العراقيون يريدون تغييراً شاملاً للنظام

النخبة الحاكمة بعد عام 2003 ليست مؤهلة لإصلاح الوضع في العراق

صورة

تواجه الولايات المتحدة مجموعة متزايدة من الأسئلة السياسية من الدرجة الأولى في العراق، وتحتاج إلى إجابة، ولا تكمن الإجابة بالطبع في رئيس الوزراء العراقي المعين حديثاً، محمد توفيق علاوي، وإنما قد تكون في انتفاضة شعبية.

ترشيح علاوي أخيراً رئيساً للوزراء يفضي إلى طريق مسدود بالنسبة لكل من العراق والولايات المتحدة، فهذا الرجل ليس لديه أي فرصة لحل الأزمتين الأساسيتين اللتين تعانيهما البلاد الآن، وهما: اضمحلال شرعية الطبقة السياسية التي ظهرت بعد عام 2003، وخضوع العراق المتزايد باستمرار لإيران ووكلائها المحليين، وينبغي للولايات المتحدة أن تبتعد نهائياً عن علاوي وتركز طاقاتها بدلاً من ذلك على دعم حركة الاحتجاج الاستثنائية، التي أدت إلى تغيير السياسة العراقية، منذ أواخر العام الماضي، والتي تتمثل مطالبها في السيادة والاستقلال والحكم النظيف، وهو آخر أمل ليس فقط لإنقاذ العراق، وإنما أيضاً لإنقاذ مستقبل العلاقات الأميركية - العراقية.

التظاهرات

من الخطأ أن نقلل من أهمية المظاهرات الجماهيرية التي اندلعت في بغداد في الأول من أكتوبر 2019، وانتشرت بسرعة في كل المدن الرئيسة بجنوب العراق. ويهيمن الشباب على هذه التظاهرات (ما يقرب من 60% من سكان العراق الآن أقل من 25 عاماً)، وأغلب المتظاهرين من طائفة الشيعة، أكبر طائفة دينية في العراق. ودعا المتظاهرون منذ البداية إلى إصلاح شامل للنظام الذي يهيمن عليه الشيعة، والذي حكمهم منذ سقوط الرئيس السابق، صدام حسين، متهمين هذا النظام بالفساد بشكل لا يمكن إصلاحه، ووصفوه بأنه غير مؤهل لقيادة البلاد، وأن توجهه طائفي، ومخترق من قبل إيران.

القمع الوحشي

وبدلاً من الأخذ بعين الاعتبار بمطالب المحتجين، اختارت الحكومة على الفور تقريباً طريق القمع الوحشي من قتل وتشويه وإرهاب وتنكيل بمواطنيها، وعلى نطاق جعل الاحتجاجات في هونغ كونغ تبدو كأنها لعبة للأطفال. وخلال موجات العنف، في الأشهر الأربعة الماضية، قُتل مئات الأشخاص أو تعرضوا للخطف أو التعذيب أو الاختفاء، وأصيب نحو 20 ألف شخص.

وفي هذه الأثناء، لجأت الطبقة السياسية المعزولة، التي لم تكن على اتصال بالجمهور، والتي مارست طوال الجزء الأكبر من العقدين الماضيين، النهب بشكل منتظم للثروة الهائلة التي تنعم بها البلاد، مستخدمة كل أشكال الوحشية والقسوة والإجرام. وفي لحظة تاريخية فارقة رفضت هذه الطبقة الوقوف مع شعبها، واختارت هذه المؤسسة الحاكمة في فترة ما بعد عام 2003، بدلاً من ذلك، حماية مصالحها، والسير في طريق قتل شبابها والتنكيل بهم ومعاملتهم بوحشية.

وأعرب عدد قليل من السياسيين عن قلقهم، وطالبوا بضبط النفس، لكن لا أحد منهم استقال احتجاجاً على ما حدث ويحدث، ولم ينضم أحد منهم إلى المتظاهرين، ولا أحد دعا القتلة بالاسم، ولم تتم محاسبة أحد.

