دعوات إلى الإسراع بتغيير المستشارة «بسبب انسداد أفقها»

سيناريوهات بشأن الزعماء المحتملين لخلافة ميركل فـي قيادة ألمانيا

صورة

الشهر الماضي، دعت مجلة «الإيكونومست» المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، إلى «الاستقالة بأسرع ما يمكن»، وافتتحت صحيفة «فايننشال تايمز»، الأسبوع الماضي، بقولها إن «رؤية أنغيلا ميركل تتلاشى، ويجب أن تتنحى». بعض وسائل الإعلام الألمانية الرائدة لم تكن أكثر لطفاً من ذلك، ومع ذلك ليس من الصعب معرفة السبب، فبعد أكثر من 14 عاماً في السلطة، ومع ما يقرب أمامها من عامين آخرين، تبدو المستشارة الألمانية وحكومتها الائتلافية الكبرى المحبوبة، متعبة وغير متوازنة. في الداخل الاقتصاد يتعثر واليمين المتطرف يزداد قوة، وفي فرنسا المجاورة يستطيع الرئيس، إيمانويل ماكرون، بالكاد أن يخفي إحباطه من مقاربة ميركل، التي ترفض المخاطر تجاه أوروبا، إثر الوضع الجديد في العالم الذي شكلته المنافسة بين الصين والإدارة الأميركية، التي تصف أوروبا بأنها «عدو»، وأثر في أسباب أسس الرخاء والأمن الألماني. ومع ذلك، فشلت ميركل في صياغة رؤية جديدة للبلاد.

المغادرة لن تحل المشكلة

لكن من الخطأ أن نعتقد أن مغادرتها تمثل حلاً لمشكلة الغموض الاستراتيجي في ألمانيا، حيث إن تحديد المصالح الألمانية في السياسة الخارجية في حقبة ما بعد ميركل، سيعتمد في النهاية على من سيحل محلها، وعلى نوع الحكومة التي يقودها هذا الشخص، وتشير الدلائل المبكرة إلى أن ألمانيا قد تستمر في السير في طريق السياسة المبهم، الذي يميز المرحلة الأخيرة من عصر ميركل، ما يربك شركاء برلين في أوروبا وخارجها.

في الأسابيع الأخيرة، برز رئيس وزراء ولاية شمال الراين- ويستفاليا، أرمين لاشيت، البالغ من العمر 59 عاماً، كخليفة محتمل في السباق لشغل منصب ميركل، وهي الولاية الأكثر اكتظاظاً بالسكان في ألمانيا. ومن خلال تعاونه مع منافس محافظ بارز، هو وزير الصحة ينس سبان، استطاع أن يحشر منافسين آخرين، لاسيما الأكثر انتقاداً لميركل، مثل فريدرك ميرز، في موقع الدفاع، وسيتم اختيار زعيم جديد للحزب بمؤتمر «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» في 25 أبريل، ومن المحتمل أن يصبح لاشيت المرشح الأوفر حظاً لخلافة ميركل في عام 2021.

تساؤلات

لايزال هناك الكثير من «التساؤلات» حول خلافة ميركل، وماذا يعني ذلك بالنسبة للسياسة الألمانية، ويعد ميرز، ونوربيرت روتغن، وهو منافس ثالث يُنظر إليه على أنه بعيد الاحتمال لخلافة ميركل، مدافعين عن العلاقة بين ضفتي الأطلسي، وناقدَين لاذعين للصين، ويجادلان بأن على ألمانيا التخلي عن تحفظها الذي تبنته بعد الحرب العالمية، وأن تتحمل المزيد من المسؤولية عن أمنها. وإذا كان أحدهم سينتصر، في الشهر المقبل، ليحل محل ميركل، فإن معالم السياسة الخارجية الألمانية ستتغير بالتأكيد.

هناك أيضاً فرصة لظهور حزب الخضر الصاعد، كأقوى قوة سياسية بعد الانتخابات الفيدرالية المقبلة. وفي هذه الحالة، وبغض النظر عمن سيفوز بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، سيكون لألمانيا أول مستشار من الخضر - من أحد زعيمي الحزب، روبرت هابيك أو أنالينا باربوك - ويمكن أن يدفع هذا بألمانيا نحو سياسة خارجية قائمة على القيم، وتسعى باستمرار إلى التكامل الأوروبي والتشدد مع روسيا والصين.

قصة أخرى

بيد أن لاشيت عبارة عن قصة أخرى، معتدل وحذر كما هي الحال بالنسبة لميركل، لكن مثله مثل المستشار السابق، غيرهارد شرودر يتميز باستعداد للانخراط مع المستبدين. في السنوات الأخيرة حذر لاشيت من شيطنة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بسبب ضمه لشبه جزيرة القرم، وانتقد واشنطن لدعمها المتمردين الذين يحاولون الإطاحة بالرئيس السوري القوي، بشار الأسد، وبصفته زعيماً للولاية الألمانية التي تربطها علاقات اقتصادية وثيقة مع الصين، أعرب عن دعمه لتعميق العلاقة مع بكين.

عندما سُئل في نوفمبر عن استبعاد مجموعة الاتصالات الصينية «هواوي» من شبكة 5G الألمانية - وهي خطوة يدعمها منافساه في الاتحاد الديمقراطي المسيحي روتغن وميرز - كرر لاشيت مقاربة ميركل التي ترى أن يكون للاقتصاد أولوية على الأمن: «إن عواقب الإقصاء ستؤدي لتأخير نشر هذه التكنولوجيا، لا ينبغي أن يتمثل هدفنا في هذا، نحن كدولة تعتمد على التصدير لدينا مصلحة كبيرة في التجارة الحرة، حيث يرتكز قطاع الأعمال الألماني على الصادرات الدولية، وكذلك الصادرات إلى الصين».

