تتويجاً لعقود من دعم الحزبين لبنائها

اعتراف ترامب بشرعية المستوطنات الإسرائيلية.. موقف الإدارات الأميركية كافة

صورة

إعلان وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، أن الولايات المتحدة لم تعد تعتبر المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير شرعية، لا ينبغي أن يكون مثيراً لدهشة أحد، إذ إن السياسيين، من الجمهوريين والديمقراطيين، يؤيدون هذا التوجه منذ عقود خلت.

وفي حقيقة الأمر، فإن عدم شرعية المستوطنات لا يمكن أن تكون أشد وضوحاً مما هي عليه الحال الآن، حيث تحظر الفقرة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة، التي وقّعت عليها إسرائيل والولايات المتحدة، قيام أي قوة محتلة بنقل «بعض من سكانها المدنيين إلى المناطق التي تحتلها»، واعترفت القرارات التي تلت ذلك، الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، وهي 446، 452، 465، 471، 2234، علناً أن اتفاقية جنيف الرابعة تنطبق على الأراضي الإسرائيلية، وهو الأمر ذاته الذي أكده القرار الصادر عام 2004 عن محكمة الجزاء الدولية.

وأقرت إدارات الرؤساء الاميركيين، ريتشارد نيكسون، وجيرالد فورد، وجيمي كارتر، بعدم شرعية هذه المستوطنات، عندما بدأت حركة الاستيطان الإسرائيلي في سبعينات القرن الماضي. وكانت إدارة الرئيس، رونالد ريغان، أولى الإدارات التي امتنعت عن وصف المستوطنات بأنها غير شرعية، لكنها ظلت تعارض التوسع.

وفي عام 1991، أصر الرئيس، جورج بوش الأب، على تجميد المستوطنات شرطاً لمنح ضمان قرض مثير للجدل قيمته 10 مليارات دولار إلى إسرائيل. وفي المقابل أدى ذلك إلى جعل أعضاء الكونغرس، بمن فيهم جميع المرشحين للرئاسة من الديمقراطيين عام 1992، يهاجمون بوش، ويدعونه إلى منح ضمان القروض من دون شروط، وفي نهاية المطاف أذعن لمطالب إسرائيل.

كلينتون دعم المستوطنات

وفي ظل إدارة الرئيس، بيل كلينتون، أصبح دعم الولايات المتحدة للمستوطنات الإسرائيلية واضحاً، حيث زادت المساعدات المخصصة لإسرائيل بقيمة المبالغ ذاتها المخصصة لبناء المستوطنات. وبالتالي فان هذه الإدارة كانت تستخدم أموال دافع الضرائب الأميركي لدعم التوسع الاستيطاني، وتقويض الجهود التي يقوم بها ناشطو السلام والمجتمع الدولي لتجميد التوسع الاستيطاني.

وعند توقيع اتفاقات أوسلو، في سبتمبر 1993، ضغط الفلسطينيون لمصلحة معالجة قضية المستوطنات فوراً، وأصر الرئيس كلينتون على أنه يجب تأجيلها إلى «قضايا المرحلة النهائية»، وبالتالي يمكّن إسرائيل من إيجاد «حقائق على الأرض» أو موطئ قدم لها في الأراضي الفلسطينية عن طريق بناء مزيد من المستوطنات، في الوقت الذي كانت عملية السلام تتحرك ببطء.

وما أثار دهشة المجتمع الدولي أن إدارة كلينتون أصرت أيضاً على أن معاهدة جنيف الرابعة، وقرارات مجلس الأمن الدولي الأربعة، المتعلقة بالمستوطنات، لم تعد ذات صلة بهذه المستوطنات الإسرائيلية. واستخدمت الإدارة حق النقض (الفيتو) ضد قرارين كان التصويت عليهما بالإجماع، لولا الفيتو الأميركي، يدعوان إسرائيل إلى وقف النشاطات الاستيطانية. وفي عام 1998، وافقت إدارة كلينتون والكونغرس على تقديم مساعدات إضافية إلى إسرائيل لبناء «طرق التفافية»، وتعزيزات أمنية للمستوطنين الإسرائيليين في الأراضي المحتلة.

