إذا حالفه الحظ بالفوز

ساندرز سيكون أول رئيس يهودي لأميركا صارم تجاه إسرائيل

صورة

قد يكون المرشح الرئاسي، بيرني ساندرز، إذا فاز بالسباق الرئاسي، أول زعيم أميركي منذ أكثر من 40 عاماً، يعلن أن المستوطنات اليهودية غير قانونية. قد يتسق موقف ساندرز بشأن المستوطنات الإسرائيلية إلى حد كبير مع القانون الدولي، وعشرات من قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وسياسات بعض الإدارات الأميركية السابقة، لكنه يمثل خروجاً خطياً حاداً عن الرؤساء الأميركيين السابقين، الذين تجنبوا أسئلة حول مدى مشروعية مسيرة إسرائيل المستمرة منذ عقود في بناء مستوطنات يهودية على الأراضي العربية، حتى على الرغم من انتقادهم لها باعتبارها عقبة كأداء أمام السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

اختراق المحظورات

عندما يتعلق الأمر بالمسألة المعقدة سياسياً والمتمثلة في دبلوماسية الشرق الأوسط، أبدى ساندرز رغبة في خرق المحظورات السياسية. هذا السيناتور القادم من فيرمونت، والبالغ من العمر 78 عاماً، والذي كان يعيش في كيبوتس إسرائيلي في أوائل الستينات من القرن الماضي، يشير إلى إسرائيل باعتبارها «قوة احتلال»، وهذه الإشارة تعتبرها حكومة إسرائيل وحلفاؤها في البيت الأبيض والكونغرس إهانة. وأوضح ساندرز أنه سيكون مستعداً لتعديل المساعدات العسكرية الأميركية السنوية لإسرائيل البالغ قدرها 3.8 مليارات دولار، وذلك بسبب معاملتها للفلسطينيين، وهو موقف لا يروق للجمهوريين وقيادة الكونغرس الديمقراطي. كما وصف ساندرز رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في ديسمبر 2019، بأنه «عنصري».

الأحد الماضي، أعلن ساندرز أنه لن يحضر المؤتمر السنوي للجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (إيباك)، وهو مكان تقليدي للمرشحين السياسيين الديمقراطيين والجمهوريين، معرباً عن قلقه بشأن البرنامج الذي «يوفره للزعماء الذين يعبرون عن التعصب ويعارضون الحقوق الفلسطينية الأساسية». وأثارت هذه التصريحات وابلاً من الانتقادات من المنظمات والمعلقين اليهود الأميركيين، الذين وصفوها بأنها «مثيرة للكراهية»، «وعدائية»، «وتشويهية».

مقاربة جديدة

نجاح ترشيح ساندرز - الذي برز كزعيم ديمقراطي منذ فوزه المبدئي في ولاية نيفادا - قد فتح إمكانية اتباع المرشحين الرئاسيين لنهج مختلف اختلافاً جذرياً في ما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ويزيد من الانقسامات بين الجناحين التقدميين والمعتدلين للحزب الديمقراطي. وسيكون بالتأكيد تحولاً أساسياً عن سياسات إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب. ويقول الرئيس التنفيذي للجنة اليهودية الأميركية، ديفيد هاريس: «من الصعب للغاية القول في هذه المرحلة إن السيناتور ساندرز يقع ضمن معايير السياسة الخارجية الأميركية التقليدية»، ويضيف «لدي قليل من الشك في أن سياسة ساندرز الخارجية في الشرق الأوسط ستبدو مختلفة تماماً عن السياسة الخارجية لترامب».

لايزال من السابق لأوانه أن نحدد مدى تأثير نهج ساندرز بشأن الشرق الأوسط على فرصه الانتخابية. من المؤكد أن ترامب يصور ساندرز على أنه معادٍ لإسرائيل، التي تتمتع حكومتها الحالية بدعم غير مقيد من قاعدة ترامب المنتمية للإنجيليين المسيحيين والناخبين اليهود المحافظين. لكن لا نعتقد أن ساندرز، أو أياً من منافسيه الديمقراطيين، يواجه مشكلة كبيرة في تأمين غالبية الأصوات اليهودية في الولايات المتحدة، وفقاً لما ذكرته المديرة التنفيذية للمجلس الديمقراطي اليهودي الأميركي، هالي سوفر. وقالت: «بينما لا يوجد مرشح واحد تتفق حوله آراء الناخبين اليهود، فإن الغالبية الساحقة من الناخبين اليهود ستؤيد أي مرشح ديمقراطي في الانتخابات العامة ضد ترامب».

