تزوّد جيش ميانمار بالسلاح منذ 2017

دور إسرائيل المخجل في حمــــلة الإبادة ضد الروهينغا

صورة

تقع السفارة الإسرائيلية في رانغون، عاصمة ميانمار، خارج مركز المدينة مقابل بحيرة اينيا، ويحميها حراس محليون مدججون بالأسلحة الأوتوماتيكية، ومحاطة بجدران سميكة لا يمكن تسلقها. زرت المدينة في ديسمبر 2018، لإجراء مقابلة مع السفير الإسرائيلي رونين جيلور، حول المجتمع اليهودي الصغير جداً في ميانمار، ولكن عندما بدأت الحديث عن عمليات الاضطهاد التي يقوم بها جيش ميانمار ضد مسلمي الروهينغا، وهي قضية وثيقة الصلة بأي شخص له علاقة مع ميانمار، وكذلك مبيعات الأسلحة الإسرائيلية لهذا الجيش، رفض السفير جيلور الإجابة على أسئلتي.

وكان السفير جيلور قدم لزعيمة ميانمار، أونغ سان سو تشي، «دعوة مفتوحة لزيارة إسرائيل»، وكانت قد حازت من قبل على جائزة نوبل للسلام، لكنها تحولت إلى شخصية منبوذة لعدم اتخاذها أي موقف من الجرائم المتواصلة التي يرتكبها جيش بلادها ضد مسلمي الروهينغا.

وفي الأسبوع الماضي، أطلق جيلور تغريدة تمنى فيها لـ«سو تشي الشجاعة» الحظ الجيد خلال سفرها إلى محكمة العدل الدولية كي تدافع شخصياً عن التهم التي وجهتها محكمة الجزاء الدولية ضد بلادها، لارتكابها جرائم إبادة ضد الروهينغا، وبعد ذلك قام جيلور بإزالة التغريدة. وقالت وزارة الشؤون الخارجية الإسرائيلية إن تلك التغريدة كتبت «بالخطأ».

وكانت مبيعات الأسلحة والتقنيات الإسرائيلية إلى ميانمار جلبت الاحتقار لإسرائيل، ولكن بعد تغريدة جيلور، أدانت وزارة الشؤون الخارجية الإسرائيلية، وبصورة مباغتة «الأعمال الوحشية التي وقعت في منطقة راخين ضد الروهينغا». ويبدو أن إسرائيل كانت قد رفضت سابقاً استخدام كلمة «الروهينغا» احتراماً لحكومة ميانمار التي ترفض هذه الكلمة، لأنها لا تعترف بالروهينغا كمواطنين لديها، وإنما تعتبرهم «بنغلاديشيين»، ومع ذلك لايزال البيان الإسرائيلي الجديد سلبياً، اذ إنه رفض ذكر المتسبب بهذه «الأعمال الوحشية».

أسوأ الجرائم

والآن، وفي الوقت الذي تواجه فيه ميانمار تهماً بارتكاب أسوأ الجرائم في العالم، من الضروري ألا يقدم لها القادة الإسرائيليون أكثر من أي وقت مضى أي تسهيلات لارتكاب جرائم الإبادة أو التسامح معها علناً.

وفي عام 2016، صعّد جيش ميانمار من أعمال التنكيل التي ظل يشنها على مسلمي الروهينغا منذ عقد من الزمن، حيث أشعل النار في القرى، وألقى بالأطفال الصغار في النيران، واغتصب النساء، وقطع رؤوس الصبيان. واضطر نحو مليون شخص من الروهينغا للهرب، بعد أن تعرض الآلاف منهم للقتل. وقال رئيس مهمة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة في ميانمار، لمسؤولين في الولايات المتحدة في نهاية أكتوبر الماضي، «إنها عملية إبادة مستمرة تحدث هناك في الوقت الراهن»، لكن إسرائيل لم يصدر عنها أي شيء حتى الأسبوع الماضي، ويبدو أن ذلك يرجع إلى العلاقة التي تربطها مع ميانمار، والتي تعود إلى الأيام التي كانت تعرف فيها هذه الدولة باسم بورما.

في عام 1948 نشأت الدولتان، وكان يون هو أول رئيس حكومة لبورما، وكان يتمتع بعلاقات طيبة مع إسرائيل، وتربطه علاقات جيدة مع أول رئيس وزراء إسرائيلي، وهو بن غوريون، كما أنه كان أول رئيس وزراء بورمي يزور إسرائيل. وكانت العلاقات الإسرائيلية البورمية في ذروتها، كما أخبرني السفير جيلور العام الماضي، لأن بورما هي التي مهدت الطريق لإسرائيل لإنشاء علاقات مع الهند والصين.

ولا يعرف معظم البورميين شيئاً عن اليهودية، لكن رئيس المجتمع اليهودي في ميانمار، سامي صموئيل، أبلغني خلال وجودنا في المعبد اليهودي الوحيد في يانغون أن البورميين «يحترمون الإسرائيليين كثيراً».

من جهتها، بادلتهم إسرائيل هذا الاحترام عن طريق إعطاء الضوء الاخضر لشركات صناعة الأسلحة الإسرائيلية، كي يزودوا جيش ميانمار بالأسلحة منذ خريف عام 2017، على الرغم من الاتهامات بارتكابها أعمال عنف ضد الروهينغا، وقيام الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بفرض عقوبات وحظر أسلحة على ميانمار.