وما زاد الطين بلة، أن قرار الحكومة بقتل المتظاهرين قد تم تنسيقه بشكل واضح من قبل قوة أجنبية ( إيران)، وفي جزء كبير منه تم تنفيذه من قبل وكلائها العراقيين، بما في ذلك مجموعة من الميليشيات الشيعية القوية، المعروفة باسم قوات الحشد الشعبي. وقبل القضاء عليه بصاروخ هيلفاير أميركي، الشهر الماضي، كان الجنرال الإيراني، قاسم سليماني، المسؤول عن «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الإيراني، معروفاً على نطاق واسع بأنه كثيراً ما يترأس اجتماعات في بغداد لرسم خريطة عمل الحكومة العراقية لقمع الاحتجاجات، ويعمل على مصادرة سلطة الزعماء العراقيين المنتخبين. وعندما كان سليماني يغيب عن العراق فإنه يفوض سلطته إلى الملازم العراقي الأكثر ثقة والقيادي في الحشد الشعبي، أبومهدي المهندس، الذي مات في الضربة الصاروخية نفسها التي قتلت سليماني.

استطاعت الاحتجاجات أن تكشف أمام الجميع التحالف غير المقدس، القائم الآن بين الطبقة الحاكمة في العراق بعد عام 2003 والنظام في إيران. فمنذ سنوات طويلة تسارعت خطى هذا التحالف مع صعود «الحشد الشعبي» خلال الحرب ضد تنظيم «داعش»، واندماج الميليشيات الشيعية تحت لواء الحرس الثوري الإيراني، وقوات الأمن العراقية.

طريق اللاعودة

إن ما يسمى «حزب الله في العراق» كان بالفعل في طريقه إلى الاكتمال عندما اندلعت الاحتجاجات للمرة الأولى. ومع قرار الحكومة بالقضاء على المحتجين بدلاً من اللجوء إلى الإصلاح، واستسلامها لمؤامرات إيران الرامية لسحق الاحتجاجات الوطنية، يبدو أن الحكومة العراقية تسير في طريق اللاعودة. فقد أريق الكثير من الدماء البريئة من أجل بقاء الطبقة السياسية العراقية في سدة الحكم، سواء كان ذلك بالتخويف أو الرشوة أو الجشع أو غيرها من الأساليب.

وبسبب كل إخفاقاتها التي لا تعد ولا تحصى، وعدم أهليتها للحكم، وفشلها في حماية السيادة العراقية من الجهات الأجنبية المفترسة، فقد رفض المحتجون الطبقة السياسية العراقية بشكل لا لبس فيه، وبشكل جماعي، وأوضحوا أسبوعاً بعد أسبوع، وشهراً بعد شهر، أنه لا يمكن أن يكون هناك حل للأزمة الحالية من دون مغادرة جميع الأشخاص الذين جاؤوا إلى السلطة بعد عام 2003. ويبدو أن العراقيين يريدون بدلاً من ذلك إنشاء نوع من السلطة الانتقالية، يباركها المحتجون وتتألف من أشخاص يتمتعون باحترام كبير، وليست لهم صلات بالنخبة الحاكمة الحالية، ويعملون على جدول زمني سريع لتنفيذ تدابير طارئة وشاملة تمهد الطريق إلى انتخابات حرة ونزيهة.

علاوي ليس كفؤاً

علاوي شيعي، وعضو سابق في البرلمان، شغل منصب وزير الاتصالات العراقي، حسن السمعة، وأقل فساداً، لكنه غير كفء مقارنة بمعظم زملائه، ومثله مثل رئيس الوزراء السابق، عادل عبدالمهدي، يقال إنه كان بيروقراطياً منذ فترة طويلة، أكثر من كونه وسيطاً سياسياً قوياً، ويدعي أنه لا ينتمي لأي حزب سياسي، ويفتقر إلى قاعدة دعم مستقلة، لكنه مثل عبدالمهدي ينتمي إلى رعيل نظام ما بعد 2003، ولهذا السبب رفضه المتظاهرون.

صفقة

ما يجعلنا نرفض دعم قضية علاوي، أن ترشيحه جاء نتيجة لصفقة تم توقيعها بالغرف الخلفية في إيران، بين نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، هادي العامري، وزعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، وهما ركنان من أركان النظام العراقي المختل.

