«الحرية والتغيير» تواصل تفكيكها لنظام المخلوع في خطوة تحدٍّ مفتوحة

إدانة البشير و«تظاهرة الكيزان» منعطف في مسيرة ثورة ديسمبر

صورة

شهدت الخرطوم أول من أمس تطورات متلاحقة تفتح صفحة جديدة في المعركة المتواصلة بين قوى ثورة ديسمبر 2018، ونظام الرئيس المعزول عمر البشير البائد، حيث أصدرت محكمة الاستئناف حكماً بإيداع البشير مؤسسة إصلاحية، وتوازى ذلك مع إصدار المجلس السيادي جملة قرارات جديدة لتفكيك بنية النظام، كما خرجت تظاهرات قدرها أنصارها بالآلاف أطلقت على نفسها اسم «الزحف الأخضر» من تجمعات مناصرة للبشير، فيما دعا زعيم حزب الأمة القومي الصادق المهدي إلى «مصالحة وطنية» لكل القوى السياسية و«انتخابات مبكرة».

وأصدر قاضي محكمة الاستئناف بالخرطوم الصادق عبدالرحمن حكماً بإيداع الرئيس المعزول عمر البشير لعامين مؤسسة الإصلاح الاجتماعي، ومصادرة الأموال بالنقد الأجنبي التي وجدت بحيازته لإدانته بالفساد المالي والثراء الحرام.

وكانت المحكمة قضت بالسجن 10 سنوات على الرئيس المعزول بتهم الفساد المالي قبل أن تخفف الحكم لعامين، بموجب المادة (48) من القانون الجنائي لتجاوزه سن السبعين، وقد قاطعت هيئة دفاع البشير المحكمة أثناء تلاوتها ديباجة الحكم واتهموها بالتسييس، فطردهم القاضي خارج المحكمة.

من جهته اعتبر «تجمع المهنيين السودانيين»، في بيان «أن النطق بالحكم في قضية الرئيس المعزول عمر البشير يمثل إدانة سياسية وأخلاقية للمخلوع ونظامه، كما أن حيثيات المحكمة تكشف عن جانب من سوء إدارة الدولة والمال العام».

غيض من فيض

وقال التجمع في البيان «إن التهم تتعلق بحيثيات اعتقال المخلوع وما ضبط بحوزته من أموال، وإنها قد ذهبت للقضاء على أيام المجلس العسكري، وقبل تشكيل السلطة الانتقالية، فلا تعدو أن تكون غيضاً من فيض فساده وعلوِّه في الأرض، وبدايةً لا أكثر لجرد الحساب». وتابع البيان أن «هذا الحكم ليس نهاية المطاف، فصحائف اتهام البشير على موبقاته الكبرى يعمل عليها عدد من اللجان والنيابة العامة في مراحل مختلفة، وهي تشمل انقلابه على الديمقراطية، وتقويض الشرعية في 1989، وكل جرائم نظامه منذئذٍ». وأشار البيان إلى أن «التهم التي مازال البشير يواجهها تشمل التعذيب والاغتيال في المعتقلات، منذ علي فضل وحتى محجوب وأحمد الخير، بالاضافة إلى التصفية العرقية، والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها قواته في دارفور، بحسب توصية المحكمة الجنائية الدولية، نضيف إليها الجرائم المماثلة في جبال النوبة والنيل الأزرق والجنوب قبل استقلاله، كما يواجه اتهامات بقتل المتظاهرين السلميين على امتداد فترة حكمه، وعلى وجه الخصوص في شهداء بورتسودان، وكجبار، وسبتمبر 2013 وديسمبر 2018، وجرائم سياسة التمكين، والثراء الحرام، والتصرف بالبيع في أصول الدولة وثرواتها وأراضيها». وختم البيان «إننا إذ نثمِّن المهنية وعدالة التقاضي، التي أتيحت للمجرم المخلوع من حق الدفاع وعلنية الجلسات في إطار هذه المحاكمة، وهي تعكس قيم الثورة والتغيير، نُؤكد أيضاً على ضمان محاسبة المخلوع، وأن يلقى عقابه على سوء ما عمل بعدما أخذه الشعب أخذ عزيز مقتدر فأصبح من الخانعين».