مثل هذه المواقف قادت شرودر، وهو ديمقراطي اشتراكي اشتهر بعلاقاته الوثيقة مع بوتين والضغط لمصلحة الطاقة الروسية، لتأييد لاشيت، العام الماضي، في منصب المستشار في مقابلة بين الاثنين.

نأى لاشيت منذ ذلك الحين عن المستشار السابق السام من الناحية السياسية، لكن تعليقاته على مجموعة من موضوعات السياسة الخارجية دفعت صحيفة «بيلد» الألمانية، الأكثر مبيعاً، الشهر الماضي، إلى مطالبته بأن يتعهد بعدم «مصادقة» الحكومات الاستبدادية.

تصريحات مذهلة

إلا أن تصريحاته المذهلة بشكل خاص، التي أدلى بها في المنتدى الألماني - الروسي في برلين قبل عام، من شأنها أن تثير الشكوك حول ما إذا كانت روسيا منخرطة في التدخل بالانتخابات والهجمات الإلكترونية وحملات التضليل، فقد قال إن هناك حاجة إلى توضيح ما إذا كانت هذه الادعاءات صحيحة أو أنها محض افتراء. قبل عام، وفي أعقاب تسميم الحكومة الروسية لضابط المخابرات السابق، سيرغي سكريبال وابنته في سالزبوري بإنجلترا، انتقد علناً اتهام الحكومة البريطانية لموسكو على الهجوم. وعند سؤاله عن بعض هذه التعليقات في مقابلة حديثة، دان لاشيت روسيا باعتبارها «معتدية» في أوكرانيا، ووصف الأسد بأنه «مجرم حرب».

كما قلل من الحاجة إلى مزيد من تقاسم ألمانيا العبء في المجال العسكري، وهو مطلب رئيس لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والشركاء الأوروبيين مثل فرنسا. وفي أواخر العام الماضي، انتقد لاشيت زعيمة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المنتهية ولايتها، أنجريت كرامب-كارينباور لاقتراحها منطقة آمنة للمدنيين الفارين من القتال في سورية، ورفض اقتراحها بأن تتحمل ألمانيا المزيد من المسؤولية عن الأمن الدولي، قائلاً إن ألمانيا ظلت «نشطة دولياً» بالفعل في أماكن مثل أفغانستان ومالي وقبالة ساحل الصومال.

ولم يلجأ لاشيت إلى الهجوم على أميركا إزاء الهجمات الكلامية التي شنها ترامب على ألمانيا وأوروبا، ووصف الولايات المتحدة بأنها أقرب شريك لبرلين خارج أوروبا. لكن البعض في برلين يشعر بالقلق من أن تحالف الاتحاد الديمقراطي المسيحي - الخضر في المستقبل، بقيادة لاشيت أو هابيك، سيعمق الفجوة مع واشنطن، خصوصاً إذا فاز ترامب بولاية ثانية في وقت لاحق من هذا العام. وما يجدر ذكره هنا أن هابيك وصف ترامب بأنه «عدو»، بعد خطابه في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا، في يناير.

وفي مؤتمر ميونيخ الأمني، الذي انعقد في فبراير، ساق لاشيت، الذي نشأ في آخن بالقرب من الحدود مع بلجيكا، وشغل منصب عضو في البرلمان الأوروبي قبل أن يرتقي الرتب السياسية في شمال الراين - ويستفاليا، انتقادات نادرة لميركل بسبب رد فعلها الفاتر على أفكار ماكرون لإصلاح أوروبا. وامتدح المستشار السابق، هيلموت كول، لشجاعته في دفع مبادرات مثل عملة اليورو، على الرغم من معارضة العديد من الألمان. لكن بصفته زعيماً لشمال الراين - ويستفاليا، فقد تميز بأنه زعيم يلتف حوله الناس أكثر من كونه صاحب رؤية جريئة.

نوح باركن صحافي مستقل


من الخطأ أن نعتقد أن مغادرة ميركل تمثل حلاً لمشكلة الغموض الاستراتيجي في ألمانيا، حيث إن تحديد المصالح الألمانية بالسياسة الخارجية في حقبة ما بعد ميركل، سيعتمد في النهاية على من سيحل محلها، وعلى نوع الحكومة التي يقودها هذا الشخص.

زخم جديد

 

تعتقد رئيسة مكتب برلين للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، جانا بوغليرين، أن رئيس وزراء ولاية شمال الراين - ويستفاليا، أرمين لاشيت، يمكن أن يخلق زخماً جديداً في العلاقات الفرنسية الألمانية. ومن المرجح أن يكون أكثر انفتاحاً على أفكار ماكرون في التواصل مع روسيا. وإذا كان سيتولى قيادة تحالف مع حزب الخضر، فمن الممكن التخلص من بعض الشلل الناتج عن سنوات من الائتلافات الحكومية الكبرى. وتقول: «يحدوني الأمل أن يؤدي تغيير المستشارة والائتلاف إلى دينامية جديدة، لكن علينا أن نظل واقعيين»، وتختتم حديثها قائلة: «من المتوقع أن تستمر ألمانيا في الإحجام عن تحمل المزيد من المسؤولية، إنها مسألة ما إذا كنا نستطيع التقدم للأمام أم لا».

تويتر