واقترح كلينتون ورئيس الحكومة الإسرائيلية في حينه، إيهود باراك، حدوداً للدولة الفلسطينية تم الكشف عنها في قمة كامب ديفيد عام 2000، واستثنت معظم المستوطنات الحديثة التي سيتم ضمها إلى إسرائيل، وقاما أيضاً بتقسيم الضفة الغربية الفلسطينية إلى أريع مناطق غير متلاصقة. وأدرك الفلسطينيون عند ذلك أن مثل هذه الدولة لن يكتب لها الحياة، وبناء عليه رفضوا الاقتراح. وكان فشل الولايات المتحدة في مطالبة إسرائيل بالتزاماتها القانونية والدولية والتوقف عن بناء المستوطنات، هو المسؤول عن انهيار عملية السلام، وظهور مجموعات فلسطينية متطرفة مثل «حماس».

وخلال إدارة جورج بوش الابن، وعلى الرغم من الدعوات الصريحة في خطة ميتشل، وخطة زيني، وخارطة الطريق، التي تفاخرت بها الإدارة الأميركية، والتي كانت تهدف إلى تجميد التوسع الاستيطاني لإسرائيل، فشلت إدارة بوش، والكونغرس الأميركي الذي كان يسيطر عليه الديمقراطيون، في تحريك عملية السلام.

وفي عام 2004 صادق بوش الابن، وأغلبية ساحقة من الكونغرس، على خطة الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، التي يقودها رئيس الوزراء الإسرائيلي، أرييل شارون، والتي تقضي بضم جميع المستوطنات الإسرائيلية إلى إسرائيل، لتترك الفلسطينيين يعيشون في سلسلة من الكانتونات الصغيرة غير المتلاصقة في الضفة الغربية، إضافة إلى قطاع غزة المحاصر والفقير.

المستوطنات غير شرعية

وفي العام ذاته، أكدت محكمة الجزاء الدولية مجدداً عدم شرعية المستوطنات في قرار كان المفروض أن يكون التصويت عليه بالإجماع، لولا أن انفردت الولايات المتحدة برفضه. ودانت القرار إدارة الرئيس بوش، والمرشح الديمقراطي في حينه جون كيري، وأغلبية ساحقة من الحزبين في الكونغرس.

وكانت إدارة الرئيس، باراك أوباما، أكثر انتقاداً للمستوطنات، لكنها كانت تحجم عن وصفها بأنها غير شرعية. وفي عام 2011، استخدمت هذه الإدارة فيتو، هو الوحيد من نوعه، ضد قرار يؤكد عدم شرعية المستوطنات، ويدعو إلى تجميد بنائها.

وكانت إدارات الرؤساء كلينتون وبوش وأوباما، ترى أن موضوع المستوطنات الإسرائيلية ليس قضية قانونية، حسب تحديد المحكمة الدولية والأمم المتحدة، أو ما يمكن أن تحدده المواثيق القانونية، وإنما استناداً إلى ما يتفق عليه الإسرائيليون والفلسطينيون أنفسهم.

وهذه الرؤية تتجاهل التباين الكبير في القوة بين الفلسطينيين الرازحين تحت الاحتلال والإسرائيليين المحتلين، ويضاف إلى هذا التباين في القوة، حقيقة أن الولايات المتحدة (الوسيط الوحيد في المفاوضات) تلعب دور الداعم عسكرياً واقتصادياً ودبلوماسياً لقوة محتلة.

وقالت المرشحة الرئاسية السابقة عن الحزب الديمقراطي، هيلاري كلينتون، إن إدارة أوباما بذلت كل ما في وسعها منذ أيامها الأولى في البيت الأبيض لدفع إسرائيل نحو وقف بناء المستوطنات. لكنها عندما كانت عضواً في الكونغرس، قامت بزيارة لمستوطنة كبيرة في الضفة الغربية المحتلة، في ما يبدو لتقديم الدعم لها. وفي عام 2016 رفض الحزب الديمقراطي إدانة أو ذكر الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنات، وإنما أثنى على ما وصفه بقيم إسرائيل المتمثلة في «الديمقراطية، والمساواة، والتسامح، والتعددية».

