وُصفت بأنها «غيتوهات محاطة بأسلاك شائكة»

إسرائيل احتجزت سكان بلدات فلسطينية في معسكرات جماعية عام 1948

صورة

كشفت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية في تقرير نشرته، أخيراً، عن وثائق وشهادات، تؤكد أن إسرائيل احتجزت آلاف من سكان البلدات الفلسطينية عام 1948 في معسكرات جماعية، وصفت بأنها «غيتوهات محاطة بأسلاك شائكة»، وأن هؤلاء المحتجزين كانوا من السكان المدنيين الذين لم يشتركوا في القتال، ممن بقوا بعد النكبة والتهجير، وشملت مواقع الاحتجاز كلاً من حيفا ويافا واللد والرملة.

وقال التقرير الذي كتبه الباحث الإسرائيلي، آدم راز، إن «وثائق ما جرى في هذا الاحتجاز موجودة في مئات الملفات التي احتفظت بها (وزارة شؤون الأقليات) الإسرائيلية التي شكلت آنئذ، وتولاها موسي شاريت، والتي عملت على تحسين أحوال المحتجزين، رغم ممانعة رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتها، ديفيد بن غوريون، وتم إغلاقها عام 1949».

واستطردت الصحيفة أن هناك مستندات أخرى توثق يوميات الاحتجاز، موجودة في أرشيف الدولة العبرية، ووزارة الحرب الإسرائيلية، وأن هناك محاولات تجري لإخفاء وفلترة هذه الوثائق، ليس لاعتبارات أمنية وإنما لأنها يمكن أن «تزعج الأذن اليهودية»، بحسب تعبير كاتب التقرير.

وكشفت الصحيفة أن «اجتماعاً وزارياً عُقد عام 1948، خاصاً بلجنة (الممتلكات المتروكة)، حيث اتخذ قراراً بتجميع سكان اللد في أحياء معينة لإفساح أماكن للمهاجرين اليهود القادمين، وقال فيه مدير شؤون الأقليات في الدولة العبرية، جاد مكين، إنه (لم يعد مُبرَّراً إبقاء العرب في معسكرات جماعية محاطة بأسوار)، وقد تم التأشير على هذا التصريح بالحجب في الوثائق الإسرائيلية، طبقا لأوامر إدارة «أرشيف الدولة»، وأن منطق إخفاء هذا التصريح هو «عدم إطلاع مواطني إسرائيل - يقصد فلسطينيي 1948 - عما جرى مع أسلافهم».

«غيتوهات»

واستطردت «هآرتس» أن «إسرائيل أقامت غيتوهات في كل البلدات الفلسطينية التي تم احتلالها، ونظراً إلى أن تعبير (غيتو) كان من الصعب ابتلاعه في تلك الفترة بالنسبة للإسرائيليين، فقد تم استخدام تعبير آخر لوصف ما جرى مع الفلسطينيين، وهو نقل العرب إلى منطقة أمنية».

وأضافت الصحيفة أن «النموذج ذاته (أي الغيتوهات المحاطة باسلاك) تم تطبيقه على العرب الذين نقلوا من مكان إلى آخر، حيث أبلغ بن غوريون أهل حيفا الفلسطينيين بعد احتلالها بيوم واحد، أن عليهم الانتقال إلى وادي نسناس بالنسبة للمسيحيين، ووادي سليب بالنسبة للمسلمين».

وأضافت أن «عضو المابام المسؤول عن الملف العربي وقتئذ، يوسف فاشيز، ذكر أن قرار بن غوريون نفسه، تسبب في فوضى لأن تجميع الفلسطينيين في حي واحد، أيا كان سكنهم الأصلي، كان يعني إجبارهم على الإقامة في منازل مهجورة بلا ماء أو كهرباء، وهو فعل عنصري لخلق (غيتو) عربي في حيفا».

وأشارت الصحيفة أن فاشيز دان إحاطة العرب بأسوار، وقال «إن تلك المعسكرات الجماعية حددت شكل العلاقات المستقبلية مع عرب إسرائيل بعد 1948، وحددت ما إذا كانت إسرائيل ستصبح دولة ديمقراطية، أو دولة إقطاعية تملك عادات عصور وسطى وقوانين نورمبرغ»، وأنه «منذ تلك الواقعة أصبح ممنوعاً على العرب في إسرائيل أن يعيشوا في المكان الذي يرغبون فيه».