في الاتجاه ذاته، وعقب إصدار الحكم، أصدر المكتب التنفيذي للنيابة العامة السودانية بياناً قال فيه «لقد صدر حكم محكمة الجنايات بإدانة المتهم عمر حسن أحمد البشير بالتهمة الموجهة إليه تحت المادة (5) والمادة (9) من قانون التعامل بالنقد الأجنبي».

وشمل القرار إدانة المتهم أيضاً بالتهمة الموجهة إليه تحت المادتين (6) و(7) من قانون مكافحة الثراء الحرام والمشبوه لسنة 1989 في الدعوى الجنائية رقم 40، ووقعت المحكمة عقوبة السجن بحقه لمدة سنتين، وهذا يرسل إشارة في اتجاهات عدة:

أن هذه أول قضية يقدم فيها رأس النظام السابق للمحاكمة، وينتظره عدد آخر من القضايا تحت المادة (130)، منها القتل العمد، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم تقويض النظام الدستوري، وتصل العقوبة في كل منها في حالة الإدانة إلى عقوبة الإعدام.

وأن المركز القانوني لعمر البشير قد تحول من موقف المتهم إلى موقف المحكوم عليه، ويخضع بالتالي للوائح السجون بكل ما تفرضه تلك اللوائح من قيود.

وأن رمزية الإدانة تشير إلى الطريقة التي كانت تدار بها أموال الدولة، وأن الإدانة تحت المواد المذكورة لشخص كان رئيساً للجمهورية تكشف عن سوء المنقلب.

وأن القاضي بذل مجهوداً كبيراً في تسبيب الحكم بمهنية عالية، وأتاح فرصة للنيابة والدفاع في تقديم أدلتهم وأسانيدهم وأسبابهم القانونية، لكن سلوك محامي الدفاع في تسييس القضية داخل المحكمة وفي جلسة النطق بالحكم لهو أمر مرفوض، ولا يليق بهيئة دفاع من المفترض فيها التعامل بأدوات القانون، وليس أدوات السياسة، ويتعارض وميثاق أخلاقيات مهنة المحاماة.

وأن الأدانة تحت قانون مكافحة الثراء الحرام والمشبوه سقطت معها كل هتافات وشعارات الادعاء بالطهر والأمانة والنقاء. وأن النيابة العامة تباشر الآن التحقيق في الجرائم التي ارتكبها البشير ورموز نظامه السابق منذ عام 1989 حتى تاريخ سقوط نظامه في أبريل 2019 (جرائم قتل المتظاهرين وانتهاكات حقوق الإنسان والجرائم ضد الإنسانية في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، جرائم الاغتصاب، جرائم التعذيب، جرائم الاختفاء القسري، وجرائم الفساد الأخرى التي تصل المبالغ الواردة فيها إلى مليارات الدولارات). وأن شعب السودان موعود بمحاكامات البشير ورموز نظامه السابق عن كل ما سبق ذكره بالقانون. على صعيد موازٍ وفي التوقيت نفسه، أعلن المتحدث الرسمي باسم المجلس السيادي محمد الفكي سليمان إصدار لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال قرارها رقم (1)، بتشكيل لجنة لتصفية حزب المؤتمر الوطني المنحل.

وقال الفكي في بيان إن للجنة التي أُسندت رئاستها للمحامي طه عثمان إسحاق، اختصاصات واسعة، وستعمل على استلام وحجز جميع الأصول الثابتة والمنقولة من «دور، وعقارات وعربات، وآليات» كانت مملوكة للحزب المحلول بكل أنحاء البلاد.

وأصدرت اللجنة أيضاً - بحسب الفكي - قرارها رقم (2) القاضي بحل المكتب التنفيذي ومجلس نقابة المحامين السودانيين.