ولابد أن ذلك شكّل دهشة كبيرة بالنسبة للفلسطينيين في الضفة الغربية، الذين يعيشون تحت حكم الفصل العنصري (الأبارتهايد) الإسرائيلي، حيث يعيش المستوطنون الإسرائيليون في مدن وبلدات حديثة لليهود فقط، ومتصلة مع بعضها بطرق مخصصة لليهود فقط أيضاً، أنشئت على أراضٍ تمت مصادرتها من الفلسطينيين. وقامت إسرائيل بتدمير آلاف المنازل الفلسطينية، واقتلعت أشجار البساتين، وامتلكت المياه الجوفية، وسيطرت على حركة الفلسطينيين في أراضيهم، من أجل توسيع المستوطنات والبنية التحتية المرتبطة بها.

قانون التجارة

في عام 2016 أيضاً، أصدرت الأغلبية من الحزبين في الكونغرس قانون التجارة، الذي يحدد رسمياً دولة «إسرائيل» باعتبارها تتضمن الأراضي الفلسطينية التي يعترف المجتمع الدولي بأنها تحت احتلال أجنبي. وتم هذا الإجراء لثني العديد من الشركاء التجاريين الأميركيين عن مقاطعة البضائع المصنوعة في المستوطنات غير الشرعية، أو منع شركاتهم من دعم الاحتلال الإسرائيلي. وأصدر الكونغرس الأميركي قانون جمارك، شارك فيه الحزبان، يدعم رجال الأعمال والأفراد العاملين في المستوطنات غير الشرعية.

وتحاجج لارا فريدمان، من مجموعة «الأميركان الصهاينة من أجل السلام»، أن مثل هذه الجهود لا تهدف إلى «حماية إسرائيل مطلقاً»، لكنها تعمل على «حماية المستوطنات الإسرائيلية من الضغوط»، و«تهدف إلى وضع نظرية في القانون الأميركي مفادها أنه ليس هناك أي اختلاف بين إسرائيل والمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة»، وإضافة إلى ذلك قامت ولايات أميركية عدة بإصدار قوانين تهدف إلى معاقبة الشركات والأفراد والمقاولين الذين يرفضون شراء المنتجات المصنوعة في المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية.

وفي ديسمبر عام 2016 كانت الولايات المتحدة العضو الوحيد في مجلس الأمن الدولي، الذي رفض دعم قرار يؤكد على عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية، ويدعو إلى تجميد توسيعها، وبخلاف ما حدث قبل خمس سنوات من هذه الفترة، رفض الرئيس أوباما استخدام حق الفيتو ضد هذا القرار، الأمر الذي دفع الرئيس المنتخب في حينه، دونالد ترامب، إلى توجيه انتقادات شديدة اللهجة له.

تصويت تاريخي

وفي الرد على هذا الموقف، وفي أول تصويت على السياسة الخارجية للكونغرس الجديد في يناير، بعد تسلم ترامب السلطة، انضم الأغلبية في مجلس النواب إلى الجمهوريين لإصدار قرار يدعم ترامب ضد أوباما، لإدانته في رفضه استخدام الفيتو ضد ذلك القرار، الذي يصف المعارضين للمستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية بأنهم «معادون لإسرائيل». وعليه فإن قرار إدارة ترامب، الأسبوع الماضي، لا يعتبر تغيراً كبيراً في السياسة الأميركية، وإنما ببساطة تتويج لعقود من دعم الحزبين للتوسع الاستيطاني الإسرائيلي، والاحتلال الإسرائيلي.

ستيفن زونيس أستاذ في العلوم السياسية والدراسات الدولية في جامعة سان فرنسيسكو


كانت إدارات الرؤساء كلينتون وبوش وأوباما، ترى أن موضوع المستوطنات الإسرائيلية ليس قضية قانونية حسب تحديد المحكمة الدولية والأمم المتحدة، أو ما يمكن أن تحدده المواثيق القانونية، وإنما استناداً إلى ما يتفق عليه الإسرائيليون والفلسطينيون أنفسهم.

 

تويتر