مهمة تبدأ من أستراليا وتنتهي في القطاع المحاصر

فلسطينيان يتدربان في سيدني علـى مهام إنقاذ السباحين على شواطئ غزة

صورة

في مدينة محاصرة من كل الجهات، يعد شريط غزة الساحلي البالغ طوله 45 كيلومتراً أحد الأماكن القليلة التي توفر شعوراً طيباً بالإحساس بالحرية. لقد ظل هذا الشريط الضيق والمحاصر من الأراضي المتاخمة لمياه البحر الأبيض المتوسط الدافئة، من وسائل الترفيه القليلة المتاحة مجاناً لسكان غزة، فقد اعتادت هذه المدينة المزدحمة البقاء بانتظام دون كهرباء فترات طويلة، وتضم عدداً قليلاً من دور السينما أو الأندية الرياضية وحفنة من الحدائق العامة التي يمكن للأطفال اللعب فيها، ويمثل الذهاب إلى الشاطئ واحداً من الأنشطة التي ترفه عن الشباب الذين تعودوا الصبر والحياة القاسية في القطاع.

في غزة المعزولة والفقيرة، يتذكر محمد صالح ذهابه إلى الشاطئ وهو طفل مع والدته، التي تأخذه إلى هناك مرة واحدة كل صيف، وبينما تظل الأمواج اللطيفة والمياه الزرقاء ترتطم بالشاطئ، يظل صالح وإخوته محظورين من السباحة.

يقول صالح لصحيفة «الغارديان» من خلال مترجم: «والدتي لم تكن تسمح لنا أبداً بالسباحة في البحر، لأنها تخشى علينا من الغرق، وكانت تشعر بالقلق لأننا لا نجيد السباحة». لهذا السبب صمم صالح، عندما أصبح شاباً، على تغيير الوضع للجيل المقبل من الأطفال الفلسطينيين.

خلال شهر يناير، وصل صالح إلى سيدني، حيث حل ضيفاً على «نادي نورث سيدني للتزلج على الماء» كي يتدرب ليصبح منقذاً مؤهلاً، ويعود إلى القطاع لإنشاء أول نادٍ للإنقاذ، وهو «نادي غزة لإنقاذ المتزلجين على الماء». يقول: «نريد أن نبني نادياً لإنقاذ المتزلجين، لسكان غزة، للحفاظ على سلامة الناس». ويمضي قائلاً «على الرغم من أن البحر في غزة أكثر رقة من المحيط هنا في أستراليا، للأسف، لايزال الكثير من الناس يغرقون في غزة لأنهم لا يستطيعون السباحة بأمان، ففي صيف 2019 توفي سبعة أشخاص غرقاً».

ينتمي صالح لعائلة فلسطينية فرت إلى غزة عندما أجبرها الاحتلال على ترك أراضي أجدادها في عام 1948، وخلال 10 سنوات من طفولته كان والده نزيل أحد السجون الإسرائيلية، وفقدت عائلته الممتدة العشرات من أفرادها على مدى عقود بسبب جبروت الاحتلال. ويقول إن إفراط والدته في حمايته هو وإخوته جاء نتيجة للمخاطر الوجودية التي تتعرض لها الأسرة.

وتابع «أريد أن يتعلم الأطفال في غزة الاستمتاع بالشاطئ، وأن يكونوا آمنين عند السباحة. أريد إنشاء برنامج مثل نيبرز لتعليم الأطفال كيفية إنقاذ الأرواح». نيبرز هو برنامج أسترالي لإنقاذ حياة الأطفال أثناء السباحة في البحر، حيث ينضم إليه في الوقت الراهن أكثر من 60 متدرباً، بدءاً من سن الخامسة.

وخلافاً لمهمة حماية راكبي الأمواج من خلال الدوريات على الشاطئ لإنقاذ الأرواح، فإن وجود نادٍ لركوب الأمواج في غزة يشكل شعوراً قوياً بالتضامن والزمالة، ففي هذه المنطقة، التي يبلغ فيها معدل البطالة بين الشباب 60٪، يمكن أن يمثل نادي ركوب الأمواج متنفساً للنشاط البدني، وهدفاً مشتركاً للشباب الفلسطيني. واختتم حديثه قائلاً: «نريد إنشاء نظام مثل الذي تم إنشاؤه في أستراليا، يشمل المجتمع بأسره، يعمل فيه المواطنون مع بعضهم بعضاً ليصبح مكاناً آمناً للمشاركة».

