلكتروني بطبيعته فوضوي، ويجب النظر إليه من خلال عدسة واقعية. ويتطلب الدفاع ضد التهديدات من الفضاء الإلكتروني الدبلوماسية والردع.

يتعين على أولئك العالقين في التوترات الجيوسياسية، خصوصاً الدول الصغرى، الاستعداد لفضاء إلكتروني أكثر تنازعاً.

الأكثر مشاركة