إزاحة العرب

وواصلت الصحيفة أنه «تقرر في يافا أيضاً إزاحة العرب من أحيائهم بالطريقة نفسها». واستطردت: «طبقاً لما قاله الحاكم العسكري، مائير لانيادو، أمام اللجنة العربية عام 1948، فإن موشيه آريم الذي ترأس إدارة شؤون الأقليات لإعادة التأهيل، احتج أمام الوزير شطريت، بشأن إعادة تسكين الفلسطينيين في حي العجمي، الذي كان محاطاً من جميع الجهات باليهود».

ونقل التقرير عن آريم قوله وقتها: «إن العجمي سيحاط بسور من الأسلاك الشائكة، ويتحول إلى غيتو محاصر، نحن نزرع البذور السامة في قلوب العرب، كيف نصنع غيتو محاطاً بأسلاك شائكة ممنوعاً من الاتصال بالبحر؟، هل هذا يمكن أن يكون تصوراً سياسياً».

ونفت الصحيفة في تقريرها صحة ما قاله مؤلف كتاب «الاستقلال مقابل النكبة - الحرب العربية الإسرائيلية 1948» يواف غليبر، من أن فكرة إقامة أسوار حول أحياء يافا تم التراجع عنها، وأوردت شهادة للحاكم العسكري الإسرائيلي لانيادو، أنه خلال تلك الفترة كان يفكر في «تقليل - مجرد تقليل - الأسلاك الشائكة المحيطة بالفلسطينيين»، والسماح لهم بحرية الحركة حتى لا يشعروا بأنهم في معسكر اعتقال».

تسوير «العجمي»

وكشف التقرير أن «حي العجمي تم تسويره (إحاطته بأسلاك شائكة) لمدة شهر، وأن وزارة شؤون الأقليات، ظلت في خلاف دائم مع السلطات العسكرية الإسرائيلية حول هذا الأمر، حيث سعت الأولى مراراً إلى الحصول على تصاريح للفلسطينيين للخروج من الأسلاك الشائكة».

وأورد التقرير شهادة لأحد السكان الفلسطينيين، ويدعى إسماعيل أبوشهادة، يقول فيها «أحاطنا الإسرائيليون بأسلاك شائكة لم يكن فيها أي بوابات، وكان مسموحاً لنا بالخروج فقط للعمل في البساتين المحيطة، وذلك عبر حصولنا على تصريح معين من موظف مختص»، كما أوردت شهادة أخرى للإسرائيلي، موشيه شيرانك، الذي عمل حاكماً عسكرياً قبل لانيادو، يقول فيها: «إن إسرائيل انتهكت شروط اتفاق الاستسلام الذي استولت بموجبه على البلدات الفلسطينية، والذي منح سكانها الفلسطينيين حق الحركة في المدينة».

وواصلت الصحيفة تقريرها قائلة: «إن مدينة اللد شهدت تجميع العرب في أحياء معينة وحدهم، وفرض عليهم حظر التجول، وحدث الأمر نفسه في الرملة، بما دفع مجموعة من الشخصيات الفلسطينية إلى كتابة عريضة جماعية وجهوها إلى بن غوريون، قالوا فيها إنه تمت إهانة كبار السن والنساء والأطفال والشباب، وتم إجبارهم على الوقوف تحت الشمس الحارقة من دون ماء أو طعام، ومن دون أي سبب حقيقي يستوجب ذلك، سوى السخرية منهم وإذلالهم وانتهاك كرامتهم».

وأشارت الصحيفة إلى أنه «في عام 1949، طلبت وزارة الأقليات الإسرائيلية من السلطات العسكرية تدمير السلك الشائك المحيط باللد، وعليه تم منح حرية الحركة للفلسطينيين في منتصف يونيو من العام نفسه، لكن الأسلاك الشائكة لم تُزَل، والأمر نفسه شمل المجدل وغيرها».

وثائق ما جرى في هذا الاحتجاز موجودة في مئات الملفات التي احتفظت بها «وزارة شؤون الأقليات» الإسرائيلية، التي شُكّلت حينذاك.

مدينة اللد شهدت تجميع العرب في أحياء معينة وحدهم، وفرض عليهم حظر التجول، وحدث الأمر نفسه في الرملة.

إسرائيل أقامت «غيتوهات» في كل البلدات الفلسطينية التي تم احتلالها، ونظراً إلى أن تعبير «غيتو» كان من الصعب ابتلاعه في تلك الفترة بالنسبة للإسرائيليين، فقد تم استخدام تعبير آخر لوصف ما جرى مع الفلسطينيين، وهو نقل العرب إلى منطقة أمنية.

المعسكرات الجماعية حددت شكل العلاقات المستقبلية مع عرب إسرائيل بعد 1948، وحددت ما إذا كانت إسرائيل ستصبح دولة ديمقراطية، أو دولة إقطاعية تملك عادات عصور وسطى وقوانين نورمبرغ.

 

تويتر