الشاطئ هو كل ما لدينا

تعلم حسن الحبيل السباحة بمساعدة شقيقه الأكبر، وعندما بلغ مرحلة الشباب أصبح واحداً من مجموعة من رجال الإنقاذ الذين توظفهم البلدية للقيام بدوريات على شاطئ غزة. يقول الحبيل «الشاطئ هو كل ما لدينا، فهو مكان الترفيه الوحيد لسكان غزة»، مضيفاً «لكن حتى مع ذلك لدينا مشكلات بسبب عدم وجود الكهرباء في معظم الأوقات، وفي كثير من الأحيان يتم التخلص من مياه الصرف الصحي الخام في البحر، وهذا يعني أن هناك مساحة أقل يمكن للناس السباحة فيها».

وتابع «هناك في أستراليا، الشاطئ آمن للغاية، فهو نظيف ومنظم جداً، والتسهيلات جميعها متوافرة، ليس لدينا مثل ذلك في غزة».

في مدينة محاطة بالتحصينات، ومخارجها الوحيدة هي نقاط التفتيش العسكرية، يعد الشريط الساحلي لغزة الممتد على طول 45 كم على البحر المتوسط، أحد الأماكن القليلة التي توفر الشعور بالفضاء والحرية، ومع ذلك يبدو هذا أشبه بالوهم في بعض الأحيان، فعلى بعد أميال قليلة من الساحل، تقوم سفن البحرية الإسرائيلية بدوريات دائمة، وتحظر كل حركة داخل الشاطئ أو خارجه.

صالح والحبيل في منتصف شهر من التدريب المكثف في نادي نورث ستاين، على شاطئ مانلي بمدينة سيدني، وسيتم تقييمهما لنيل الميدالية البرونزية في أواخر شهر يناير، وهي تعد المؤهل الأسترالي الأساسي لإنقاذ الحياة. وتقول رئيسة نادي نورث ستاين سيرفس لإنقاذ الحياة، كريس جيبس ستيوارت، إن العشرات من أعضاء النادي تطوعوا لمساعدة هذين الرجلين القادمين من غزة. وتضيف: «نشعر بأن هذا مشروع مهم للغاية لأن إنقاذ الحياة هو بطبيعة الحال يعني الحفاظ على سلامة الناس على الشاطئ، ولكن الأمر يتعلق بشيء أكبر من ذلك، هو بناء مجتمع، وبناء شعور أسري، نحن نحاول تعليمهما مثل هذه الثقافة الموجودة لدينا».

اعترى سفر صالح والحبيل من غزة إلى سيدني الكثير من العقبات. تقول ستيوارت: «كان علينا أن نبقى مرنين، وأن نعيد تنظيم الأمور، وأن ننتظر قدومهما، لكنهما تأخرا ثم ظهرا في النهاية، ونحن ملتزمون بإنجاح برامجهما ومتابعتها». وتسترسل «نريد أن نظل معهما على اتصال، ونواصل تقديم الدعم، سواء كان ذلك بإرسال معدات أو مواد تدريب، أو إرسال أشخاص إلى هناك للمساعدة، نريد أن نزرع البذور التي تصبح ـ في ما بعد ـ نادياً لإنقاذ الحياة على شاطئ غزة».

عضو لجنة الشواطئ الشمالية لفلسطين، شامخ خليل بدرة، وهو مواطن فلسطيني يدرس الآن في أستراليا، يقول إن الأمر استغرق ما يقارب أربع سنوات من المفاوضات والتخطيط مع عدد من المحاولات الفاشلة لإيصال صالح والحبيل إلى أستراليا. تم التفاوض على تصاريح الخروج والتأشيرات، التي تأخرت بسبب البيروقراطية والرفض.

ويقول بدرة إن مهمة بناء نادي ركوب الأمواج على رمال شاطئ غزة أكبر بكثير من كونه تنظيم دوريات على الرمال، وإنقاد السباحين في الماء. ويؤكد أن «هذا المشروع يمثل الأمل، لقد عانت غزة كثيراً من المشكلات، وصرحت الأمم المتحدة قبل ثماني سنوات أن غزة ستصبح غير قابلة للحياة بحلول عام 2020، نحن في عام 2020 الآن، ومازال الناس يعانون هناك». ويختتم حديثه «قد لا يبدو هذا المشروع سوى شيء صغير، لكن مفهومه قوي للغاية، ويمكن أن يبعث الأمل في الناس هناك».


صالح والحبيل في منتصف شهر من التدريب المكثف بنادي نورث ستاين على شاطئ مانلي في مدينة سيدني، وسيتم تقييمهما لنيل الميدالية البرونزية أواخر يناير.

في مدينة محاطة بالتحصينات، ومخارجها الوحيدة هي نقاط التفتيش العسكرية، يعد الشريط الساحلي لغزة الممتد على طول 45 كم على البحر المتوسط، أحد الأماكن القليلة التي توفر الشعور بالفضاء والحرية.

تويتر