ويحذر النقاد من أن رئاسة ساندرز ستقضي على عقود من الدعم ظل يقدمه الحزبان لإسرائيل، ما يقوض العلاقات مع أقرب حلفاء أميركا في الشرق الأوسط، ويعرض أمن إسرائيل للخطر. إنهم يخشون من أن يعطي هذا أيضاً دفعة معنوية قوية لبعض أكثر منتقدي إسرائيل قسوة، بمن فيهم المؤيدون البارزون لحركة المقاطعة، وسحب الاستثمارات والعقوبات، مثل الناشطة الفلسطينية الأميركية، ليندا صرصور وممثلوها، وعضوا الكونغرس، إلهان عمر ورشيدة طليب. ويخشى البعض من أن تقود رئاسة ساندرز إلى تفاقم الانقسام في الحزب الديمقراطي بشأن إسرائيل، وإبعاد بعض الناخبين اليهود في المعسكر الديمقراطي، وهو ما سيستفيد منه الجمهوريون. وفي محاولة لإبعاد نفسه عن ساندرز، تعهد زميله المرشح الرئاسي، مايكل بلومبيرغ، بأنه «سيكون دائماً ظهيراً لإسرائيل»، ولن «نفرض أبداً شروطاً على مساعداتنا العسكرية، بما في ذلك الدفاع الصاروخي - ولا يهم من هو رئيس الوزراء».

تزايد القلق

وفي الوقت نفسه، يزداد قلق القادة اليهود الأميركيين بشأن التزام ساندرز بأمن إسرائيل، وكذلك التأثير المتزايد لأشد منتقدي إسرائيل بين مؤيديه. إنهم قلقون أيضاً من أن يقود أي تحرك من جانب «الرئيس» ساندرز خلال ممارسته ضغوطاً اقتصادية على إسرائيل، إلى توتر مع الزعماء الإسرائيليين، ما سيجعل الأمر أكثر صعوبة على البيت الأبيض في سعيه لتحقيق السلام في الشرق الأوسط.

ويقول هاريس إن القاعدة الأساسية لسياسة الشرق الأوسط هي أن أي زعيم إسرائيلي «يخاطر من أجل السلام»، ينبغي أن تكون لديه ثقة في الإدارة الأميركية الموجودة في البيت الابيض في ذلك الوقت، فإذا لم تكن هناك ثقة، فإن الاحتمال يتضاءل بشأن إقدام أحدهم على المخاطرة. وبالنسبة لمؤيديه، فإن مواقف ساندرز بشأن المستوطنات اليهودية، ووضع إسرائيل كقوة محتلة، ودعواته لاستخدام الدعم المالي الأميركي لممارسة الضغوط على إسرائيل من أجل التنازلات السياسية، من شأنه أن يمثل مجرد عودة إلى المبادئ الأميركية قديمة العهد، والتي قلبتها إدارة ترامب ظهراً على عقب، وألغت عقوداً بشأن نظرة السياسة الخارجية الأميركية للمستوطنات، حيث أقرت هذه الإدارة بأن المستوطنات قانونية.

وتقول عضو منظمة التحرير الفلسطينية المخضرمة، حنان عشراوي: «أعتقد أن بيرني يحاول من نواحٍ كثيرة إعادة السياسة الأميركية إلى مسارها». إن استعداد ساندرز لدعوة إسرائيل للوفاء بالتزاماتها القانونية يمثل «خطوة تصحيحية نحن في أمسّ الحاجة إليها حقاً للوقاية من المنحدر الزلق للخطاب والمواقف السياسية الأميركية، والتي تم تشويهها في العقود الماضية».