كما أصدرت أيضاً قرارها رقم (3) القاضي بحل النقابات والاتحادات المهنية واتحاد أصحاب العمل، ويشمل القرار حل المكاتب التنفيذية ومجالس النقابات المُنشأة بموجب قانون النقابات لسنة 2010، وحل المكاتب التنفيذية ومجالس الاتحادات المهنية المُنشأة بموجب قانون الاتحادات المهنية 2004، كما قضى القرار بحل المكاتب التنفيذية ومجالس الاتحادات المُنشأة بموجب قانون أصحاب العمل لسنة 1992.

وبموجب القرار - حسب الفكي - يحقُّ للجنة حجز العقارات المُسجلة بأسماء النقابات والاتحادات المهنية وأصحاب العمل، وحجز السيارات والآليات ووسائل النقل المُسجلة باسم النقابات والاتحادات المهنية واتحاد أصحاب العمل، وحظر التصرّف فيها.

وقال إن السند الذي تقدمه لجان المقاومة والثوار الأحرار هو خير معين للحكومة الانتقالية، لتتمكّن من إنجاز مهامها التي أُسندت إليها.

وختم الفكي بيانه بالقول «لن يمرّ علينا اليوم الذي يتزامن مع ذكرى انطلاق الحراك الثوري دون أن نخطو نحو التخلص من بقايا النظام السابق، ونكمل نضالات الأجيال المتعاقبة منذ نحو ثلاثة عقود، لبناء سودان حرٍّ ونزية تسوده قيم العدالة، وتتحرّك فيه عجلة البناء والتنمية من أجلنا جميعاً».

على صعيد مقابل، خرجت أعداد من المتظاهرين، قدرها أنصارها بالآلاف، بشارع القصر بوسط الخرطوم من أنصار البشير وما يطلق عليهم في السودان «الكيزان»، تلبية لدعوة أطلقها مجهولون موكب «الزحف الأخضر»، مندّدين بسياسة الحكومة الانتقالية، وردّدوا هتافات بمكبرات الصوت «حرية سلام عدالة والإسلام خيار الشعب»، «سقطت سقطت يا حمدوك».

ونفى حزب المؤتمر الوطني المنحل مسؤوليته ودعوته للتظاهرات، كما نفى الأمر نفسه حزب المؤتمر الشعبي الذي كان يتزعمه حسن الترابي، لكن قيادات الحزبين أعلنت أنها ستشارك فيها.

من جانبه، طالب زعيم حزب الأمة القومي الصادق المهدي في لقاء جماهيري أول من أمس في «الدمازين» قوى إعلان الحرية والتغيير بعدم «الاستهانة» بما أسماه بـ«التيار الإسلامي»، لما له من قوة وعتاد ومال، مشيراً إلى ما وصفه بوجود أخطاء كارثية في ممارسات حكومة عبدالله حمدوك، فيما لم يستبعد المهدي تدخل الجيش لتصحيح المسار. ودعا المهدي «الأطراف بالساحة السياسية السودانية إلى ضرورة تغليب مصلحة الوطن العليا وتجنيب البلاد الانزلاق نحو مصير مجهول، ونبه إلى أن إجراء انتخابات مبكرة هو الحل الوحيد للخروج بالبلاد من هذا المأزق». ودعا المهدي التيار الإسلامي للقبول بحوار وطني ينتهي بمصالحة وطنية شاملة عبر مؤتمر جامع يشارك فيه كل أهل السودان.


- هذه أول قضية يقدم

فيها رأس النظام

السابق للمحاكمة،

وينتظره عدد آخر من

القضايا تحت المادة

(130)، منها القتل

العمد، والجرائم ضد

الإنسانية.

- الصادق المهدي يطالب قوى إعلان الحرية والتغيير بعدم «الاستهانة» بـ«التيار الإسلامي» لما له

من قوة وعتاد ومال.

- النطق بالحكم في قضية الرئيس المعزول عمر البشير

يمثل إدانة سياسية وأخلاقية للمخلوع ونظامه، كما

أن حيثيات المحكمة تكشف عن جانب من سوء إدارة

الدولة والمال العام.

تويتر