العامري، الذي قاتل من أجل إيران خلال الحرب العراقية - الإيرانية، يترأس فصيلاً رئيساً في البرلمان العراقي، وميليشيا «بدر» المدعومة من الحرس الثوري الإيراني، التي سيطرت على وزارة الداخلية العراقية لسنوات، ولعبت دوراً قيادياً في قمع الاحتجاجات الحالية.

والصدر رجل دين مناهض لأميركا، إضافة إلى كونه شخصية زئبقية، وعنصراً أساسياً في المجموعة التي تحكم العراق بعد عام 2003، حيث كان يستنزف أموال الوزارات الحكومية، ويسيطر على ميليشيا قوية تعمل على تعزيز ثروة وقوة حركته السياسية. ويدرك المحتجون تماماً أنه مع وجود جهات تعتمد بشكل واضح على شخصيات أمثال العامري والصدر، فإن تعيين علاوي مغموس في الخطيئة، ولا يهدف إلى تغيير النظام الفاسد في العراق، بل لإنقاذه.

الحقيقة القاسية

لم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى تكشفت أمامنا الحقيقة القاسية المحيطة بترشيح علاوي، في الأول من فبراير. وفي حين أصدر علاوي بياناً تصالحياً امتدح فيه المتظاهرين ووعد بمحاسبة جلاديهم، كان الصدر في تلك اللحظة بالذات يرسل ميليشياته لمهاجمة التظاهرات، ويكسر رؤوس من يتحدثون علانية ضد تسمية علاوي، وفي بغداد ومراكز الاحتجاجات بجميع أنحاء جنوب العراق، قام بلطجية الصدر بإثارة أعمال شغب استمرت أسبوعاً كاملاً، شملت عمليات ضرب وحرق وقتل. وبعد يوم دموي في النجف، في الخامس من فبراير، دعا علاوي حكومة عبدالمهدي المؤقتة إلى حماية الاحتجاجات، حتى يتمكن من تشكيل حكومة جديدة تلبي مطالب الشعب. لكن لم تصدر عنه أي كلمة ضد الصدريين الذين ارتكبوا الفظائع علانية باسم تعيينه، ليست هناك كلمة تطالب راعيه السياسي، الصدر، بالكف عن الاعتداءات وتسليم المسؤولين عن الفوضى إلى السلطات لمعاقبتهم.

جون حنا - زميل أول بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطية

فهم الواقع

تحتاج إدارة ترامب الآن إلى فهم الواقع الصعب، المتمثل في أن النظام العراقي بصيغته الحالية لا يمكنه أن يكون شريكاً حيوياً بشكل متزايد لتعزيز المصالح الأميركية. وعلى الرغم من أن الوضع كان مقلقاً للغاية حتى قبل بدء الاحتجاجات، فإن الأحداث التي وقعت، منذ شهر أكتوبر الماضي، لم تترك مجالاً للشك. للمرة الأول منذ عام 2003 ارتكبت الحكومة العراقية بشكل منهجي أعمال عنف واسعة النطاق ضد مواطنيها غير المسلحين، الذين تتطابق مطالبهم في التغيير الديمقراطي والسيادة العراقية، إلى حد كبير مع المصالح والقيم الأميركية.

• بدلاً من الأخذ بعين الاعتبار مطالب المحتجين، اختارت الحكومة على الفور تقريباً طريق القمع الوحشي، من قتل وتشويه وإرهاب وتنكيل بمواطنيها، وعلى نطاق جعل الاحتجاجات في هونغ كونغ تبدو كأنها لعبة للأطفال.

• ينبغي على الولايات المتحدة أن تبتعد نهائياً عن علاوي، وتركز طاقاتها بدلاً من ذلك على دعم حركة الاحتجاج الاستثنائية، التي أدت إلى تغيير السياسة العراقية منذ أواخر العام الماضي، التي تتمثل مطالبها في السيادة والاستقلال والحكم النظيف، وهو آخر أمل ليس فقط لإنقاذ العراق، وإنما أيضاً لإنقاذ مستقبل العلاقات الأميركية - العراقية.

تويتر