وبعد احتجاج المحكمة العليا، ادعت إسرائيل أنها أوقفت بيع الأسلحة المتطورة إلى جيش ميانمار، لكن سفير ميانمار في إسرائيل قال إن هذه الأخيرة لاتزال تبيع الأسلحة لبلاده. وشوهد مسؤولون من ميانمار في يونيو 2019 في معرض للأسلحة أقيم في تل أبيب، الأمر الذي قوض موقف إسرائيل ومصداقيتها.

وفي الحقيقة ليس من مصلحة إسرائيل تأييد جيلور للسيدة سو تشي أمام وسائل الإعلام في ميانمار. وعلق السفير الإسرائيلي في ميانمار في ديسمبر الماضي على أزمة الروهينغا قائلاً «سو تشي هي الآن زعيمة دولة، فهي لم تعد ناشطة في حقوق الإنسان، بل زعيمة لدولتها، ولذلك عليها الاهتمام بالعديد من الأشياء، على سبيل المثال العلاقة مع جيش ميانمار، وهي مهمة جداً»، ولم يذكر جيلور كلمة روهينغا وإنما كان يدعوهم «شعب راخين»، وهي ولاية في ميانمار محاذية لبنغلاديش، والتي كان شعب الروهينغا يعتبرها وطنه، وقام جيش ميانمار بطردهم منها. وهنا يقوم جيلور مرة أخرى بالمداهنة عندما تلفظ بالكلمات المفضلة لدى حكومة ميانمار.

ويبدو أن قبول إسرائيل لهذه الأعمال الوحشية ناجم عن مواصلة رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، لسياسته الانتهازية بصورة تقليدية، حيث يقيم العلاقات مع أي دولة يمكن أن تقيم علاقات دبلوماسية معه بغض النظر عما إذا كان يحكمها قادة سيئون ودكتاتوريون وقتلة أيضاً، وربما أن حقيقة عزلة إسرائيل في الشرق الأوسط هي التي تدفعها لمد أذرعها الدبلوماسية إلى أبعد حد تستطيعه، ولكن التسامح مع أعمال الإبادة في ميانمار يعتبر مبالغة لا يمكن قبولها.

انتقادات

وعلى الرغم من الانتقادات الإسرائيلية الأخيرة لميانمار، وإن كانت تصب في الاتجاه الصحيح، إلا أن إسرائيل لاتزال تسمح للمجرمين في هذه الدولة بأن يفعلوا ما يحلو لهم، وسيظل دعم جيلور للسيدة سو تشي يعكس شكل السياسة الإسرائيلية إزاء ميانمار، والتي تتمثل في الدعم الكبير غير المشروط، حتى إن ارتكبت جرائم إبادة، كما تفعل الآن مع الروهينغا. وذكر السياسي والقانوني من غامبيا، أبوبكر تامبادو، والذي جلب قضية الروهينغا إلى محكمة الجزاء الدولية، قول الفيلسوف الإيرلندي، أدمنود بيرك، بينما كان يقف في قاعة المحكمة على بعد بضع خطوات من سو تشي «الأمر الوحيد اللازم لانتصار الشر هو ألا يفعل الخير أي شيء»، وأضاف تامبادو «كل يوم يمضي دون القيام بأي تحرك يعني أن مزيداً من الناس سيقتلون، ومزيداً من النساء سيتعرضن للاغتصاب، ومزيداً من الأطفال سيحرقون أحياء. وما الذنب الذي اقترفوه؟ فقط لأنهم خلقوا مختلفين عن غيرهم».

وكان الأسلوب الدولي المقتضب الذي قدم العديد من الأولويات لحماية اليهود في أوروبا، هو الذي أدى الى حدوث المحرقة النازية، وأدى التعامي الإسرائيلي عما تقوم به ميانمار إلى منحها الأدوات والمجال اللازم من أجل ارتكاب الأعمال الوحشية ضد الروهينغا، وهو أمر يمثل تشويهاً محزناً لصرخة قادة الحلفاء بعد الحرب العالمية الثانية، عندما قالوا «لن يحدث ذلك مرة أخرى»، وكانوا يقصدون ما حدث من أعمال قتل وإبادة في تلك الحرب، ولكن للأسف يحدث ذلك من جديد وربما على نحو أكثر بشاعة على يد دولة حليفة لإسرائيل.

• قبول إسرائيل للأعمال الوحشية ضد الروهينغا ناجم عن مواصلة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لسياسته الانتهازية بصورة تقليدية، حيث يقيم العلاقات مع أي دولة يمكن أن تقيم علاقات دبلوماسية معه بغض النظر عما إذا كان يحكمها قادة سيئون ودكتاتوريون وقتلة أيضاً.

• إسرائيل كانت قد رفضت سابقاً استخدام كلمة «الروهينغا»، احتراماً لحكومة ميانمار التي ترفض هذه الكلمة لأنها لا تعترف بالروهينغا كمواطنين لديها، وإنما تعتبرهم «بنغلاديشيين»، ومع ذلك لاتزال لغة الخطاب الإسرائيلية الجديدة سلبية، إذ إنها ترفض ذكر المتسبب بهذه «الأعمال الوحشية».

تشارلز دانست - صحافي مستقل مقيم في منطقة جنوب شرق آسيا

تويتر