كولم لينش  كبير الكتاب الصحافيين في «الفورين بوليسي»


محاولة التلاعب باللغة

في الماضي لم يكن هناك حتى تساؤلات حول ما إذا كانت المستوطنات قانونية أم لا، لقد تم اعتبارها أمراً مفروغاً منه. وكان هذا الاعتقاد أحد الأسس الرئيسة للسياسة الأميركية، على الرغم من وجود محاولات للتلاعب باللغة. وعلى مدى عقود، سعى الرؤساء الأميركيون إلى تجنب أي عبارة تشير الى «غير قانوني» تتعلق بإسرائيل. حتى الرئيس السابق، جيمي كارتر، ربما الأكثر انصافاً للفلسطينيين في البيت الأبيض منذ 50 عاماً، ابتعد عن استخدام مثل هذه العبارة، على الرغم من أنه أوضح أن بناء إسرائيل لمستوطنات يهودية على أراضٍ كان يسكنها العرب قبل الحرب العربية الاسرائيلية 1967 «مخالف لاتفاقية جنيف، ولا ينبغي العبث بالأراضي المحتلة عن طريق إقامة مستوطنات دائمة من قبل القوة المحتلة». وتقول رئيسة مؤسسة السلام في الشرق الأوسط، لارا فريدمان: «إن استخدام كلمة غير قانوني كان بوضوح تعبيراً رسمياً يتعلق بسياسة إدارة كارتر، حتى لو لم ينطق كارتر بهذه الكلمة صراحة في خطاباته، لكن يبدو أن إدارة كارتر ذهبت أبعد من أي إدارة أميركية أخرى في تأكيد عدم شرعية المستوطنات».

وتقول فريدمان، التي جمعت تاريخاً حديثاً مفصلاً عن مواقف الإدارة الأميركية بشأن المستوطنات، إن الرئيس رونالد ريغان، هو الذي اقترح أولاً تجميد المستوطنات الجديدة في محاولة لتعزيز السلام. ومع ذلك لم يصفها ريغان بأنها غير قانونية. وأصدر الرئيسان جورج دبليو بوش وباراك أوباما دعوات لإنهاء احتلال إسرائيل للأراضي العربية التي تم الاستيلاء عليها منذ عام 1967، لكنهما لم يصفاها بأنها غير قانونية.

وأعاق أوباما إلى حد كبير الجهود التي يبذلها مجلس الأمن الدولي لإدانة المستوطنات الإسرائيلية حتى أسابيعه الأخيرة في السلطة، وعندما امتنعت واشنطن عن التصويت على قرار يدين سياسة إسرائيل في بناء المستوطنات، أشار أوباما وفريق الأمن القومي التابع له بدلاً عن ذلك إلى المستوطنات الإسرائيلية بأنها «غير شرعية». إلا أن أي غموض حول موقف الولايات المتحدة بشأن المستوطنات انتهى مع قدوم إدارة دونالد ترامب. في نوفمبر 2019، قال وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، إن الولايات المتحدة لا تعتقد أن المستوطنات الإسرائيلية تنتهك القانون الدولي، ما يبدل موقفاً أميركياً ظل ماثلاً لأربعة عقود. لقد دعا السيناتور بيرني ساندرز إلى «تغيير جوهري» في العلاقة الأميركية بإسرائيل، وهو التغيير الذي سيحقق توازناً أكبر بين الحقوق الفلسطينية والاحتياجات الأمنية الإسرائيلية. ويقول ساندرز إنه سيدرس إعادة توجيه نحو 3.8 مليارات دولار من المساعدات العسكرية لإسرائيل لمساعدة الفلسطينيين في قطاع غزة. ويعاني 1.8 مليون شخص في غزة أسوأ أزمة إنسانية في العالم. وفي حين أن ساندرز لم يحتضن شخصياً حركة المقاطعة ضد إسرائيل، إلا أنه يعارض معاقبة من يفعلون ذلك، قائلاً إن لديهم الحق الدستوري في الاحتجاج.

عندما يتعلق الأمر بدبلوماسية الشرق الأوسط، يبدي ساندرز رغبة في خرق المحظورات السياسية.

على الرغم من أن ساندرز لم يحتضن شخصياً حركة المقاطعة ضد إسرائيل، إلا أنه يعارض معاقبة من يفعلون ذلك.

بالنسبة لمؤيديه، فإن مواقف ساندرز بشأن المستوطنات اليهودية، ووضع إسرائيل كقوة محتلة، ودعواته لاستخدام الدعم المالي الأميركي لممارسة الضغوط على إسرائيل من أجل التنازلات السياسية، من شأنه أن يمثل مجرد عودة إلى المبادئ الأميركية قديمة العهد، والتي قلبتها إدارة ترامب ظهراً على عقب، حيث أقرت هذه الإدارة بأن المستوطنات قانونية.

تويتر